في خطوة لافتة ضمن جهود الدولة لمكافحة تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، أصبح لزاماً على كل مترشَّح للتوظيف في الجزائر، سواء في القطاع العام أو الخاص، تقديم شهادة طبية تثبت «خلوه من تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية»، وفق ما جاء في تعديل تشريعي جديد دخل حيز التنفيذ، أمس (الثلاثاء)، بنشره في الجريدة الرسمية.
وتم إدراج هذا التعديل في القانون الجديد، المتعلّق بالوقاية من تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية ومكافحتهما، ويهدف، حسب الحكومة، إلى «تعزيز معايير النزاهة والكفاءة داخل بيئات العمل، وضمان سلامة المحيط المهني من المخاطر المرتبطة بتعاطي المخدرات».
مؤثرات عقلية صادرها الجيش أثناء تعقّب مهربين في الصحراء (وزارة الدفاع)
ووفق ما جاء في النسخة المعدَّلة، تُطلب تحاليل طبية ضمن ملفات الترشح لمسابقات التوظيف في المؤسسات والإدارات العامة، والمؤسسات ذات الطابع العام والمفتوحة للجمهور، وكذلك في مؤسسات وهيئات القطاع الخاص، حسب المادة «5 مكرر» من القانون.
في إطار إجراءات ردعية لمحاربة الاتجار وتعاطي المخدرات، التي عرفت انتشاراً واسعاً في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، يفتح القانون المجال أيضاً لإخضاع تلاميذ المؤسسات التعليمية ومراكز التكوين المهني لتحاليل الكشف عن المخدرات. وبهذا الخصوص، يذكر القانون أن «الفحوصات الطبية الدورية للتلاميذ في مؤسسات التعليم والتربية والتكوين من الممكن أن تتضمن تحاليل للكشف المبكر عن علامات تعاطي المخدرات، و/ أو المواد ذات التأثير العقلي، وذلك بموافقة أوليائهم القانونيين، أو عند الاقتضاء، بموافقة قاضي الأحداث المختص».
وفي حال كانت النتائج إيجابية، فإن الشخص المعني «يخضع للإجراءات العلاجية المنصوص عليها في هذا القانون، ولا يمكن متابعته قضائياً بسبب نتائج هذه التحاليل، ولا يمكن استخدام هذه النتائج لأغراض أخرى غير تلك المحددة في هذا النص».
أعضاء أهم تنظيمات المجتمع المدني المختصة في التوعية من مخاطر المؤثرات العقلية (متداولة)
وبهذا القانون الجديد، قرَّرت الجزائر تشديد مكافحتها للاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية، في سياق يتسم بتطور خطير لهذا النوع من الجريمة، حيث لا يتردد بعض المهربين المسلحين في الاشتباك مع قوات الأمن.
وتعتمد الجزائر في مواجهتها لظاهرة تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية على استراتيجية شاملة متعددة الأبعاد، تجمع بين الوقاية والردع والعلاج، في إطار سياسة وطنية تهدف إلى حماية المجتمع، خصوصاً فئة الشباب، من هذه الآفة المتنامية، حسبما جاء في التعديل الجديد، الذي اعتمده البرلمان مؤخراً.
قد يهمك أيضًا: مراسل رؤيا: وفاة و4 إصابات بحادث تصادم مروع بلواء ذيبان في مأدبا
فيما يخص الوقاية، تنظم الجزائر حملات توعية مكثفة موجهة لمختلف فئات المجتمع، خصوصاً في الوسط المدرسي والجامعي، من خلال برامج تثقيفية وورش تحسيسية حول أخطار المخدرات وتأثيرها على الصحة النفسية والجسدية. كما يتم إشراك الجمعيات والمجتمع المدني في هذه الجهود، إضافة إلى توظيف وسائل الإعلام لنشر رسائل التوعية والتثقيف.
أما من الناحية الردعية؛ فقد شدَّدت الجزائر من قوانينها الجزائية المتعلقة بالاتجار بالمخدرات واستهلاكها غير المشروع، حيث ينص القانون الجديد على عقوبات صارمة تصل إلى الإعدام في الحالات الخطيرة التي تؤدي إلى الوفاة أو تضر بالصحة العامة بشكل جسيم، وإذا وقعت الجريمة داخل أو قرب مؤسسات التربية والتعليم والتكوين.
أشخاص اعتقلهم الأمن الجزائري بشبهة المتاجرة بالمخدرات واستعمال السلاح (الشرطة)
وتصبح العقوبة سجناً مدى الحياة، إذا ارتُكبت الجريمة داخل أو قرب المؤسسات الصحية أو الاجتماعية أو داخل الهيئات العامة أو الأماكن المفتوحة للجمهور.
ووسع القانون في صيغته المعدلة صلاحيات الأجهزة الأمنية لمراقبة الحدود، والتصدي لعمليات التهريب، لا سيما بالمناطق الحدودية، التي تشكل ممرات رئيسية لشبكات التهريب الإقليمي والدولي. وقد تم تدعيم هذه الإجراءات باستخدام وسائل تكنولوجية متطورة، مثل أجهزة الكشف والكلاب البوليسية، والطائرات المسيرة.
إضافة إلى ذلك، يعتمد القانون على آليات خاصة لتعقب مصادر تمويل الجرائم المرتبطة بالمخدرات، ومنح السلطات إمكانية منع المشتبه فيهم من مغادرة التراب الوطني إلى غاية انتهاء التحقيقات.
من جهة أخرى، توفر الحكومة خدمات علاجية مجانية للمدمنين داخل منشآت للصحة العمومية، وتسعى إلى إنشاء مراكز مختصة بالتكفل النفسي والاجتماعي للمتعاطين. كما تشمل «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات» مرافقة الأشخاص المفرج عنهم بعد قضاء عقوباتهم، لمساعدتهم على العودة إلى الحياة الاجتماعية بشكل طبيعي.
وتؤكد الجزائر أنها منخرطة في جهود تعاون دولي في هذا المجال، من خلال التنسيق مع المنظمات العالمية، كالأمم المتحدة لمكافحة وإنتربول، وأنها تتعاون أمنياً وقضائياً مع دول الجوار لمواجهة الشبكات الإجرامية العابرة للحدود.
وخلال عرضه التعديلات على البرلمان، في يونيو (حزيران) الماضي، قال وزير العدل لطفي بوجمعة إن تحديث النص القانوني «يتضمن أحكاماً جديدة توازن بين الإجراءات الوقائية والعلاجية والجانب الردعي»، مشيداً بـ«حرص الحكومة، من خلالها، على حماية الأمن القومي من مخاطر الاستعمال والإتجار بالمخدرات، والمؤثرات العقلية عبر المعالجة العميقة والقمعية لكل الاختلالات المجتمعية الناتجة عنها باعتماد آليات للوقاية والتحسيس».