في الحقيقة، لا يوجد شيء جدير بمعرفة كواليسه وما يحدث في غُرفه المغلقة أكثر من قصص رحيل النجوم، والسبب بسيط؛ أنهم يحتاجون إلى الكثير من العمل والجهد والاستثمار طويل الأمد لصنع علاقة قوية مع الجمهور والإدارة والفريق ككل، وبالتالي عندما يحدث الانفصال، يكون انفصالًا داميًا ومؤلمًا لجميع الأطراف.
مثل من؟ مثل بطل قصتنا هذا اليوم، اللاعب الألماني مارك أندريه تير شتيجن، الذي انضم إلى برشلونة في عام 2014، وأصبح حجر زاوية الفريق وقائدًا له، ورسخ مكانته كشخصية محورية ومستقرة داخل النادي، ومع ذلك، كشفت التطورات الأخيرة عن وصول العلاقة بينه وبين الإدارة إلى نقطة النهاية.
اللاعب كان وفيًا للنادي طوال مسيرته، ولكن للأسف الشديد فالولاء الذي يقدمه اللاعبون، وإن كان مقدرًا ظاهريًا، غالبًا يتراجع أمام الأهداف المالية والرياضية المتغيرة للنادي، مما يؤدي إلى حالة مستمرة من عدم اليقين، بغض النظر عن المساهمات السابقة أو المكانة المتصورة، ولذلك تتجاوز أزمة تير شتيجن الحالية مجرد نزاع حول انتقال لاعب، لتُشكل ساحة صراع خفية تكشف عن قضايا نظامية أعمق داخل صناعة كرة القدم الحديثة.
هو ليس حدثًا معزولًا، بل ربما يكون عرضًا لضغوط اقتصادية هائلة، مثل لوائح اللعب المالي النظيف، والسعي الدؤوب لتحقيق النجاح الرياضي، والتي يمكن أن يساهم في تجريد اللاعبين من إنسانيتهم وتقويض ارتباطهم الجوهري باللعبة، ولكن، قبل أن نغوص في تلك الفكرة، دعنا نسأل أولًا: هل كانت إصابة تير شتيجن مجرد سوء حظ طبي، أم كانت بيدقًا استراتيجيًا في لعبة برشلونة المالية اليائسة؟
شهدت الأيام الأخيرة تطورات متسارعة في أزمة مارك أندريه تير شتيجن مع برشلونة، إذ أعلن الحارس الألماني مؤخرًا أنه سيغيب لمدة ثلاثة أشهر بسبب جراحة في الظهر، وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها تير شتيجن مشاكل في الظهر؛ فقد خضع لعملية جراحية سابقة في نوفمبر 2023 وغاب شهرين عن الملاعب، قبل أن تعود نفس المشاكل للظهور مؤخرًا، ما أثار الجدل هو توقيت وكيفية إعلان فترة غيابه لمدة 3 أشهر.
حيث فسرت الصحافة الإسبانية هذا الإعلان على أنه “عمل انتقامي صارخ” بسبب محاولة برشلونة إجباره على الرحيل وتشويه سمعته. هذا التفسير يشير إلى أن إعلان اللاعب لم يكن مجرد تحديث طبي، بل خطوة محسوبة ضمن صراع أوسع، يتضح هذا التباين بشكل أكبر عندما نُدرك أن فريق برشلونة الطبي كان يتوقع غياب تير شتيغن لمدة تتراوح بين 4 و5 أشهر، مما يخلق تباينًا كبيرًا في الجداول الزمنية للتعافي.
هذا التضارب غذى “نظريات المؤامرة” التي ظهرت حول غيابه عن التدريبات التحضيرية، حيث يمتلك شتيجن عقدًا ساري المفعول مع برشلونة لثلاث سنوات متبقية، وقد صرح صراحة على أنه ليس لديه أي نية لمغادرة برشلونة، مما يؤكد رغبته في البقاء باقي عقده، من المهم هنا ملاحظة أن رغبة النادي في التخلي عنه لم تكن وليدة هذه الإصابة؛ فقبل تفاقم مشكلة الظهر، كان برشلونة “يفكر” بالفعل في إيجاد نادٍ جديد له هذا الصيف، ما يؤكد أن نية التخلص من اللاعب كانت موجودة مسبقًا.
في المقابل، أظهر تير شتيجن ولاءً كبيرًا للنادي في الماضي، حيث وقع على تمديد عقد في أغسطس 2023 تضمن تأجيلًا للأجور، مما خفف الضغط المالي على النادي خلال أزمة الاقتصادية السابقة والممتدة، ومع ذلك، فإن هذا الولاء لم يضمن له الأمان الوظيفي، لماذا؟ لأن لوائح اللعب المالي النظيف (FFP) في الليجا تسمح للأندية باستعادة جزء كبير (80%) من أجور اللاعب لأغراض التسجيل فقط إذا كان اللاعب سيغيب لمدة أربعة أشهر على الأقل.
وهذا يعني أن إعلان شتيجن عن فترة تعافٍ مدتها ثلاثة أشهر ليس مجرد تحديث طبي، بل هو تكتيك مضاد من اللاعب بهدف منع النادي من الحصول على هذا التخفيف المالي في تلك الفترة الاقتصادية المأزومة، ما يحول التشخيص الطبي البسيط إلى سلاح استراتيجي في يد الطرفين، كل يشهره في وجه الآخر.
برشلونة يعلن غيابه لمدة 6 أشهر لإجباره على الرحيل، وشتيجن يعلن غيابه لمدة 3 أشهر فقط لإجبار النادي على تسجيله، في حرب ضروس أصبحت فيها المعلومات الصحية نقطة خلاف هي الأخرى. ولكن من غدر بمن؟
تشير المعطيات بوضوح إلى أن برشلونة كان “يفكر” بالفعل في التخلي عن شتيجن قبل أن تعاود إصابته في الظهور، ثم أدت إصابته إلى “تعطيل” خططهم الأولية لتحقيق مكاسب مالية من خلال بيعه المباشر، هذا يشير إلى أن الإصابة لم تبدأ رغبة النادي في التخلي عنه، بل عقدت هدفًا استراتيجيًا موجودًا بالفعل.
وبالتالي، فإن محاولات النادي العدوانية الحالية للاستفادة من إصابته لتحقيق مكاسب مادية في اللعب المالي النظيف ليست إلا تكيفًا مباشرًا مع الظروف غير المتوقعة لإصابته، مما يجبرهم على اللجوء إلى تكتيكات قد تكون أقل قبولًا في الظروف العادية، وهنا السؤال: كيف تُحوّل الضائقة الاقتصادية للنادي قائدًا مخلصًا إلى أصلٍ مادي فقط لا غير، بل ويمكن التخلص منه، مع الإعلان عن حقبة جديدة؟
تُشكل القيود المالية لبرشلونة المحرك الرئيسي للأزمة الحالية مع تير شتيجن، إذ يكمن جوهر الخلاف في محاولة النادي استخدام جزء من راتبه للمساعدة في تسجيل حارس المرمى الجديد خوان جارسيا. هذه الخطوة ضرورية نظرًا للوائح اللعب المالي النظيف (FFP) في الليجا، والتي تسمح للأندية باستعادة 80% من أجور اللاعب لأغراض التسجيل فقط إذا كان اللاعب سيغيب لمدة أربعة أشهر على الأقل بسبب الإصابة.
خاصة وأن برشلونة “يتجاوز بالفعل سقف الرواتب الخاص به” ويعمل تحت “قيود مالية” كبيرة، وبالتالي يحتاج بشدة إلى هذا القرار المتعلق بالإصابة طويلة الأمد لتسهيل عملية تسجيل لاعبيه، إذ يكشف التاريخ المالي للنادي عن عمق هذه المشكلة، حيث بلغ دين برشلونة 1.35 مليار يورو في أغسطس 2021، وكانت فاتورة الأجور تمثل 103% من إجمالي الدخل، وهو ما لا يصح، ويمنع تسجيل لاعبين جدد.
في خضم هذه الأزمة، أعلن برشلونة رسميًا عن توقيع حارس المرمى خوان غارسيا من إسبانيول مقابل 26.34 مليون يورو، بعقد طويل الأمد يمتد حتى عام 2031، إذ يُنظر إليه صراحة على أنه الحل الأمثل لبرشلونة وسط المخاوف المستمرة بشأن لياقة شتيجن، ومن المتوقع أيضًا أن يصبح الوريث طويل الأمد، وربما يبدأ في وقت أقرب مما كان متوقعًا اعتمادًا على تعافي الألماني، ثم قام برشلونة بعد ذلك بتجديد عقد تشيزني حارس المرمى أيضًا، حسنًا، كيف سيسجل كل تلك الصفقات؟
بسيطة ومنطقية للغاية، عن طريق تخفيض الرواتب، وتخفيض الرواتب تعني المناورة براتب لاعب، وأ إقناع لاعب آخر بتخفيض راتبه، أو التخلص من عدد من اللاعبين، ثم طرح الأمر على الليجا، الموافقة النهائية على تخفيف الرواتب تقع على عاتق لجنة الليجا، وقد سبق أن حكمت هذه اللجنة لصالح برشلونة في حالة مماثلة تتعلق بالمدافع أندرياس كريستنسن، مما يشير إلى وجود سابقة لمثل هذه المناورات.
فوضع برشلونة المالي الحرج يعني أنهم في موقف يحتاجون فيه إلى أن تكون إصابة شتيجن أطول مما يدعيه علنًا، وهذا يحول صحة اللاعب من مسألة شخصية خاصة إلى أداة مالية، مجرد متغير رقمي، كما أن “أمل” النادي المعلن في أن يمتد غيابه في النهاية إلى أربعة أشهر على الأقل هو انعكاس مروع لكيفية أن اللوائح المالية، التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار، يمكن أن تشجع الأندية على رؤية اللاعبين ليس كبشر يتعافون من الإصابة، بل كمدخلات اقتصادية مجردة يمكن التلاعب بها لتحقيق مكاسب مالية.
تصفح أيضًا: فهد بن نافل يعلن رحيله عن رئاسة الهلال رسميًا
ما زاد وغطى، هو قرار هانسي فليك بالابتعاد عن تلك الدراما المتصاعدة، وتفويض هذه القرارات للمدير الرياضي والإدارة المالية، قرار يبدوا جيدًا بالنسبة للبعض، أن تكون محايدًا، إلا أنه في حد ذاته خطوة استراتيجية محسوبة من إدارة النادي بعدم الانخراط في دعم تير شتيجن علنًا، وهذا يسمح للنادي بالحفاظ على واجهة وحيدة لمقارعة الأزمات والمشاكل، مما يزيد من عزلة اللاعب ويتركه عرضة للخطر، وهنا سيأتي السؤال: بين الأساطير وأسماء المنسية، هل اللاعبون أحرار حقًا في كامب نو؟
تُثير أزمة شتيجن تساؤلات حول ما إذا كانت ممارسات برشلونة الحالية جزءًا من نمط سلوكي أوسع في التعامل مع لاعبيه، حيث يكشف تاريخ النادي عن “نمط مقلق” يتضمن قيام وسائل الإعلام الكتالونية بنشر قصص سلبية عن اللاعبين البارزين الذين يقتربون من نهاية مسيرتهم، والهدف من ذلك هو “تبرير رحيلهم” وجعله يبدو وكأنه قرار حكيم ومدعوم من الجماهير، بدلاً من قرار احترافي إداري صعب، وهذا اتهام مباشر بحملات تشويه منظمة.
وتتضمن الأمثلة المحددة لحملات التشويه وتكتيكات الضغط المزعومة ما يلي:
بالإضافة إلى حملات التشويه، هناك أمثلة على لاعبين “أُجبروا على قبول تخفيضات في الأجور” للمساعدة في تسجيل بعض التعاقدات الجديدة، وإليك مثال واضح للغاية: في عام 2021، قام جيرارد بيكيه “بتخفيض كبير في راتبه” ليتمكن النادي من تسجيل ممفيس ديباي وإريك جارسيا وراي ماناج. وفي نفس المرحلة الزمنية، كان سيرجيو بوسكيتس وجوردي ألبا أيضًا في محادثات لتعديلات مماثلة في الأجور.
كما توجد حالات للاعبين جمدوا خارج التشكيلة أو أنهيت عقودهم بالقوة. على سبيل المثال، جُمَِد ياري ليتمانن خارج الفريق بعد موسم غير ناجح في عام 2000، وفقد قميصه رقم 10، وانتقل في النهاية في صفقة انتقال حر، كما أُنهي عقد البرازيلي هنريكي باتفاق متبادل في عام 2013، مما يوضح أن للنادي سوابق من هذا النوع، وأنه عندما يرغب في إنهاء عقد لاعب غير مرغوب فيه، يتلاعب بكل ما يستطيع من أجل تنفيذ ذلك.
من خلال نشر قصص اللاعب السلبية عبر وسائل الإعلام الكتالونية لـ “تبرير الرحيل” أيضًا، وذلك ليس حدثًا عرضيًا؛ بل هي استراتيجية علاقات عامة متطورة، تعتمد على تآكل صورة اللاعب العامة وشخصيته، مثل وصف تير شتيجن بـ “الأناني”، ليدير النادي تصور الجماهير عن اللاعب بشكل استباقي.
وهذا يحول اللوم من قرارات النادي الغريبة وسيئة السمعة إلى سلوك اللاعب المزعوم أو أدائه السيئ، فاللاعب هنا ليس بشرًا، بل قربة إعلامية يمكن النفخ فيها حتى تمزق من الداخل، فيصبح اللاعب هو الشرير في رواية الكل، الجماهير، النادي، بقية اللاعبين، والإدارة، والمدرب، ولهذا ثمن نفسي رهيب على اللاعب، ثمن يجعله منسلخًا عن اللعبة نفسها.
تلك الحالة يعرفها كارل ماركس، الفيلسوف الألماني الشهير، باسم “نظرية الاغتراب”، حيث يغترب العمل، اللاعب، عن عمله، فلا يشعر بالاندماج معه، ويصبح غريبًا بالكامل عنه، فعندما يضع اللاعب كل قوة عمله، في خدمة الرأسمالي، أي مالك النادي من جهة، ومالك اللعبة، أي الفيفا من جهة أخرى، والجماهير من جهة ثالثة، يصبح مجبورًا على اللعب، ليس لأنه يحب اللعبة، بل لأنه مضغوط ومكسور.
تحديدًا، مضغوط عليه من الثلاث جهات، فيفقد المتعة الشخصية لصالح إمتاع الأطراف الثلاثة، ويصبح كافرًا بنفسه وبموهبته، وبالصورة الذهنية التي بناها عن اللعبة من كونها لعبة ترفيهية تهدف إلى الإمتاع والمؤانسة.
من هنا، يتعمق اغتراب اللاعب ليصل إلى جوهر علاقته بجسده وموهبته الفطرية، فالقوة البدنية والمهارات التي كانت مصدر فخاره ووسيلة تعبيره عن ذاته، تتحول، في ظل علاقات الإنتاج الرأسمالية للرياضة الاحترافية، إلى مجرد “سلعة” يُستنزف وجودها المادي والروحي في سوق العرض والطلب. يصبح جسده أداةً للإنتاج، فلا يملك السيطرة الكاملة على استعمالها أو توقيت استراحتها، وتُقاس قيمته فقط بما يدره من أرباح مادية أو يحققه من ألقاب تزيد من رأس مال النادي وقيمة عقود البث التلفزيوني التابعة للفيفا.
هذا الانفصال بين الذات العاملة، اللاعب، وأداة العمل، جسده وموهبته، هو ذروة اغترابه، حيث يخسر ملكيته الحقيقية، وما يزيد الطين بلة، أن النظام الرياضي الرأسمالي المعولم يخلق حلقة مفرغة تُعمق هذا الاغتراب باستمرار، فمن جهة، تتحول “الحرية الشكلية” للاعب في اختيار ناديه أو الانتقال بين الأندية إلى مجرد وهم يُخفي القيود الحديدية لشروط العقود التجارية الضخمة ومتطلبات الرعاة وضغوط الجماهير المتعطشة للنتائج الفورية، مما يجعله أسيرًا لمنظومة تفرض عليه أولوياتها بغض النظر عن رغباته.
ومن جهة أخرى، يؤدي هذا الاغتراب المستمر إلى خلق حالة من “الاغتراب الجماعي” أو “الاغتراب عن الجوهر الإنساني للرياضة”، حيث تُستبدل القيم الأصلية للمنافسة الشريفة والمتعة والإبداع بمعايير الربح والتسليع والاستعراض، فتفقد اللعبة روحها التي أحبها اللاعب أساسًا، ويصبح الجميع، وإن كانوا بدرجات متفاوتة، ضحايا وآليات في آلة رأسمالية ضخمة تبتلع الإنسانية في سبيل تراكم رأس المال، والنتائج.
هنا تصبح إصابة تير شتيجن في الظهر أكبر من علة جسدية؛ فقد صوّرها برشلونة صراحة على أنها فرصة لتخفيف أعباء اللعب المالي النظيف، وفرصة للاستفادة منها لتحقيق مكاسب اقتصادية وتخفيف العبء، كما أن رغبتهم المسبقة في “الاستفادة” منه ماليًا تُظهر بوضوح أن جسده، وصحته، وأداءه، وحتى وضعه التعاقدي، يُنظر إليهم في المقام الأول كأصول اقتصادية أو أعباء يجب إدارتها في الميزانية العمومية.
تلك الحالة هي تجسيد مباشر وملموس لـ “تسليع اللاعبين”، حيث تُطغى قيمة اللاعب الجوهرية كإنسان، وشغفه، وولائه، بقيمته التبادلية في السوق، يصبح صراعه للتحكم في سرد حالته الطبية معركة من أجل استقلالية جسده، الذي تحول فعليًا إلى سلعة يملكها النادي، ويتحكم بالكامل في مصيرها، دون النظر إلى إنسانيته.
ذلك التحوّل الجوهري يُختزل فيه جسد اللاعب من كونه امتدادًا لذاتِه ووعيِه، إلى مجرد أداة إنتاج قابلة للاستهلاك والإحلال، فيُستلبُ آخرُ ما تبقى له من ملكية ذاتية، وهكذا تتحطم إنسانيته على صخرة المنطق الرأسمالي الذي لا يرى في ألمه أو تدهور صحته سوى تكلفة إنتاج قابلة للحساب والأخذ والرد والتدمير، كما ترى في رحيله المُبكر أو انطفاء موهبته مجرد مخاطر سوق يجب تأمينها لا أكثر.
كل هذا يؤدي إلى حالة من عدم اليقين عند اللاعب نفسه، وعندما تستمر، يمكن أن تؤدي إلى الإرهاق وفقدان الحافز، ومشاعر الخوف أو القلق، وحتى نوبات الهلع المنتشرة بشدة بين اللاعبين من عينة شتيجن، لاعبون ظلموا بكل ما في الكلمة من معنى، ولم يعاملوا كبشر من لحم ودم، فتحولوا إلى وحوش، شتيجن نفسه قال مرة: “أنا سعيد عندما ألعب”، مما يشير إلى استمتاعه باللعب، ومع ذلك، فإن الأزمة المستمرة تدفعه إلى حرب مع ناديه، حيث تُفسر أفعاله، مثل إعلانه العام عن إصابته، على أنها عمل انتقامي لكسر هيبة برشلونة.
وهذا يقود إلى استنتاج بأن المشكلة ليست سوء سلوك فردي من اللاعب، أو من نادي برشلونة، بل هي قضية نظامية متأصلة في بنية كرة القدم الحديثة، يصبح فيها اللاعب النجم في قلب المنظومة الرأسمالية للرياضة كـ كائن مُستلَب مرتين: مرة عندما يُختزَل إلى رقم في دفاتر المحاسبة، ومرة عندما يُحرم من حقه الأساسي في أن يكون سيدًا على جسده وقراراته.
خاصة وأن برشلونة، مثل غيره من الأندية، لم يعد ناديًا بالمعنى الاجتماعي، بل أصبح شركة أسهم تُدار بقوانين السوق، فاللاعبون بضاعة أتلفها الهوى وكثرة الاستعمال، والجماهير مستهلكون مخابيل، والإصابات فرص لقنص المال من فم السبع، حتى الحملات الإعلامية المُمنهجة لتشويه اللاعبين ليست سوى آلية دفاع للنظام لتحويل الضحية إلى “مشكلة” يجب التخلص منها، وكلما ارتفعت القيمة السوقية، انخفضت القيمة الإنسانية.