بدأت الجماعة الحوثية، الأربعاء، تداول ورقة نقدية جديدة فئة 200 ريال يمني، بعد أيامٍ من إصدار قطعة نقدية معدنية فئة 50 ريالاً يمنياً، في خطوات قال البنك المركزي اليمني إنها إمعان في تدمّر أسس النظام المالي، بينما ترى أوساط أخرى أنها تعبر عن وضع هشاشة الاقتصاد الحوثي الموازي، وتراجع سيولته المالية.
وبررت الجماعة الحوثية عبر ما يسمى «البنك المركزي» التابع لها في العاصمة صنعاء، طرح الإصدار الثاني من الورقة النقدية فئة «200 ريال» لترميم ومعالجة النظام النقدي، والحفاظ على «القوة الشرائية للعملة الوطنية»، وأنها ستخصص الفئات المعدنية التي أصدرتها، لإنهاء مشكلة الأوراق النقدية التالفة لفئتي 200 و50 ريالاً وما دونهما.
وتساوي القطعة النقدية المعدنية التي أصدرتها الجماعة فئة 50 ريالاً أقل من 0.10 دولار، في حين تقل الورقة النقدية فئة 200 ريال أقل من نصف دولار، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار في مناطق سيطرتها لا يتجاوز 535 ريالاً للدولار الواحد.
إلا أن البنك المركزي اليمني التابع للحكومة اليمنية المعترف بها، ومقره عدن، اتهم الجماعة الحوثية بالإمعان في تدمير أهم أُسس النظام المالي والاقتصادي اليمني، والاستمرار في عمليات النهب «المفضوح لرؤوس الأموال ومدخرات المواطنين، وضمن مساعيها لتمويل شبكاتها الوهمية التي باتت تعمل بانكشاف كبير، دون غطاء نقدي أو قانوني، يصل إلى تريليونات الريالات من العملة الوطنية ومليارات الدولارات من العملات الأجنبية».
ووصف البنك في بيان صادر عنه، الثلاثاء، العملة الورقية التي أصدرتها الجماعة الحوثية بالمزوّرة «بتوقيع منتحل صفة غير قانونية، مصنّف ضمن قوائم الإرهاب، وإنزالها للتداول عبر فرع البنك المركزي المُستولى عليه من قِبلها في العاصمة المحتلة صنعاء».
وصف البنك الإجراءات الاقتصادية الحوثية بالسُّعار، وتصرفاتها بالهستيرية «لتغطية انكشافها بوسائل غير شرعية وغير قانونية، خوفاً من انهيار محتم ووشيك لتلك الشبكات»، ومحاولةً يائسة لتجنب غضب السكان.
وحذر البنك السكان والمؤسسات المالية والاقتصادية، والبنوك، وشركات الصرافة، من التعامل مع ما يُطرح من عملات مزوّرة من كل الفئات، «صادرة عن كيان إرهابي غير قانوني»، أو قبولها في أي تسويات مالية من أي نوع، حفاظاً على أموالهم وما تبقى من مدخراتهم، و«تفادياً لوقوعهم تحت طائلة العقوبات لتعاملهم مع كيان مدرَج في قوائم الإرهاب العالمي».
الجماعة الحوثية بدأت تداول ورقة نقدية جديدة من إصدارها لأول مرة بعد إصدار عملتين معدنيتين (إكس)
قد يهمك أيضًا: حزب الجيل يدفع بـ23 مرشحًا على المقاعد الفردية بانتخابات “الشيوخ”
وقال يوسف شمسان، الباحث الاقتصادي اليمني، لـ«الشرق الأوسط»، إن توجه الجماعة الحوثية لطباعة فئات نقدية جديدة، يثبت أن الإجراءات الاقتصادية والمالية المتخذة ضدها، محلياً ودولياً، بدأت تثمر.
وأكّد أن تبرير الجماعة لإجراءاتها بسحب الأوراق النقدية التالفة، ما هو إلا محاولة لإخفاء الحقيقة، متوقعاً أن نشهد معالم الانهيار خلال الأيام المقبلة، خصوصاً أنها وصلت إلى مرحلة لم تعد قادرة فيها على فرض المزيد من الإتاوات التي كانت تستخدمها لتمويل ذاتها، حيث بدأت السيولة بالنفاد.
وكان سفراء الاتحاد الأوروبي وفرنسا وهولندا وألمانيا شددوا على أن البنك المركزي اليمني في عدن هو المؤسسة الوحيدة المخوّلة بإصدار العملة القانونية للبلاد، وأن أي محاولات أخرى لصك العملة تعد تزويراً غير قانوني.
أثنى السفراء، حسب بيان لبعثة الاتحاد الأوربي على «العمل المحوري للبنك في استقرار اقتصاد اليمن ودعم العملة».
ويرى مطهر العباسي، الأكاديمي والباحث الاقتصادي اليمني، أن إصدار العملات الصغيرة، ورغم عدم قانونيته، لن يكون له تأثير على التضخم وتدهور سعر الصرف، لأن هذه العملات المساعدة محدودة الانتشار ولا تستخدم في التحويلات والمدفوعات النقدية عالية القيمة، لكن الأمر يختلف في حالة إصدار عملات ورقية من فئة 200 ريال وأكثر.
وأوضح في منشور له على منصة «فيسبوك»، أنه وفي حال تهور الجماعة الحوثية بالاستمرار في طباعة هذه الفئات الورقية بمبالغ كبيرة بهدف تغطية نفقاتها، فسيؤدي ذلك حتماً إلى التضخم وتدهور سعر الصرف، لأن طباعة النقود يفتح الشهية للإنفاق دون وجود غطاء من النقد الأجنبي، وفي هذه الحالة يتحقق ما يسمى «بالتمويل من مصادر تضخمية».
عملة معدنية من فئة 50 ريالاً أصدرها الحوثيون وأثارت غضب الحكومة (إكس)
وسبق للحكومة اليمنية اتهام الإجراءات الحوثية باستمرار الحرب الاقتصادية التي تمارسها على الشعب اليمني، ونسفاً للاتفاق السابق بين الطرفين الذي تم توقيعه في يوليو (تموز) من العام الماضي برعاية إقليمية ودولية، حين أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، اتفاقاً بين الجانبين على «عدة تدابير لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي، عقب إجراءات متبادلة بين الطرفين حينها».
وأصدرت الجماعة حينها عملة معدنية فئة 100 ريال لأول مرة، ليرد عليها البنك المركزي اليمني، بوقف تراخيص 6 من أكبر بنوك البلاد تقع مقراتها الرئيسية في العاصمة صنعاء المختطفة من قِبل الحوثيين، وسعت مختلف الدول الغربية حينها لوقف إجراءات الطرفين، لتجنب «تعميق انقسام الاقتصاد اليمني».