عن مشروع «كلمة» للترجمة، بمركز أبوظبي للغة العربية، صدر مؤخراً كتاب «المرجعية الإسلامية لألف ليلة وليلة: المكونات السردية والعلاماتية والدينية والاجتماعية والسياسية لفضاء السرد»، من تأليف الدكتور محسن جاسم الموسوي، وترجمة حبيبة حسن.
يُعدّ كتاب «ألف ليلة وليلة»، أو «ليالي السمر العربية»، كما أطلق عليه في الإنجليزية، أحد أكثر الكتب تسلية في العالم. لكن عنوان الكتاب واهتماماته عربية وإسلامية في المقام الأول؛ ومن ثم فقد لفتت «الليالي» الانتباه بصفتها مستودعاً للذاكرة الشعبية والوعي الجمعي والديناميات الثقافية كما هو جدير بها أن تفعل على الدوام.
تأتي هذه الترجمة لكتاب المرجعية الإسلامية لألف ليلة وليلة، الصادر عن جامعة كولومبيا عام 2009، بوصفها الترجمة الأولى للكتاب الأساس في إعادة تقديم هذا الكنز للقارئ العربي، والكتاب لا يعيد ما كتبه المستشرقون الأوائل وهم يرون شبهاً هنا وآخر هناك لما تخيله الرحالة عن شرق غامض مريب ملتبس، وعادات وتقاليد أسبغوا عليها صفة الثبات والديمومة.
ولهذا يأتي الكتاب مكللاً لمنهجية تتألف من آليات التنقيب والبحث، وهى ترى في البدء أن الحاضرة العباسية بغداد عند تأسيسها (762م) ازدهرت في غضون عقدين ازدهاراً تحدوه الطاقة الإمبراطورية، وهى تستقدم أحسن ما لدى الحضارات المجاورة وتصدر إليها في عملية أخذ وعطاء جبارة أسبغت طاقتها على كل فعل شعري وسردي وفكري وعلمي، وهذا هو شأن الحكاية الإطار في استقدامها الحكايات وتراكمها الثري طوال قرون وهى تتنقل بين الحواضر العربية، بغداد ودمشق وحلب والقاهرة، لتكتنز طاقة سردية واسعة وعميقة، أخذت من الثقافة رصيداً ومن الوعي الحضري ملاذاً، واستقدمت الديانات إلى جادتها، وداعبت بعض طقوسها في تعارضها مع الجاري والمألوف، فجاءت بهذا المزيج المداعب من دون أن تسيء إلى عرف أو تخدش حياء؛ لأن الحكواتي في أقنعته وأقنعتها يريد جمهوراً يدفع قليلاً من المال، كما هو شأن أبي الفتح في مقامات بديع الزمان الهمذاني.
دائماً ما يعد كتاب «ألف ليلة وليلة»، أو «ليالي السمر العربية»، كما أطلق عليه في الإنجليزية، أحد أكثر الكتب تسلية في العالم. لكن عنوانه واهتماماته عربية وإسلامية في المقام الأول؛ ومن ثم فقد لفتت الليالي الانتباه بصفتها مستودعاً للذاكرة الشعبية والوعي الجمعي والديناميات الثقافية كما هو جدير بها أن تفعل على الدوام.
نوصي بقراءة: سيرة «أسرة يهودية من مصر» في زمن العصر العثماني
وقد انجذب الأوربيون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في فترة ما بعد التوغلات الاستعمارية في الرشق العربي والهند، جزئياً إلى الليالي ومختصراتها وترجماتها الكثيرة لهذا السبب. فالحكايات جزء من ذاكرة جماعية؛ فهي ترويج خيالي أو تصوير لأشياء اندثرت وصور مضت، وهي تضم بين طياتها الحنين إلى الماضي والواقع، والحلم والحقيقة.
وكلما دعت الحاجة إلى مركز تلجأ الحكايات إلى مدينة بغداد بخليفتها هارون الرشيد الذي عادة ما كان يحتفى به في أوروبا بعد نشر قصيدة اللورد تينيسون «ذكريات الليالي العربية» في إنجلترا علم 1830.
يلبي القصَّاص توقعات جمهوره ويراعي مشاعرهم التي قد تصطدم بنبرات الوعظ الديني أو السياسي المباشرة أو المعادية، وتكتنف الحكايات مرجعية إسلامية تدعو للرحمة والكرم والمرح والفكاهة، ومن هنا يأتي السحر المستمر للحكايات، سحر يفوق السجل التاريخي وسير الأولياء.
يتكون هذا الكتاب من سبعة فصول، يحاول فيها المؤلف بيان أثر المرجعية الإسلامية على حكايات ألف ليلة وليلة، والتي انتشرت وتنوعت طرق عرضها على مستوى العالم ونالت شهرة كبيرة، من خلال الكتب الأدبية، والعروض الفنية، والتراجم، وغيرها… وتناول الكتاب أيضاً السياق التاريخي لليالي، والمضامين الأخلاقية فيها، ودور المرأة الكبير فيها، والإطار الثقافي الذي وصل بها للعالمية، وعرض لوجهات نظر العديد من الكتاب العرب والعالميين في الليالي، كما تناول التشابه بين الحكايات وبعض الروايات التاريخية أو الأوصاف الطبوغرافية، وأن الليالي هي إعادة تكوين خيالية للواقع وليست استنساخاً منه أو انعكاساً له، وهي صورة للشرق.
ويخلص الكتاب إلى أن لألف ليلة وليلة مرجعية إسلامية ممتدة يجب أن تتكامل مع السجلات السردية والتاريخية الأخرى. وفي حين أنها لم تكن يوماً سجلاً للحياة والسياسة، فإنها توفر مناخاً يندر أن يجده القراء.