أوصى الصحفي الفلسطيني أنس الشريف قبل استشهاده بنشر وصيته، والتي عبّر فيها عن رسالته الأخيرة وصوته الذي حاول الاحتلال إسكاته باغتياله. بدأ الشريف وصيته بتحية السلام، مؤكداً أنه بذل كل جهده ليكون صوتاً وسنداً لأبناء شعبه منذ طفولته في مخيم جباليا للاجئين، متمنياً العودة إلى بلدته الأصلية عسقلان المحتلة “المجدل”.
في نص الوصية، عايش الشريف الألم والوجع والفقد، لكنه ظل ينقل الحقيقة دون تحريف، منتقداً من سكتوا عن قتل الفلسطينيين وحصارهم، مطالباً بعدم السكوت أمام الجرائم التي يتعرض لها شعبه.
وقد أوصى الشريف بفلسطين وأهلها وأطفالها المظلومين، داعياً إلى كسر القيود والحدود ليكونوا جسوراً نحو تحرير البلاد والعباد. كما أوصى بأسرته: زوجته أم صلاح، وطفليه شام وصلاح، ووالدته التي كانت دعاؤها حصنه ونوره طريقه.
وختم الشريف وصيته بالإيمان بالثبات على المبدأ وبأنه راضٍ بقضاء الله، سائلاً الله أن يتقبله شهيداً وأن يجعل دمه نوراً يضيء طريق الحرية لشعبه.
تأتي هذه الوصية لتُبرز الشجاعة والتمسك بالحق لدى أنس الشريف الذي استشهد في 6 أبريل 2025، وتبقى رسالته حية في ذاكرة الشعب الفلسطيني.
“هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة.إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي.بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة “المجدل” لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ.عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف.
أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم.أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام،فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران.
اقرأ ايضا: حماس تدين استهداف جيش الاحتلال لطابور نساء ينتظرن المساعدات في غزة
أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة.أُوصيكم بأهلي خيرًا،أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم.
وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة.
أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي. أدعو الله أن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء.
وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان.
أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل.إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.
اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.
لا تنسوا غزة…ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول.أنس جمال الشريف06.04.2025
هذا ما أوصى بنشره الحبيب الغالي أنس عند استشهاده.”