يبدو أن الاشتباك الذي وقع، الأحد الماضي، بين قوات أمنية وعناصر من «الحشد الشعبي»، في طريقه إلى كشف عمليات استحواذ واسعة على أراض زراعية في بغداد وأطرافها من قبل فصائل وجماعات متنفذة، على حساب مواطنين يملكون أو يستأجرون تلك الأراضي من الدولة.
ورغم سقوط قتيلين أحدهما مدني والآخر عسكري وإصابة آخرين، يبدو أن ما ظهر من حادث الاشتباك حتى الآن بمثابة «قمة جبل» المظالم التي أشار إليها بيان صدر الثلاثاء لرئاسة الوزراء.
وأكد البيان أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني شدد على «متابعة كل تداعيات حادثة الاعتداء الآثم على إحدى دوائر الزراعة في جانب الكرخ».
وحسب بيان الحكومة، وبعد إلقاء القبض على مدير دائرة زراعة الدورة السابق الذي استعان بعناصر مسلحة وثبوت مخالفاته وفساده، وفي ضوء ما ورد من شكاوى عديدة، فقد «أمر السوداني بتشكيل لجنة تحقيقية برئاسة نائب رئيس ديوان الرقابة المالية، وعضوية ممثلين عن هيئة النزاهة الاتحادية، ومكتب رئيس مجلس الوزراء، لغرض التدقيق والنظر في الشكاوى والمظالم التي تعرض لها الفلاحون والمزارعون في منطقة الدورة وأطراف محافظة بغداد».
ويفترض أن تقوم اللجنة بـ«رفع النتائج إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء، لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق أي حالة تجاوز أو استيلاء على الأراضي الزراعية للمزارعين والفلاحين بغير وجه حق».
عناصر من «كتائب حزب الله» خلال استعراض في بغداد سبتمبر 2024 (رويترز)
كانت تقارير محلية قد نقلت عن مسؤولين إن الصدام المسلح بين عناصر الحشد والقوات الأمنية يزيح الغطاء عن «شبكة معقدة من الحسابات تتداخل فيها مصالح فصائل مسلحة مع حسابات محلية تتعلق بالأراضي الزراعية في منطقة الدورة، جنوب العاصمة، التي يُفترض أن يمر عبرها (الطريق الحولي) المخطط له ضمن مشاريع البنى التحتية الاستراتيجية».
قد يهمك أيضًا: تفاصيل حبس متهم سنة مع الإيقاف فى جناية هتك عرض طفلة بـ”الرضا”.. برلمانى
ولا تقف هذه المصالح عند حدود بعض المناطق في بغداد، وتتجاوزها لتشمل المناطق الزراعية في حزام بغداد وداخلها، حيث قامت جماعات نافذة بالسيطرة على إجراء واسعة منها وتحويلها إلى أراض سكنية وفلل ومنتجعات ترفيهية.
وغالباً ارتبطت مناطق حزام بغداد، التي تسكنها غالبية سنية، والسعي للسيطرة عليها من جماعات مسلحة بصراع سياسي بين أحزاب متنفذة في بغداد، «من خلال زرع شبكة موالين لحزب أو فصيل ما وإسكانه في هذا الحزام»، وفق أشخاص أمنيين على صلة بهذه المناطق.
أكد كاظم الشمري، وهو نائب يمثل بلدة المدائن إحدى مناطق حزام بغداد الجنوبي، أن «جزءاً من الصراع الدائر بين الجماعات المتنفذة وأغلبها ترتبط بفصائل مسلحة يهدف إلى الاستحواذ على أكبر مساحة من الأراضي في الحزام البغدادي».
وقال الشمري في مقابلة تلفزيونية، إن «هناك مقدمات تجري لتهجير أهل المدائن جنوب بغداد، من خلال وضع الفلاح بين عدة كماشات أهونها التخلي عن الأرض لكي يسلم على أهل بيته».
وأكد قيام الجماعات المتنفذة بـ«تخيير 80 فلاحاً بين سحب أراضيهم أو مواجهة مجاميع لا ترحم (في إشارة إلى الفصائل المسلحة)، حيث يتم ذلك عبر سيارات (تاهوات) مدججة بالسلاح تهدد الفلاحين برفع يدهم عن أراضيهم» (يطلق اسم التاهو على العجلات الأميركية الصنع نوع (جي إم سي) الرباعية الدفع التي يستعملها بكثرة عناصر الفصائل والشخصيات النافذة وأعضاء البرلمان.
وأضاف الشمري: «كما أن هناك أطرافاً رسمية عديدة متورطة مع عصابات بالاستيلاء على أراضي النهروان (جنوب بغداد)، حيث هناك دائرة رسمية في المدائن ترعى العصابات التي تستولي على الأراضي، وسأحضر أمام جهة حكومية للكشف عن الدائرة الرسمية المتورطة مع العصابات».
وعبّر الشمري عن خشيته أن «يتكرر سيناريو البوعيثة في المدائن، وذلك من خلال تحويلها إلى فلل ومزارع ونواد ليلية» في إشارة إلى تحويل مناطق واسعة من مناطق «البوعيثة» جنوب غربي بغداد إلى فلل وشاليهات.