بعد جولات مستفيضة سابقة من المناقشات، يعود الإطار القانوني والدستوري اللازم للانتخابات الليبية مجدداً إلى مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، وفق «خريطة طريق أممية».
وتضمنت «خريطة الطريق»، التي أعلنت عنها المبعوثة هانا تيتيه أمام مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي، ضرورة تعديل قانوني الانتخابات العامة من قبل المجلسين، بهدف «معالجة المشاكل التي أسهمت في عدم إجراء الانتخابات عام 2021».
لكن هذا الطرح قوبل بانتقادات واسعة حول قابليته للتحقيق في ظل الانقسام الحكومي والمؤسسي، وتعمُّق خلافات الفرقاء المتصارعين على السلطة والثروة.
ويرى رئيس «مجموعة العمل الوطني» الليبي، خالد الترجمان، أن إحالة البعثة هذه المهمة للمجلسين «يعد استمراراً لسعيها إلى إدارة أزمة البلاد، وليس معالجتها»، متوقعاً أن تلقى خريطة تيتيه مصير مبادرات قدمها مبعوثون سابقون تعاقبوا على رئاسة البعثة منذ 2011.
وتحدث الترجمان لـ«الشرق الأوسط» عن وجود «تاريخ طويل من المناكفات بين المجلسين حول القانونَين وملفات أخرى»، وأرجعها لما وصفه بإصرار المجلس الأعلى للدولة، وهو مجلس استشاري، «على منازعة البرلمان في صلاحياته بصفته سلطة تشريعية».
وهو يعتقد أن تقارب محمد تكالة، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في الرؤى مع رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة، قد يقود إلى نشوب مزيد من الخلافات حول تعديلات القانونَين، بما يطيل بقاء هذه الحكومة في السلطة، منتقداً «اكتفاء البعثة بالتلويح المتكرر بالعقوبات في مواجهة معرقلي العملية السياسية دون التأكيد على تفعيلها».
صورة جماعية لأعضاء بمجلسي النواب و«الدولة» في ليبيا 23 فبراير 2025 (مجلس النواب)
وتشهد ليبيا منذ مارس (آذار) 2022 صراعاً بين حكومتين: الأولى «الوحدة الوطنية» في طرابلس، والثانية يرأسها أسامة حماد ومكلفة من البرلمان وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.
ترتكز «الخريطة» الأممية على محاور عدة، منها تعزيز قدرات «مفوضية الانتخابات»، بالتوازي مع إدخال تعديلات على قانونَي الانتخابات خلال شهرين، يعقبها تشكيل حكومة موحدة جديدة تمهّد للاستحقاق، إلى جانب إطلاق حوار وطني موسع.
وسلّط عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية، الضوء على المعضلة الواردة بـ«الخريطة»، فقال إن تشكيل الحكومة الموحدة، وإطلاق الحوار الوطني «سيظلان معلقين إذا لم يتم التوافق أولاً على قانوني الانتخابات».
وأضاف في تدوينة على «فيسبوك» أن هذا «قد يطيل أمد الأزمة بدلاً من تجاوزها».
ولم يبتعد الناشط السياسي الليبي، أحمد التواتي، عن الآراء السابقة، عادّاً أن إعادة قانوني الانتخابات إلى النواب والأعلى «لن يسفر، في أحسن السيناريوهات، إلا عن صفقة جديدة من المحاصصة السياسية بينهما، في ظل ما بينهما من تجاذبات وخلافات».
قد يهمك أيضًا: بولونيا مهتم بالتعاقد مع «ويسلي النصر»
وقال التواتي لـ«الشرق الأوسط» إن «رهن تشكيل الحكومة الجديد بالتوافق بين المجلسين حول الإطار القانوني، والذي لطالما اختلفا حوله لسنوات، قلل من توقعات الليبيين حيال نجاح الخريطة، خصوصاً في الوقت الراهن مع توتر العلاقة بين تكالة ورئيس البرلمان عقيلة صالح».
وبرز ملف معايير الترشح للرئاسة، وتحديداً جواز ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية من عدمه، في مقدمة الخلافات التي أعاقت التوافق حول القوانين والعملية الانتخابية خلال مفاوضات سابقة.
وقال التواتي: «رغبة صالح في إزاحة الدبيبة من السلطة قد تدفعه لمهادنة (الأعلى للدولة) وتقديم بعض التنازلات بشأن التعديلات».
وعلى مدار عام، دعا صالح إلى تشكيل حكومة جديدة بالتنسيق مع كتلة من «الأعلى للدولة» بقيادة رئيسه السابق خالد المشري، ليكون بديلاً لحكومة «الوحدة».
وحذّر التواتي من إيكال مهمة تشكيل الحكومة للمجلسين حال نجاحهما، بشكل أو بآخر، في التوافق على الإطار القانوني للانتخابات، معتقداً أن النتيجة حينها «لن تكون حكومة تكنوقراط أو تسيير أعمال تمهد لإجراء الانتخابات، بل ربما صفقة لتقاسم المقاعد الوزارية وتحديداً السيادية بين المجلسين وحلفائهما من فرقاء الصراع في شرق وغرب البلاد».
ويرى المحلل السياسي محمد محفوظ أن اعتماد تيتيه على المجلسين مجدداً جاء «ترضية لبعض القوى الإقليمية والغربية التي ترفض تجاوز المؤسسات القائمة وتريد تشكيل مجلس تأسيسي جديد، كما يطالب فريق واسع من الليبيين».
الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا هانا تيتيه (الأمم المتحدة)
وأوضح محفوظ لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه القوى ترى في توافق المجلسين مساراً يمكن ضبط مخرجاته بما يخدم مصالحها، خلافاً لمسار جديد قد يصعب التحكم فيه»، موضحاً أن هذه المهمة «مشروطة بمهلة شهرين، وفي حال فشل المجلسين في التوافق سيتعين على حلفائهما الغربيين والإقليميين توفير دعم واضح لأي مسار سياسي ستقدمه البعثة حينذاك».
وخلال الإحاطة، بررت المبعوثة الأممية استمرار التعامل مع المجلسين بكونه «أسرع طريق ممكن للانتخابات»، مع تحميلهما المسؤولية أمام الليبيين.
ويعتقد عضو المجلس الأعلى للدولة، علي السويح، أن «الفرصة قائمة وبقوة لتوافق أعضاء المجلسين على تعديلات القانونَين، خصوصاً في ظل تقديم اللجنة الاستشارية التي شكلتها البعثة بداية العام مقترحات عدة بشأنها يمكن بحثها».
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عبَّر السويح عن قناعته بأن البعثة ربما وضعت سلسلة ضمانات لتفادي عرقلة خريطتها، في ظل معرفتها الوثيقة بخريطة تحالفات الساحة الليبية، ومعرفتها أيضاً بغضب الشارع من استنزاف فرقاء الصراع لعوائد الثروة النفطية.
وتوقع أن يسعى عدد كبير من أعضاء النواب و«الأعلى للدولة» جدياً إلى التوافق حول القانونَين، بغض النظر عن موقف الرئاسة في كل مجلس.
وختم حديثه بالتأكيد على أن الأزمة «لا تُحل أو تنحصر بالقوانين فقط؛ إذ تستفيد من الوضع الراهن قوى عدة من ميليشيات ومهربين وسياسيين فاسدين يسعون إلى إبقاء الانقسام بيئة خصبة لمصالحهم بعيداً عن المحاسبة».