احتضنت القاهرة اجتماعاً فصائلياً فلسطينياً بعد لقاءات بين مسؤولين مصريين وحركة «حماس»، وأخرى قطرية – إسرائيلية، إثر عودة المشاورات الأيام الماضية بشأن الأزمة في قطاع غزة، بعد أسبوعين من جمود شابها إثر انسحاب إسرائيلي – أميركي من المحادثات.
تلك اللقاءات التي تتزامن مع مطالب مصرية بضغوط دولية وأوروبية على إسرائيل لوقف إطلاق النار بقطاع غزة، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ضمن ترتيبات للحل ومواجهة ذرائع إسرائيل، متوقعين عقد اجتماع طارئ موحد للفصائل الأيام المقبلة في مدينة العلمين المصرية؛ لتحضير بديل يواجه أي تصعيد قد يحدث في القطاع.
وعقب اجتماع في القاهرة، الخميس، أعلنت فصائل فلسطينية من بينها «حماس»، و«الجهاد»، و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، في بيان مشترك، أن «الأولوية القصوى في هذه المرحلة هي الوقف الفوري والشامل للعدوان، ورفع الحصار الظالم عن قطاع غزة، وضمان دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية فوراً بشكلٍ آمن ودون عوائق».
وشددت الفصائل على ضرورة «التجاوب الكامل مع مبادرات ومقترحات الحل بما يحقق متطلباتنا الوطنية، بإنهاء العدوان وانسحاب قوات الاحتلال ورفع الحصار الظالم»، محملين المواقف الإسرائيلية «تعطيل الجهود والانسحاب غير المبرر من مفاوضات الدوحة، بعد أن كادت تصل لاتفاق جاد». وأكدوا رفض المخططات الإسرائيلية تجاه إعادة احتلال قطاع غزة، مشددين على أن «مواجهة المخططات الصهيونية في الضفة وغزة تتطلب بناء وحدة وطنية حقيقية وجدية».
ودعت الفصائل، وفق البيان المشترك، مصر إلى «رعاية واحتضان عقد اجتماع وطني طارئ لكافة القوى والفصائل الفلسطينية»، دون أن تعلق القاهرة أو تحدد موعداً.
دخان تصاعد في أعقاب غارة إسرائيلية على جباليا شمال قطاع غزة خلال وقت سابق (أ.ف.ب)
وسبق أن استضافت مدينة العلمين بشمال مصر في يوليو (تموز) 2023 اجتماعاً لقادة الفصائل الفلسطينية برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمشاركة 11 فصيلا بينهم «حماس».
وقال مصدر في أحد الفصائل الفلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماع القاهرة ناقش آليات ومقترحات لسحب ذرائع نتنياهو والإدارة الأميركية، في استمرار الحرب، ومن بينها مناقشة أفكار وجود قوات عربية ودولية ونزع سلاح المقاومة، وملف من سيحكم غزة في اليوم التالي للحرب.
وأوضح أن القاهرة تحاول الوصول لمقترح بأقل الخسائر في هذه المرحلة، ضمن ترتيبات الحل بالقطاع بإجماع فلسطيني، متوقعاً أن تستجيب القاهرة لطلب الفصائل لعقد اجتماع طارئ موحد، على أن يكون الأيام المقبلة بمشاركة حركة «فتح» بعد غيابها عن هذا الاجتماع، وذلك لإنجاز توافقات حقيقية تنهي الحرب والوصول لرؤية موحدة.
وبدأ وفد «حماس»، الأربعاء، «لقاءات ومحادثات في القاهرة تركز حول سبل وقف الحرب على القطاع، وإدخال المساعدات، وإنهاء معاناة شعبنا في غزة»، وفق ما أفاد طاهر النونو، القيادي في الحركة، في بيان آنذاك.
اقرأ ايضا: استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة أخرين فى استهداف الاحتلال منتظري المساعدات غربى غزة
ومع هذا الحراك بالقاهرة، شهدت الدوحة، الخميس، زيارة خاطفة قام بها رئيس الموساد، ديفيد برنياع، بهدف إحياء محادثات وقف إطلاق النار بغزة، وفق ما ذكره مسؤولان إسرائيليان لـ«رويترز».
وكشفت القناتان «12» و«13» الإسرائيليتان أن برنياع لم يناقش مع الوسيط القطري ملف الرهائن، بل أكّد التخلي عن الصفقة الجزئية، وبحث معه جهود التوصل لصفقة شاملة، مؤكداً أنه «على الوسطاء إبلاغ (حماس) أن احتلال غزة الذي أقرّته إسرائيل قبل أسبوع أمر جديّ حال انهيار المفاوضات، وليس حرباً نفسية».
أشخاص يتفقدون أنقاض مبنى مُدمَّر إثر قصفٍ إسرائيليٍّ على مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين (أ.ف.ب)
أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، يرى أن هذه الاجتماعات تمهيدية، وتتحرك فيها القاهرة حالياً لتقوية الجبهة الفلسطينية، ومحاولة نقل رسالة لـ«حماس» أنها ليست وحدها من تقرر مصير المشهد بالقطاع أو الأراضي الفلسطينية، خاصة مع قرب زيارة رئيس وزراء فلسطين غير الفصائلي، محمد مصطفى، للقاهرة في إطار مساعيها للانفتاح على الجميع.
ويتوقع فهمي أن تزداد التحركات المصرية للضغوط نحو توحيد الصف الفلسطيني، وسط توقعات أن تصدر السلطة الفلسطينية، الأسبوع المقبل، مرسوماً بتشكيل لجنة الـ15 لإدارة قطاع غزة كإحدى سبل مواجهة ذرائع إسرائيل في اليوم التالي، بخلاف احتمال حدوث اجتماع ثان للفصائل في العلمين برئاسة الرئيس محمود عباس.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن اجتماعات الفصائل في القاهرة خطوة مهمة في سبيل ترتيبات داخلية للتوافق على حل فلسطيني ينهي كل عراقيل إسرائيل لإنهاء الحرب، مؤكداً أن هناك خطوطاً حمراء لدى الفلسطينيين، ولكن سيتجاوبون مع دور القاهرة الكبير من أجل الوصول لحلول في إطار المعقول.
فلسطينيون يتجمعون لتسلم وجبات طعام مطبوخة من مركز توزيع أغذية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
بينما تسعى الفصائل الفلسطينية للوصول لترتيبات للحل، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، التمسك بما سمّاه 5 مبادئ لإنهاء الحرب في غزة، منها نزع سلاح حركة «حماس»، وفرض سيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة.
وغداة ذلك، طالب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، والممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، ووزير خارجية فرنسا، جان نويل بارو، بـ«مضاعفة الجهود الدولية بدعم من الاتحاد الأوروبي للضغط للتوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة»، وذلك خلال اتصالين هاتفين، وفق بيانين لـ«الخارجية المصرية».
ويتوقع فهمي أن تستمر جهود القاهرة نحو استئناف المفاوضات، والذهاب لاتفاق أو مواجهة احتمال التعثر، واحتلال إسرائيل الـ25 في المائة المتبقية في قطاع غزة، وتقديم لجنة إدارة قطاع غزة بديلاً محتملاً.
ولا يعتقد الرقب أن تكون تلك الآليات والمناقشات ذات تأثير كبير على نتنياهو، مؤكداً أنه رغم كل المحاولات قد يعمل على إجهاضها كعادته، في حال لم يكن هناك ضغط أميركي حقيقي وجاد عليه لإنهاء الحرب.