الإثنين, أغسطس 11, 2025
الرئيسيةالاخبار العاجلةإسرائيل تواصل تغييب الصحافيين في غزة لطمس صورة جرائمها

إسرائيل تواصل تغييب الصحافيين في غزة لطمس صورة جرائمها

تتعمد إسرائيل منذ بداية حربها في قطاع غزة استهداف الصحافيين الذين يعملون على تغطية الأحداث المختلفة، بما في تلك التي تهدف لإبراز المعاناة الإنسانية الكبيرة التي لحقت بسكان القطاع بفعل هذه الحرب المستمرة منذ 22 شهراً.

وآخر من قتلتهم إسرائيل، فجر الاثنين، بقصف خيمة خاصة بعملهم داخل عيادة مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، 6 صحافيين، من بينهم طاقم قناة «الجزيرة» القطرية، بمراسليها أنس الشريف، ومحمد قريقع، واثنان من المصورين للقناة هما إبراهيم ظاهر، ومؤمن عليوة، إلى جانب مساعدهما محمد نوفل، وصحافي آخر يعمل بشكل حر لعدة مؤسسات ومنصات إعلامية، هو محمد الخالدي.

وبينما ادعت إسرائيل أن العملية استهدفت أنس الشريف بحجة أنه ناشط في حركة «حماس»، نفت مصادر فلسطينية متطابقة من بينها أفراد من عائلته في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون للشريف علاقة بالحركة، مؤكدةً أنه كان ناشطاً بها سابقاً، وتركها منذ سنوات عدة، ولم يعد يعمل في من أطرها التنظيمية، ولم يشكل يوماً أي خطر على الاحتلال.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه قتل الشريف في غارة جوية على مدينة غزة، الأحد، متهماً إياه بقيادة خلية تابعة لحركة «حماس». أضاف: «كان أنس الشريف قائداً لخلية إرهابية في حركة (حماس) الإرهابية، وكان مسؤولاً عن إطلاق صواريخ على المدنيين الإسرائيليين وقوات الجيش الإسرائيلي».

وتتخذ إسرائيل في كل مرة تقتل فيها صحافيين ذريعة انتمائهم لفصائل فلسطينية مبرراً لعملية قتلهم، حيث بلغ عدد الصحافيين الذين قُتلوا في سلسلة من العمليات المركزة «الاغتيالات» أو من خلال الاستهداف غير المركز لمجرد تصوير حدث هنا أو هناك، أو بفعل ضرب أهداف قريبة منهم أو لمؤسساتهم بشكل مباشر، 238 صحافياً، وفق إحصائيات موثقة لدى المؤسسات التي تُعنى بشؤون الصحافة في فلسطين، من بينهم نقابة الصحافيين.

فلسطينيون يشاركون في تشييع الصحافيين الذين قُتلوا بقصف إسرائيلي خارج مستشفى الشفاء بمدينة غزة الاثنين (إ.ب.أ)

وبات فعلياً أنس الشريف، الذي لم يغادر منطقة شمال قطاع غزة خلال حصارها، صوتاً بالنسبة للكثير من الفلسطينيين الذين كان ينقل معاناتهم، الأمر الذي دفع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، لاستخدام وثائق قديمة حول علاقته بـ«حماس» ونشاطها فيه، للتلويح باغتياله، وهو ما فعله مع صحافيين آخرين.

وارتبط الشريف بقناة «الجزيرة» قبل أشهر من اغتيال إسرائيل مراسلها السابق، إسماعيل الغول، في الحادي والثلاثين من يوليو (تموز) 2024، بعدما أصبح مراسلاً هو الآخر للقناة بعد أن اضطر مراسلوها وغيرها من القنوات لمغادرة مدينة غزة وشمالها، والنزوح جنوباً قبل أن يتمكن بعضهم من السفر إلى الخارج قبيل إغلاق معبر رفح البري، وذلك بسبب استهدافهم المتكرر ومنهم مدير مكتبها بغزة، وائل الدحدوح، الذي أصيب مرتين، وقُتل عدد من أفراد أسرته وزملائه في غارات متفرقة.

وبعد اغتيال الغول، أصبح أيضاً محمد قريقع مراسلاً للجزيرة في مدينة غزة، وقد قُتلت والدته وأشقاؤه في غارات إسرائيلية طالتهم، كما الكثيرين من الصحافيين الذين فقدوا أقاربهم وأهاليهم.

فلسطينيون يعاينون الأضرار التي لحقت بخيمة طاقم «الجزيرة» عقب استهدافها من إسرائيل في مدينة غزة الاثنين (إ.ب.أ)

ويُعْرف عن المجتمع الفلسطيني بطبعه أنه ينتمي للفصائل المختلفة بحكم الواقع السياسي والأمني الذي يعيشه منذ عقود بفعل الاحتلال لأراضيهم، لكن كثيرين من المواطنين كانوا يتركون أعمالهم التنظيمية حين تتاح لهم أعمال مهنية تمنحهم فرصة خدمة قضيتهم، كما تقول الصحافية أمل الوادية لـ«الشرق الأوسط».

وتوضح الوادية التي عانت مرارة النزوح خلال الحرب مرات عدة أن الصحافي في قطاع غزة ما زال في فوهة الاستهداف الإسرائيلي منذ بداية الحرب، وأن آلة القتل لم تفرق بين الصحافي الذي ينتمي لعين الحقيقة، وبين من ينشط في فصيل هنا أو هناك، رغم أن نشاطه محدوداً أو قد يكون انتهى منذ سنوات، لكنه يستغل ذلك لقتل وحجب الحقيقة عن العالم.

وتؤكد أمل الوادية أن هناك استهدافاً متعمداً ومستمراً للصحافيين خصوصاً خلال تغطيتهم الأحداث الهامة كما جرى في المجاعة المستمرة والمتفشية داخل القطاع، بفعل فشل كل الآليات المتبعة لسد احتياجات السكان من طعام وغيره، مشيرةً إلى أن الشريف وجميع الزملاء الصحافيين كان لهم دور كبير في إظهار حقيقة معاناة الناس الذين كانوا جزءاً منها، وعانوا مثل السكان، وناموا ليالي وأياماً من دون طعام أو بأقل القليل منه أو أي من المشروبات التي يمكن أن تسهم في إبقائهم وقوفاً أمام الكاميرات، لنقل الصورة من قلب وجع غزة المتفاقم. كما تقول.

قد يهمك أيضًا: الأونروا: التعديلات المقترحة على الكنيست تزيد من إضعاف عملياتنا خاصة بالقدس المحتلة

ويقول الصحافي والناشط علي أصليح، إن الاحتلال الإسرائيلي لم يتوقف يوماً عن استهداف الصحافيين، وكانوا باستمرار هدفاً لهم، وهذا حدث مع الكثير ممن لا ينتمون لأي من الفصائل الفلسطينية، ولم يعلق على عملية قتلهم واستهدافهم، والتزم الصمت إزاء جريمته بحقهم، أمثال الزملاء سامر أبو دقة وهشام النواجحة ودعاء شرف وبلال جاد الله، مدير جمعية بيت الصحافة، وعلا عطا الله، وغيرهم العشرات ممن يعملون في وكالات محلية وعربية ودولية.

فلسطينيون يشاركون في تشييع الصحافيين الذين قتلتهم إسرائيل خارج مستشفى الشفاء بمدينة غزة الاثنين (إ.ب.أ)

ويستذكر أصليح ابن عمه الصحافي المصور الشهير حسن أصليح الذي اغتيل في غرفة العلاج داخل مجمع ناصر الطبي بخان يونس جنوب قطاع غزة في الثالث عشر من مايو (أيار) الماضي، خلال علاجه إثر محاولة اغتيال سابقة تعرض لها، مؤكداً أنه تعرض لحملة تحريض إسرائيلية كبيرة لمجرد تغطيته كما عشرات الصحافيين لأحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عند اقتحام المدنيين الفلسطينيين للحدود بعد اقتحام عناصر «حماس» لها بساعات.

ويؤكد أصليح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الاغتيالات وعمليات الاستهداف والقصف تطول الجميع بغزة، بلا استثناء، بمن في ذلك الأطباء والأكاديميون والمهندسون، وجميعها خطوات تهدف بالأساس للقضاء على كل مقومات المجتمع المتعلم، على أساس أن فلسطين من أهم المجتمعات التي تهتم بالتعليم وتتفوق به، ولديها قامات مختلفة في كل المجالات، ومنها الصحافة التي بات الصحافيون فيها يحصلون على جوائز عالمية.

احتشد الصحافيون من مختلف أنحاء قطاع غزة لتشييع زملائهم، وقاموا بتوديع جثامينهم في مجمع الشفاء الطبي، قبل أن يتم نقلهم لذويهم لتوديعهم، ومن ثم دفُنوا في مثواهم الأخير.

وتزامنت عملية تشييعهم في مدينة غزة مع وقفة نظمتها نقابة الصحافيين في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تحدث فيها نائب نقيب الصحافيين، تحسين الأسطل، عن الاستهداف المتكرر للصحافيين في قطاع غزة، معلناً عن فتح بيت عزاء لعدة ساعات في مقر مركز التضامن الإعلامي بمركز رشاد الشوا.

وأكد الأسطل أن استهداف إسرائيل للصحافيين لن يحجب حقيقة ارتكابه الجرائم بشكل مستمر بحق الفلسطينيين، كما أنه لن يمنع أي صحافي من أداء واجبه ونقل رسالة الحقيقة للعالم.

يحملون جثمان المراسل محمد قريقع خلال تشييعه خارج مستشفى الشفاء بمدينة غزة الأثنين (إ.ب.أ)

بينما أدان المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، عملية الاغتيال للصحافيين الفلسطينيين، داعياً الاتحاد الدولي للصحافيين، واتحاد الصحافيين العرب إلى إدانة هذه الجرائم الممنهجة ضد الصحافيين والإعلاميين الفلسطينيين في قطاع غزة، ومحملاً الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية والدول المشاركة في الحرب المسؤولية الكاملة عن ارتكاب هذه الجرائم النّكراء الوحشية، وفق وصفه، ومطالباً المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمنظمات ذات العلاقة بالعمل الصحافي والإعلامي في كل دول العالم إلى إدانة جرائم الاحتلال، وردعه وملاحقته في المحاكم الدولية على جرائمه المتواصلة، وتقديم مجرمي الاحتلال للعدالة.

وعلى الصعيد الرسمي، أدان نائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، ما وصفها بـ«الجريمة»، مؤكداً أن استهداف الصحافيين جريمة حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، داعياً المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية بحرية الصحافة إلى التحرك العاجل لمحاسبة الاحتلال، ووقف جرائمه المتواصلة بحق الفلسطينيين.

وأدانت مؤسسات صحافية فلسطينية وعربية ودولية، وكذلك فصائل فلسطينية، عملية استهداف الصحافيين بغزة، مؤكدةً على أن هذه العمليات لن تطمس حقيقة الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

ونددت منظمة «مراسلون بلا حدود» «بشدة وغضب بالاغتيال المُقرّ به» لمراسل «الجزيرة» أنس الشريف مع 4 صحافيين.

وقالت في بيان: «كان أنس الشريف، أحد أشهر الصحافيين في قطاع غزة، صوت المعاناة التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة»، داعيةً إلى «تحرك شديد من الأسرة الدولية لوقف الجيش الإسرائيلي».

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات