تبنّت الجماعة الحوثية هجومين جديدين بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد إسرائيل من دون تسجيل أضرار، في حين أكدت الأخيرة اعتراض صاروخ باليستي واحد، الثلاثاء، وذلك غداة شنها سلسلة غارات على ميناء الحديدة الخاضع للجماعة المدعومة من إيران.
وينفذ الحوثيون هجمات مستمرة بالصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، كما يهاجمون السفن المرتبطة بالمواني الإسرائيلية بغض النظر عن جنسيتها في سياق ما يدعون أنه مناصرة للفلسطينيين في غزة.
ورغم توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الجماعة الحوثية بدفع «ثمن باهظ»، زعمت الجماعة تنفيذ عمليات «ناجحة» استهدفت «مطار بن غوريون»، ومواقع عسكرية في تل أبيب وأسدود، فيما اعتبرته رداً على الغارات الأخيرة على ميناء الحديدة.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان على «تلغرام» إنه اعترض، فجر الثلاثاء، صاروخاً باليستياً أُطلق من اليمن باتجاه الأراضي الإسرائيلية، ما تسبب بإطلاق صفارات الإنذار في أكثر من 250 مدينة ومنطقة، من بينها تل أبيب والقدس.
وبعد وقت قصير من الإعلان الإسرائيلي، سارعت الجماعة الحوثية إلى تبني الهجوم، وأصدر متحدثها العسكري يحيى سريع بياناً، تحدث فيه عن استخدام صاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» لاستهداف «مطار بن غوريون»، قائلاً إن «العملية حققت أهدافها وتسببت في هروب الملايين من الإسرائيليين إلى الملاجئ وتوقف حركة المطار»، بحسب البيان.
كما أعلن المتحدث الحوثي، في بيان سابق، عن «عملية موسعة» بالطائرات المسيّرة استهدفت خمس مناطق إسرائيلية، بينها مطارا «بن غوريون» و«رامون»، وميناء إيلات، إضافة إلى «هدف حيوي» في أسدود.
ولم تعترف إسرائيل بأي من هذه الهجمات باستثناء الصاروخ الباليستي، وهو ما يفتح المجال للتشكيك في دقة مزاعم الجماعة الساعية إلى تضخيم هجماتها.
وكان الحوثيون أعلنوا، الجمعة الماضي، تنفيذ هجوم مماثل بصاروخ باليستي على «مطار بن غوريون»، زاعمين نجاحه، في حين أكدت إسرائيل اعتراضه دون وقوع أضرار.
ونفذت إسرائيل الموجة الثانية عشرة من ضرباتها الجوية ضد الجماعة الحوثية، مستهدفة، الاثنين، ميناء الحديدة، ثاني أكبر المواني اليمنية، والذي تتهم تل أبيب الجماعة باستخدامه لتهريب الأسلحة الإيرانية وتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة.
ووفق بيان صادر عن الجيش الإسرائيلي، شملت الضربات «أهدافاً إرهابية للنظام الحوثي»، من بينها منشآت لإعادة إعمار الميناء، وبراميل وقود، وقطع بحرية، وآليات تستخدم في الأنشطة العسكرية، بالإضافة إلى سفن في المجال البحري القريب.
وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن الضربات جاءت بعد رصد محاولة حوثية لإعادة تأهيل منشآت سبق قصفها، متوعداً بمواصلة العمليات «ضد أي تهديد لأمن إسرائيل، مهما بلغت المسافة».
من جهته، أكد مسؤول أمني حوثي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الضربات دمّرت رصيفاً أعيد ترميمه بعد تعرضه لقصف سابق، دون الكشف عن حجم الأضرار أو الإصابات.
اقرأ ايضا: حزب العدل يتقدم بالعزاء لأهالى أطفال “دلجا” ويطالب بسرعة كشف أسباب الواقعة
يشار إلى أن الضربات الإسرائيلية السابقة تسببت في تدمير مواني الحديدة الثلاثة، ويشمل ذلك الأرصفة ورافعات ومخازن وقود وقوارب سحب، إلى جانب تدمير مطار صنعاء وأربع طائرات مدنية ومصنعي أسمنت ومحطات كهرباء، حيث قدرت الجماعة خسائرها حينها بنحو ملياري دولار.
ورغم توقف الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل في يونيو (حزيران) الماضي بعد اثني عشر يوماً من الضربات المتبادلة، فلا تزال الجماعة الحوثية تواصل إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، بزعم «نصرة الفلسطينيين»، مستهدفة مطارات ومواني وسفناً تجارية، خاصة في البحر الأحمر.
وأطلقت الجماعة نحو 50 صاروخاً باليستياً وعدداً غير محدد من المسيّرات منذ منتصف مارس (آذار) الماضي، كما تسببت هجماتها في البحر الأحمر بين 6 و8 يوليو (تموز) الحالي، في غرق سفينتين يونانيتين ومقتل 5 بحارة واحتجاز آخرين، لتصبح عدد السفن الغارقة أربع سفن منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.
صاروخ أطلقه الحوثيون لمهاجمة سفينة شحن في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
وتعاني إسرائيل رغم تفوقها العسكري في التعامل مع الحوثيين بسبب نقص المعلومات الاستخبارية الدقيقة حول مواقع قياداتهم أو منصات إطلاق الصواريخ، ما يدفعها إلى تكرار قصف البنى التحتية في الحديدة وصنعاء، دون القدرة على تحجيم قدراتهم فعلياً.
واستأنفت الجماعة الحوثية هجماتها في مارس الماضي بالتزامن مع الحملة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الجماعة، والتي نجحت في إجبارها على التوقف عن استهداف السفن الأميركية، وفق اتفاق رعته سلطنة عمان في السادس من مايو (أيار)، لكنه لم يشمل إسرائيل.
ويتهم الوسط السياسي الموالي للحكومة اليمنية، الجماعة الحوثية بأنها «تسعى لاستخدام الهجمات ضد إسرائيل كأداة دعاية لتثبيت نفسها لاعباً إقليمياً في محور المقاومة الذي تقوده إيران، رغم محدودية الأثر العسكري لهجماتها».
بالنظر إلى خطاب الحوثيين، يُلاحظ تركيز الجماعة على استثمار كل صاروخ أو مسيّرة لإظهار القدرة العسكرية، حتى وإن تم اعتراض الهجوم، وهو ما يُفسر سيل البيانات التي تصدرها الجماعة بعد كل عملية، والتي تتضمن عادة ادعاءات بتحقيق «أهدافها بدقة»، وإلحاق «خسائر فادحة» بإسرائيل.
من جهتها، يبدو أن إسرائيل تتعامل مع الجماعة الحوثية ضمن سياسة «الردع المحسوب»، مفضلة تجنب الانزلاق إلى هجمات واسعة، مع استمرار التركيز على ضرب المنشآت اللوجيستية والاقتصادية التي يُعتقد أنها تسهّل النشاط العسكري الحوثي.
عناصر حوثيون خلال تجمع في صنعاء يحرقون العلمين الأميركي والإسرائيلي (أ.ف.ب)
ومع أنه لا يوجد تأثير عسكري قوي لهجمات الجماعة، فإن الجيش الإسرائيلي يخشى من فشل محتمل في اعتراض أحد الصواريخ مستقبلاً، ما قد يتسبب بخسائر بشرية ويحرج المؤسسة الأمنية والسياسية في تل أبيب، كما حدث مع صاروخ سقط قرب مطار بن غوريون في الرابع من مايو الماضي.
ومع إصرار الحوثيين على ربط عملياتهم بملف غزة، يسعون إلى تسويق هذه المواجهة على أنها معركة وجودية مع إسرائيل، بما يخدم تعبئتهم الداخلية وأجندتهم الانقلابية على المستويين السياسي والإعلامي.