يقف لبنان على مسافة زمنية أقصاها تسعة أشهر لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في مايو (أيار) 2026، من دون أن تلوح في الأفق السياسي بوادر انفراج تفتح الباب أمام التفاهم على قانون يفترض أن تجرى على أساسه، في ظل تصاعد وتيرة الاشتباك السياسي بين قوى المعارضة من جهة، و«الثنائي الشيعي» ومعه «التيار الوطني الحر» من جهة ثانية.
والخلافات في هذا الشأن عيّنة عن الاشتباك الأكبر حول حصرية السلاح بيد الدولة، والجدول الزمني لتطبيقه، رغم أن الحديث عن إمكانية تأجيل الانتخابات يعلو وينخفض من حين لآخر، وإن كان أحد لا يتجرأ على البوح بموقفه في العلن، خوفاً من رد الفعل المحلي والدولي على السواء.
لبنانية ترفع أصبعها بعد اقتراعها بالانتخابات المحلية في بيروت (إ.ب.أ)
والخلاف بين المعارضة والثنائي الشيعي و«التيار الوطني» يكمن في أن الأولى تطالب بشطب «المادة 112» من قانون الانتخاب التي عُلّق العمل بها في الانتخابات السابقة، والتي تنص على استحداث 6 مقاعد نيابية جديدة لتمثيل الانتشار اللبناني في الاغتراب، واستعيض عنها، لمرة واحدة، بالسماح لهؤلاء بالاقتراع من مقر إقامتهم، للنواب الـ128 الذين يتشكل منهم البرلمان اللبناني، وبحسب قيدهم في الدوائر الانتخابية التي ينتمون إليها، في مقابل إصرار «الثنائي» بتفاهمه مع «التيار الوطني»، على العمل بها بما يتيح للمغتربين بأن يتمثلوا بـ6 مقاعد، ومن يود منهم الاقتراع لـ128 يتوجب عليه الحضور إلى بيروت لممارسة حقه الانتخابي.
وكانت المعارضة ومعها «اللقاء الديمقراطي» ونواب من «قوى التغيير» ومستقلون، تقدموا باقتراح قانون وقّع عليه 61 نائباً يحمل صفة «المعجل المكرر»، لعقد جلسة نيابية تشريعية لإلغاء «المادة 112» من القانون، لكن رئيس البرلمان نبيه بري لم يستجب، باعتبار أن صلاحية الدعوة للجلسات منوطة به.
واللافت في حينها، أن نواب «اللقاء الديمقراطي» تمثلوا بزميل لهم وقّع على اقتراح القانون، لكنهم آثروا التريث بانضمامهم بعدم التوقيع على عريضة تحمل أسماء 65 نائباً، أي أكثر من نصف عدد الأعضاء زائداً واحداً لإلزام بري، من وجهة نظرهم، بالدعوة لجلسة تشريعية لمناقشة التعديلات المطروحة على قانون الانتخاب، وأبرزها شطب «المادة 112» منه وكأنها لم تكن.
جنود لبنانيون في مواجهة متظاهرين مؤيدين لـ«حزب الله» في بيروت يوم 7 أغسطس خرجوا رفضاً لقرار نزع سلاح الحزب (أ.ف.ب)
لذلك فإن الكباش السياسي مفتوح على مصراعيه حول قانون الانتخاب في ظل إصرار رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون على عدم الدخول في سجال، وإن كان بدأ يتصرف على أن إنجاز الاستحقاق النيابي في موعده خط أحمر من غير الجائز ترحيله، لأن ذلك سيشكل انتكاسة لعهده مع دخوله عامه الثاني، ويلقى معارضة المجتمع الدولي، الذي ينظر إلى الانتخابات على أنها «محطة لاستكمال تكوين السلطة» التي بدأت بانتخاب عون رئيساً للجمهورية، وكانت فاتحة لإحداث تغيير يستجيب لتطلعات السواد الأعظم من اللبنانيين الذين استبشروا خيراً بالتحولات في الإقليم ولبنان.
قد يهمك أيضًا: الكويت: التنمية المستدامة لا تتحقق دون سلام
فالمعارضة السياسية المناوئة لـ«الثنائي الشيعي» بدأت تتصرف على أساس أن ميزان القوى في لبنان بدأ يميل لمصلحتها، وأن الانتخابات النيابية ستحمل تغييراً يؤدي إلى تقليص نفوذه، وهي تتمسك بشطب «المادة 112» من القانون، بصرف النظر عن تمثيل الاغتراب اللبناني بـ6 مقاعد تُوزّع مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وحصر تمثيلهم بمنحهم حق الاقتراع من أماكن إقامتهم لـ128 نائباً.
وتتمسك المعارضة بموقفها، انطلاقاً من تدقيقها بأعداد المقترعين في بلاد الاغتراب في الانتخابات السابقة، التي أظهرت أنهم صوّتوا بفارق كبير للوائحها ولمرشحي «قوى التغيير». وهي تتوقع، كما تقول مصادرها لـ«الشرق الأوسط»، ارتفاع منسوب الاقتراع في الانتخابات المقررة في ربيع 2026 لصالح مرشحيها، وبإقبال كثيف على صناديق الاقتراع يفوق كل التوقعات، وسيُحسب حسابه مع تراجع نفوذ «التيار الوطني» في الشارع المسيحي، وعدم قدرة «الثنائي» على تجييش بيئته بما يسمح له بالحفاظ على نفوذه كما هو الآن في البرلمان الحالي.
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يتابع تحديثات النتائج في الانتخابات المحلية في زحلة (أرشيفية-إعلام القوات)
وفي المقابل، فإن «الثنائي»، بحسب مصادره لـ«الشرق الأوسط»، لا يريد أن يسمع بإلغاء «المادة 112»، ليس لأن من يطالب بشطبها كان أول من تحمس لإدراجها فيه، أي حزب «القوات اللبنانية»، وإنما لأن الحرب السياسية في ظل العقوبات المفروضة على «حزب الله»، تتلازم مع القيود التي يمكن أن تطال غالبية الناخبين الشيعة في أفريقيا والقارة الأميركية للضغط عليهم، ومنعهم من القيام بأي نشاط انتخابي لصالح مرشحيه في الدوائر الانتخابية التي يتمتع فيها بفائض القوة، هذا إذا لم يُطلب منهم تأييد منافسيهم.
وترى المصادر أن «الثنائي الشيعي» يتمسك بموقفه بحصر تمثيل الاغتراب بـ6 مقاعد، أما من يود الاقتراع لـ128 نائباً، فلا خيار أمامه سوى الحضور إلى بيروت. وتلفت إلى أنه يتحسب منذ الآن «لوجود مخطط يلقى كل الدعم الخارجي يراد منه تقليص النفوذ الشيعي في البرلمان، وأن إلغاء المادة 112 يأتي في سياق إنجاحه، وهذا لن يمر». وتقول إنه بشطب تلك المادة «لا يبقى لاعتماد النظام النسبي في الانتخابات، وأن البديل يكون بوضع القوى السياسية أمام خيارين: العودة للقانون الذي ينص على اعتماد القضاء دائرة انتخابية، أو إقرار اقتراح القانون الذي تقدمنا به، وينص على جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النظام النسبي».
ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في أول انتخابات محلية تجريها الحكومة اللبنانية خلال عهد الرئيس جوزيف عون (إ.ب.أ)
وتؤكد المصادر نفسها «أن الثنائي مع إجراء الانتخابات في موعدها، وهو باشر القيام منذ الآن بالتحضيرات الإدارية واللوجستية لذلك، وأن من يتهمه بتأجيلها هو من يريد ترحيلها، اعتقاداً منه بأن عامل الوقت سيدخله في مشكلة مع بيئته تؤدي لإضعافه في حال تأخر إعمار القرى المدمرة ما لم يوافق على حصرية السلاح، والجدول الزمني لجمعه».
وعليه، لا يمكن قراءة مصير الانتخابات النيابية إلا من خلال ما ستؤول إليه المعركة الأكبر المفتوحة على كل الاحتمالات، وتتعلق بسلاح «حزب الله» الذي يتصرف على أنه مصدر وجوده السياسي، والرافعة لتعزيز حضوره في المعادلة السياسية، وإن كان تعديل القانون سيبقى يراوح مكانه، ما لم يوكل إلى البرلمان حسم الخلاف بدعوته لعقد جلسة لهذا الغرض… وهذه ما زالت موضع مبارزة بين بري والمعارضة، بينما تفضل الحكومة أن تترك للبرلمان النظر في تعديل القانون.