يسود المشهد الليبي ترقّب حذر بعد إعادة انتخاب محمد تكالة رئيساً للمجلس الأعلى للدولة، وهي الخطوة التي يتوقّع كثيرون أن تربك حسابات البرلمان، وتُضعف مساعيه المستمرّة منذ أكثر من عام لتشكيل «حكومة جديدة».
واعتبر مراقبون أن اعتراف البعثة الأممية بانتخاب تكالة، «شكّل ضربة سياسية كبيرة» للبرلمان، الذي كان يسعى مع خالد المشري، رئيس المجلس السابق، لتشكيل حكومة بديلة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
محمد تكالة الذي أعيد انتخابه رئيساً للمجلس الأعلى للدولة (إ.ب.أ)
وقال عضو مجلس النواب الليبي، علي الصول، إن دور المجلس الأعلى للدولة بوصفه مجلساً استشارياً «يقتصر على تقديم تزكيات المرشحين لرئاسة الحكومة، ولا يمتد إلى منحها الثقة»، ما يعني، من وجهة نظره، أن مجلسه «لا يزال قادراً على المضي قدماً بمفرده في مسار تشكيل حكومة جديدة».
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أعرب الصول عن قناعته بصحة ما يوجهه بعض الأعضاء المؤيدين للمشري من اتهامات لحكومة الدبيبة بـ«التدخل لضمان مشاركة أكبر عدد من الأعضاء في جلسة انتخاب مكتب الرئاسة، التي انتهت بفوز تكالة»، مشيراً إلى أن الهدف من وراء ذلك «قطع الطريق على أي تفاهمات بين رئيس البرلمان، عقيلة صالح، والمشري حول تشكيل حكومة جديدة تزيح حكومة الوحدة من السلطة».
خالد المشري (متداولة)
وعبر تنسيق سابق بينه وبين صالح، عقد المشري، الأسبوع الماضي، اجتماعاً مع عدد من الشخصيات، التي قدمت في فترة سابقة ملفاتها للسلطة التشريعية لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، وهو ما اعتبره مراقبون «ضغطاً» على حكومة الدبيبة التي تتمسك بالسلطة.
غير أن الصول يرى أن ملف تشكيل الحكومة «لا يرتبط فقط بموقف المجلس الأعلى للدولة، أو توحيد صفوفه من عدمه، بل يتوقف بالدرجة الأولى على مواقف العواصم الغربية المؤثرة في الساحة الليبية، وفي مقدمتها واشنطن ولندن».
بدوره، لم يتردّد عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، في التعبير عن مخاوفه من «استئثار البعثة الأممية في صناعة السلطة المقبلة، دون مشاركة حقيقية للقوى وشرائح المجتمع، رغم تكرار حديثها عن دعمها لأي حل يقوده الليبيون لأزمة بلادهم».
من اجتماع سابق لمجلس النواب الليبي (المجلس)
نوصي بقراءة: هل سوريا جاهزة للسلام مع إسرائيل؟
وأوضح بن شرادة لـ«الشرق الأوسط» أن المبعوثة الأممية ستقدّم في إحاطتها المرتقبة أمام مجلس الأمن الدولي، منتصف أغسطس (آب)، «خريطة جديدة لحل الأزمة السياسية، والتي ستتركّز في الغالب على أحد المقترحات الأربعة التي توصلت إليها لجنة استشارية، كانت قد شُكّلت بداية العام الحالي»، متوقعاً «عدم حدوث أي تطور سياسي حتى موعد تلك الإحاطة».
من جانبه، أوضح حسن حبيب، النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى، أن مسار تشكيل حكومة «يتطلب اعترافاً أممياً ودولياً، وهذا لا يتحقّق إلا عبر عملية ومسار تشارك فيهما كافة القوى الليبية، وأيضاً البعثة، وعندما يتحقق ذلك، لن يتأخر المجلس الأعلى للدولة عن اللحاق به».
ونفى حبيب الاتهام الموجّه لجناح تكالة بالتقارب مع الدبيبة، والسعي لتجميد أي مسار يسفر عن إزاحة حكومة الأخير من السلطة، وقال موضحاً: «بحكم التمركز الجغرافي لمقر المجلس في طرابلس، ننسق مع الحكومة القائمة هناك، ولسنا حماة لها، لكننا في الوقت ذاته لا نسعى لإيجاد خصومة في العلاقة مع أي طرف».
وأضاف حبيب: «لا اعتراض لدينا على تشكيل حكومة جديدة موحدة للبلاد، لكن اعتراضنا يرتكز على طريقة إخراج تلك الحكومة، دون ضمان قبول الرأي المحلي والدولي لها، مما يعني إمكانية إدخال العاصمة، مقر الحكم، في صراعات جديدة، وهذا آخر ما نتمناه».
أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان (الاستقرار)
من جهته، دعا الباحث السياسي، محمد بوفلغة، إلى ضرورة تذكر «ارتباط مسار التشكيل الحكومي منذ قرابة عقد بإيجاد خريطة سياسية ترعاها البعثة، وهو ما حدث في اتفاق الصخيرات، الذي أنتج حكومة (الوفاق الوطني)، وتكرر في (ملتقى الحوار السياسي)، الذي أنتج حكومة الوحدة الوطنية».
وقال بوفلغة لـ«الشرق الأوسط»: «لو كان الأمر محصوراً بموافقة المجلسين، أو القوى الداخلية فقط، لحصلت الحكومة المكلّفة من النواب في مارس (آذار) 2022 على الاعتراف الأممي».
وحول ما يتردّد عن تعويل البرلمان على دعم تركيا له لإزاحة الدبيبة، قال بوفلغة: «موافقة تركيا على الإطاحة بحكومة الدبيبة، وإن تمت، فإنها لا تعني بأي حال أن البديل سيكون عبر حكومة يتم تشكيلها بين البرلمان وكتلة المشري».
وانتهى بوفلغة إلى أن تركيا «لن تذهب بعيداً عن مسار البعثة، فهي ستدعم وجود بديل لحكومة (الوحدة) عبر عملية سياسية، يشارك فيها المجلسان، وأيضاً القوى المسلحة في شرق ليبيا وغربها. وإلى حين تحقق ذلك، فالدبيبة باق في موقعه، وأي شخصية سيقدم البرلمان على اختيارها لرئاسة الحكومة لن تحلّ محله، وإنما محل أسامة حماد».
ومنذ مارس 2022، تتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة» برئاسة الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والثانية مكلّفة من البرلمان، وتدير منطقة الشرق وبعض مدن الجنوب، برئاسة أسامة حماد.