ضمن سلوك الحوثيين في اليمن لاستغلال العملية التعليمية خدمة لأجندتهم ذات المنزع التعبوي والطائفي، أجبرت الجماعة طلاب المدارس في مدينة حجة (شمال غرب) على تنظيم مسيرات حاشدة جابت شوارع المدينة، رافعين شعارات تمجّد زعيمها عبد الملك الحوثي، في وقتٍ يشهد فيه قطاع التعليم تدهوراً حاداً، وسط انعدام الكتاب المدرسي وتوقّف رواتب المعلمين.
مصادر تربوية في المدينة أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن هذه المُسيَّرات التي نُفّذت 3 مرات خلال أسبوع واحد، جاءت ضمن حملة مكثفة تنفذها الجماعة لإخضاع طلاب المراحل الأساسية والثانوية، عبر إخراجهم قسراً من فصولهم الدراسية للمشاركة فيما يسمّونه «مسيرات الجهاد والبصيرة».
وقالت المصادر إن قادةً في الجماعة، يتصدرهم مسؤول الحوثيين عن التعليم في حجة، المدعو علي القطيب، توعدوا إدارات المدارس التي لم تلتزم بتوجيهات الحشد بإجراءات عقابية؛ حيث أُوقف 4 مديرين ووكلاء مدارس حكومية بسبب عدم التفاعل مع الدعوات الحوثية، وهو ما عدّه أولياء الأمور استهدافاً ممنهجاً لما تبقى من التعليم الحكومي في المحافظة.
جانب من عروض ومناورات أجبر الحوثيون السكان في حجة على المشاركة فيها (فيسبوك)
ويأتي هذا التصعيد بالتزامن مع حملات أخرى، شملت إلزام طلاب الجامعات وأعضاء هيئة التدريس بالمشاركة في عروض عسكرية ومناورات ووقفات احتجاجية نظّمتها الجماعة، ضمن ما تقول إنه دعم لغزة. غير أن السكان يرون في ذلك محاولة لتوسيع التعبئة القتالية، وتحضير طلاب المدارس والجامعات للزجّ بهم في جبهات القتال.
ويقول أحد أولياء الأمور، فضّل عدم كشف هويته، إنه حُرم اثنين من أبنائه من الذهاب إلى المدرسة خلال 3 أيام متتالية، بعدما أُجبروا على المشاركة في مسيرات وصفها بـ«الاستعراضية». وأضاف: «بدلاً من أن توفّر الجماعة الكتاب المدرسي وتعيد صرف الرواتب للمعلمين، ها هي تساوم الطلبة على نيل الدرجات الشهرية مقابل مشاركتهم في مسيراتها التعبوية».
قد يهمك أيضًا: تحالف «تأسيس» السوداني يشكل مجلساً رئاسياً برئاسة «حميدتي»
وشكا معلم حكومي في حجة، لـ«الشرق الأوسط»، من تهديدات تلقاها هو وزملاؤه من مسؤولي الجماعة في قطاع التعليم، بفصل الطلاب الذين يتخلفون عن المشاركة في المسيرات، أو يرفضون ترديد الشعارات الطائفية.
الحوثيون يجبرون منتسبي الجامعات على رفع شعارات تمجد زعيم الجماعة (إكس)
وتسوِّق الجماعة الحوثية هذه المسيرات تحت لافتة مناصرة غزة، وتقول إنها تأتي ضمن ما تصفه بـ«معركة الجهاد المقدس»، ولكن مراقبين يؤكدون أنها محاولة جديدة لشرعنة عمليات التجنيد القسري؛ خصوصاً بين فئة الطلاب، مستغلة الوضع المعيشي والاقتصادي المتردي، وانعدام الرقابة الدولية الفاعلة.
ووثَّق تقرير صادر عن منظمة «تقصي للتنمية وحقوق الإنسان» جزءاً من هذه الانتهاكات الحوثية؛ مشيراً إلى أن الجماعة جنَّدت خلال عام 2022 أكثر من 85 طفلاً، وزجّت بنحو 24586 آخرين فيما تُعرف بالمعسكرات الصيفية. كما حرمت 3210 أطفال بلغوا سن التعليم من الالتحاق بالمدارس، وسُجّل تسرب 2125 طالباً من مقاعد الدراسة، لأسباب تتعلق بالظروف الأمنية أو الاقتصادية، أو نتيجة الاستقطاب الطائفي.
طفل جنَّدته الجماعة الحوثية يحرس مظاهرة دعت لها في صنعاء (غيتي)
وأضاف التقرير الحقوقي أن الجماعة حوّلت 112 إذاعة مدرسية إلى منابر لنشر أفكارها، كما أوقفت رواتب أكثر من 17 ألف معلم، وأحلَّت 12 عنصراً موالياً لها مكان المعلمين الرسميين، وأرغمت المعلمين على حضور دورات طائفية أُقيمت في مراكز تابعة للجماعة، تحت إشراف مباشر من قادتها.
وفي ظل هذا الواقع، تتصاعد الدعوات من الأهالي ومنظمات المجتمع المدني بضرورة الضغط الدولي على الجماعة، لوقف تجنيد الأطفال وانتهاك حقوقهم في التعليم. كذلك تطالب الحكومة اليمنية الشرعية بإعادة تفعيل برامج الدعم الإنساني في مناطق سيطرة الجماعة، وتكثيف الرقابة على عمل المنظمات، تجنباً لاستغلال موارد التعليم في التجنيد والتمويل الحربي.