«أشعر بأننا معاقبون»… قالت أم علاء من سكان حي الروضة وسط العاصمة دمشق تعليقاً على برنامجي تقنين المياه والكهرباء اللذين تطبقهما الحكومة أخيراً، حيث يقتصر تزويد الكهرباء على ساعة واحدة مقابل فترات انقطاع تتراوح بين 5 و9 بحسب الأحياء وأيام الأسبوع.
وتشتكي السيدة وغيرها ليس من قلة ساعات التزويد فحسب، وإنما أيضاً من عدم التنسيق بين قطاعي المياه والكهرباء. وترى أم علاء أنه «من غير المنطقي قطع المياه في أثناء ساعة تزويد الكهرباء»، مشيرة إلى أن ذلك يحرم الناس من إنجاز الأعمال المنزلية وفرصة ملء الخزانات، وتقول: «نضطر لشراء مياه الصهاريج في وقت نؤمِّن فيه بصعوبة ثمن الأكل».
وتبدي أم علاء انزعاجاً كبيراً من تبدد الوعود برفع ساعات تزويد الكهرباء وتضيف: «وُعدنا بأن الكهرباء ستتحسن خلال 3 أشهر، ولكن بعد مضي 8 أشهر حُرمنا من الماء والكهرباء معاً من دون أن نعرف إلى متى يستمر هذا الوضع».
ارتفع الاعتماد على شراء صهاريج المياه في ظل أزمة خانقة (إ.ب.إ)
ومع حلول شهر أغسطس (آب) تصل سوريا إلى ذروة موجة الجفاف التي سبق أن تم التحذير منها في أبريل (نيسان) الماضي، مع انخفاض منسوب المياه إلى أدنى مستوى منذ عقود، وفرض الحكومة إجراءات إضافية لترشيد استهلاك المياه، وفرض تقنين للكهرباء على نحو خانق قد تمتد أكثر من 12 ساعة أحياناً، في وقت كان ينتظر فيه السوريون انفراجات في الأوضاع المعيشية المتفاقمة منذ سنوات. هذا وتأمل الناس خيراً بكلام السلطة الجديدة التي فور توليها الحكم بدمشق وعدت بتحسين الاقتصاد، وتأمين موارد الطاقة في أقل من 3 أشهر.
نبع الفيجة في وادي بردى المزوّد الرئيسي للمياه في دمشق وريفها (أ.ب)
إلا أنه رغم ما أعلن من رفع العقوبات الاقتصادية وتعليقها، لم يلمس السوريون أي أثر إيجابي بعد، بل إن الأزمات تفاقمت في القطاعات الخدمية الأساسية مثل الكهرباء والماء والاتصالات، وسط ارتفاع هائل في الأسعار، ما زاد من الأعباء المعيشية، وولَّد حالة من الاحتقان والقلق.
وهناك من يرد أسباب ذلك إلى التحديات السياسية الكبيرة التي تحاصر الحكومة، بينما يرى آخرون أن الوعود قد تكون صادقة، لكنها تنمّ عن «عدم خبرة في الإدارة». ويقول خالد صياح وهو عضو في إحدى لجان أحياء دمشق: «من الواضح أن السلطة الجديدة لدى تسلمها إدارة البلد لم تعرف حجم التحديات المطروحة، وأطلقت الوعود اعتماداً على تجربتها في إدارة محافظة واحدة (إدلب)؛ لأن الأمر بعد الوصول إلى دمشق أعقد والتحديات أكثر كثيراً».
اقرأ ايضا: الأهلي ونيوم يراقبان تحركات الهلال حول الغنام
وأكّد صياح في حديث مع «الشرق الأوسط» ضرورة التوصّل لحلول سياسية تنعكس بدورها على الأوضاع المعيشية، لافتاً إلى حالة الركود التي تضرب الأسواق، وشح السيولة بين الناس.
زوار يشاهدون جفاف الخزان الرئيسي للنبع في عين الفيجة بوادي بردى بسوريا في مايو 2025 (أ.ب)
الشغل الشاغل لعموم السوريين اليوم أزمات المياه أو الكهرباء وحتى الاتصالات، في فصل صيف لاهب على مختلف الصعد. ووزعت المؤسسة العامة لمياه الشرب في محافظة دمشق وريفها برنامج تزويد المياه للأحياء خلال شهر أغسطس المقبل بزيادة في ساعات التقنين. وأوضح مدير عام مؤسسة المياه في دمشق وريفها، أحمد درويش، أن العاصمة تعاني حالياً من «تحديات كبيرة على صعيد إمدادات المياه». وقال في تصريحات للإعلام إن «إعادة تنظيم أدوار التزويد تجري بما يتماشى مع الإمكانات المتاحة».
وأوضح أن الانقطاع المتكرر للمياه يعود إلى 3 عوامل رئيسية؛ أولها التراجع الملحوظ في منسوب المصادر المائية، وثانيها نقص مصادر الطاقة اللازمة لضخ المياه، وثالثها الأعطال الطارئة التي تصيب خطوط الشبكة بين الحين والآخر. وأشار درويش إلى وجود خطة طوارئ تهدف إلى إعادة تأهيل أكبر عدد ممكن من الآبار والمصادر المائية لتعويض النقص، إلى جانب صيانة شبكات النقل والتوزيع.
أما فيما يخص المشاريع الاستراتيجية التي تدرس لضمان استدامة الإمدادات المائية على المدى الطويل، فقال إن تنفيذها يتطلب «موارد مالية وفنية وبشرية ضخمة».
نبع عين الفيجة بريف دمشق الغربي الذي يعدّ المصدر الرئيسي لمياه الشرب بالمدينة (وسائل تواصل)
كانت مؤسسة المياه أعلنت رفع حالة الطوارئ في أبريل الماضي في ظل شح الموارد المائية، وارتفاع الطلب على المياه، وانخفاض هطول الأمطار إلى 30 في المائة من كمية الأمطار السنوية لنبع الفيجة، بينما لم يتجاوز الهطول المطري لمدينة دمشق 23 في المائة، وهي أقل نسبة يتم تسجيلها منذ 6 عقود، وحذرت المؤسسة من فصل صيف قاسٍ.
وتحتاج مدينة دمشق وريفها إلى 450 ألف متر مكعب يومياً من المياه، ويقدَّر حجم النقص بنحو 100 ألف متر مكعب خلال فصل الصيف.
ومع أن أزمة المياه تعد من الأزمات الدائمة في سوريا ففي هذا الصيف لأول مرة يلجأ سكان العاصمة إلى شراء مياه الصهاريج التي انتشرت في السنوات السابقة على نطاق واسع في ريف دمشق ومناطق أخرى بعيدة عن العاصمة.