خطوات تتصاعد نحو انضمام مصر فعلياً إلى بعثة حفظ السلام في الصومال، مع اختتام أول دورة تدريبية في هذا الصدد، بعد نحو شهر من مطالبات من القاهرة بالنظر في تمويل مستدام للبعثة؛ حفاظاً على نجاحها.
تلك الخطوة الجديدة رحَّبت بها مقديشو، مؤكدة أهميتها للبعثة واستقرار الصومال، وهو ما يرجعه خبير استراتيجي وعسكري تحدث لـ«الشرق الأوسط»، لقدرة وكفاءة الجيش المصري في رفع كفاءة نظيره الصومالي للتصدي لإرهاب حركة «الشباب»، وفرض الاستقرار في البلد المهم للأمن المصري القومي.
وخلفاً لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (أتميس)، التي انتهت ولايتها عام 2024، بدأت «بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال»، المعروفة باسم «أوصوم»، عملياتها رسمياً في يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد اعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً بشأنها في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لفترة أولية مدتها 12 شهراً؛ بهدف دعم الصومال في مكافحة حركة «الشباب» الإرهابية، التي تتصاعد عملياتها في الصومال منذ 15 عاماً.
جنود من قوات حفظ السلام التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (رويترز)
وأعلنت وزارة الدفاع الصومالية، الثلاثاء، «ختام أول دورة تدريبية لوحدات من القوات المسلحة المصرية، تمهيداً لانضمامها قريباً إلى بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الصومال واستقراره (أوصوم)، مرحِّبة بالنجاح الذي تَحقَّق»، وفق بيان للوزارة نقلته وكالة الأنباء الرسمية «صونا».
وعدّت الوزارة الخطوة «تجسيداً لالتزام مصر بدعم الأمن والاستقرار في الصومال، وتعزيز قدرات الجيش الوطني من خلال الهيكل الجديد للبعثة»، مؤكدة أن «هذه الجهود تسهم في تسريع العمليات الرامية إلى القضاء على الميليشيات الإرهابية مثل (الشباب) وتنظيم (داعش)».
ولم يعلن الجيش المصري تفاصيل تلك الدورة، غير أن الموقع الإخباري «الصومال الجديد» ذكر، الاثنين، أن «مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام أعلن انتهاء أول تدريب للوحدات العسكرية المصرية المنضمة إلى بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال».
ووفقاً للمصدر ذاته، «أصبحت مصر الآن تلعب دوراً بارزاً في تعزيز أمن الصومال، حيث يتم إعداد وحداتها قبل انتقالها إلى الميدان»، لافتاً إلى أن «التدريب ركّز على مهارات حفظ السلام، والتعاون الدولي، والتكيف مع الظروف الصعبة في الصومال».
اقرأ ايضا: وزير الخارجية السعودي يبحث التطورات مع نظرائه الإماراتي والقطري والبحريني
وأواخر ديسمبر 2024، أعلن وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في تصريحات صحافية، أن مصر قرَّرت المشاركة في البعثة التابعة للاتحاد الأفريقي بالصومال، بناء على طلب الحكومة الصومالية، وترحيب من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي.
ووقَّعت مصر والصومال، في أغسطس (آب) الماضي، بروتوكول تعاون عسكري، واتفق البلدان حينها على مشاركة مصر في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة في 2025 – 2029، ودعمت القاهرة مقديشو بمعدات عسكرية في سبتمبر (أيلول) الماضي.
قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي تقف بجانب ناقلات جند مدرعة «APC» في مقديشو (رويترز)
ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري المصري اللواء سمير فرج، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تلك الخطوات تأتي ضمن مسار معروف مسبقاً بين البلدين الصديقين، وضمن إجراءات متفق عليها من أجل دعم استقرار الأوضاع في الصومال.
ويؤكد فرج أن مقديشو تعلم أهمية المشارَكة المصرية، وتعول عليها، خصوصاً في رفع الكفاءة القتالية للجيش الوطني هناك؛ للتصدي للإرهاب ودعم الاستقرار.
وقبل نحو شهر كانت المشاركة المصرية بقوات حفظ السلام بالصومال على جدول محادثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره الصومالي، حسن شيخ محمود بمدينة العلمين، شمال مصر. واتفق الجانبان على «أهمية ضمان توفير تمويل كافٍ، ومستدام، وقابل للتنبؤ لتلك البعثة، بما يمكّنها من تنفيذ ولايتها على نحو فعال».
وجاء حديث الرئيس المصري، بعد أيام من تأكيد مجلس السلم والأمن الأفريقي، «ضرورة أن تُنهي مفوضية الاتحاد الأفريقي، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، عملية نشر القوات المصرية، وإعادة القوات البوروندية إلى وطنها»، بعد إعلان المجلس تمديد الوجود العسكري البوروندي في الصومال لمدة 6 أشهر، وتأجيل انسحابه الكامل الذي كان مقرراً في 30 يونيو (حزيران) 2025.
وسبق أن أكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، في اجتماع للبعثة في أوغندا في أبريل (نيسان) الماضي، أنه «لا تزال هناك موانع لتطبيق قرار مجلس الأمن بشأن بعثة دعم الصومال، وسيتطلب الأمر جهداً جماعياً دولياً لحشد موارد مالية تصل إلى 190 مليون دولار عام 2025».
وفي هذا الصدد، شدَّد اللواء فرج على أن مصر حريصة على دعم استقرار الصومال، وجادة في ذلك، وهذا واضح تاريخياً وفي الأزمات الصومالية الأخيرة أيضاً، وتعمل على توفير كل السبل لإنجاح ذلك، لافتاً إلى أن استقرار مقديشو مهم جداً للقاهرة، خصوصاً أن لها دوراً كبيراً في السيطرة والتأمين لباب المندب الحيوي ملاحياً لمصر وللعالم.