في مؤشر على تحوّل لافت في المشهد الإنساني السوري، زاد عدد العائدين إلى سوريا من دول اللجوء وإلى منازلهم من مناطق النزوح، في مايو (أيار) الماضي بنسبة تصل إلى 45 في المائة مقارنة مع الشهر الذي سبقه.
وأعلنت «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين»، الاثنين، عودة أكثر من 15 ألف لاجئ مسجل لديها في مايو الماضي، فيما يقدر عدد الذين عادوا إلى مناطقهم خلال 7 أشهر، منذ سقوط نظام بشار الأسد، بأكثر من مليونين ومائة ألف لاجئ ونازح، وذلك رغم هشاشة الأوضاع في سوريا، وتردي الأحوال المعيشية، واشتداد أزمتَي المياه والكهرباء.
قافلة عائدين في مايو الماضي (فيسبوك)
زيادة عدد اللاجئين العائدين، التي كانت متوقعة خلال أشهر الصيف والعطل المدرسية، فرضت تحديات إضافية على الحكومة السورية، في ظل اشتداد الأزمات الخدماتية وتركز كثافات سكانية في مناطق تفتقر إلى كل شيء بسبب الدمار الواسع الذي خلفته سنوات الحرب. وهي المناطق التي تستقبل الأعداد الأكبر من العائدين من مخيمات النزوح بالداخل ودول الجوار.
ووفق أرقام المفوضية، فقد عاد خلال الأشهر السبعة الماضية نحو 628 ألف لاجئ من تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، ليرتفع عدد العائدين منذ مطلع العام الحالي إلى نحو 989 ألف شخص. ومن الأردن عاد نحو 75 ألفاً و500 لاجئ حتى مايو، ومن تركيا عاد أكثر 25 ألف لاجئ خلال يونيو (حزيران).
وتقول المفوضية إنها «تواصل دعم اللاجئين الراغبين في العودة، وتجري مقابلات شخصية مع هؤلاء للتأكد من أن قرارهم طوعي ومدروس، كما زوّدتهم بمعلومات عن الخدمات المتاحة في سوريا»، بالتنسيق مع مكتبها في دمشق.
وتتفاوت أوضاع العائدين وفق أماكن اللجوء والنزوح. فالعائدون من المخيمات في الشمال أو لبنان والأردن أغلبهم تحت خط الفقر، ويعودون إلى مناطق تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات، كالصرف الصحي وتوفر مياه الشرب والكهرباء، واضطروا إلى السكن مجدداً في خيام بجوار الدمار، في حين أن العائدين من دول اللجوء في أوروبا ومناطق أخرى، ومنهم من حصل على جنسية دولة اللجوء، ونال أولاده قسطاً جيداً من التعليم مع وضع مالي متوسط، يواجهون مشقة في العودة إلى بلد هش.
اقرأ ايضا: رئيس النواب يكلف الحكومة بتقديم بيان عن المستأجرين الأصليين للإيجار القديم
عودة لاجئين سوريين من الأردن (متداولة – فيسبوك)
ديمة الخالد (50 عاماً) لاجئة سورية في ألمانيا رجعت إلى دمشق لاستطلاع إمكانية العودة الدائمة، تقول إنها تحتاج «في الحد الأدنى إلى 50 ألف دولار لإصلاح بيتها المدمر في حي الحجر الأسود، لكنها لا تملك ربع المبلغ»، مؤكدة أن «قرار العودة ما زال مغامرة، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة؛ حيث لا كهرباء ولا ماء ولا خدمات… كما لا تزال هناك، على سبيل المثال، مشكلة في تحويل الأموال وإيداعها في البنوك».
يذكر أن الأمم المتحدة حذرت من إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم في الوقت الراهن، وذلك لافتقار «الحكومة الجديدة إلى الخبرة، وهشاشة الوضع القائم». وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في تصريحات صحافية: «عاد مئات الآلاف، معظمهم من النازحين داخلياً، لكن لم يُقدم أي سوري تقريباً على العودة من أوروبا؛ لأن الوضع في أوروبا أفضل» مؤكداً أنه: «ينبغي عدم الضغط على اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم؛ فهذا يخلق مشكلات جديدة»، داعياً إلى المساعدة في تحسين الوضع داخل سوريا.
يوسف جنيد، الذي كان يقيم في دولة عربية منذ 2012، يقول إن منزله، في حي ركن الدين، «ظل على وضعه، أي لم يتعرض للتخريب، لكنه غير صالح للعيش». وقد أنفق أكثر من 10 آلاف دولار «لتركيب منظومة طاقة شمسية، والقيام بتصليحات أخرى، ولو أنفقتُ هذا المبلغ في فندق، لكان أفضل، ولا أظن أن أولادي سيتحملون ظروف العيش في دمشق رغم إعجابهم بالحياة الاجتماعية وأجواء العائلة الكبيرة والأصدقاء».
وأضاف: «أسوأ ما في الأمر هو معاملتنا على أننا مغتربون مترفون».
مخيم الزعتري في الأردن (فيسبوك)
وكان مدير «التخطيط والتعاون الدولي» في وزارة الإدارة المحلية السورية، محمد بكّاية، قد شارك في مؤتمر دولي عقد في بيروت قبل يومين وبحث سبل «دعم العودة الآمنة والطوعية للسوريين»، وقال إن الحكومة تعمل على بناء «إطار فني ومؤسسي لعودة مستدامة، يتضمن تثبيت الملكيات، وتأهيل البنى التحتية، وتأمين الخدمات المتكاملة».
وبحث المؤتمر «أسس تحقيق الاستقرار، وضرورة إزالة مخلفات الحرب، وتطوير شبكات المياه والصرف الصحي والطرق، ودعم المجالس المحلية، وتعزيز مشروعات اقتصادية موجهة للعائدين».