لم تلق عملية البدء بتشكيل ما يُسمى «الجيش الموحّد» في محافظة السويداء، جنوب سوريا، حماساً لدى فصائل محلية كبرى للانضمام إليه، فيما كشف أحدها أن انضمامه «غير وارد حالياً» في ظل غياب الوضوح حول ما هو هذا «الجيش» الذي يعمل على تشكيله شيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري. كما قال منتقدون إن التشكيل الجديد لن يكون له على الأرجح أي مستقبل كونه سيقتصر على أفراد من الطائفة الدرزية.
وتحدث نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الثلاثاء، عن بدء الهجري مشروعاً لدمج كافة الفصائل المسلحة في السويداء ضمن «الجيش الموحّد»، قبل أن تعلن فصائل عدة انخراطها ضمنه. يأتي ذلك في وقت تشهد السويداء، ذات الأغلبية السكانية الدرزية، تحولات متسارعة في المشهد السياسي والميداني، بعد الأحداث الدامية التي شهدتها المحافظة منتصف يوليو (تموز) الماضي بين فصائل درزية، وعشائر بدوية وقوات الأمن السورية.
مقاتلون من عشائر البدو في السويداء (أ.ف.ب)
وقالت مصادر معارضة للهجري إن «الجيش الموحّد» هو ذاته «الحرس الوطني» الذي كان يتم العمل على تشكيله منذ أشهر. وتابعت أن الهجري يحاول حالياً «جمع الفصائل تحت إدارة واحدة»، معتبرةً أن هذه المحاولة ستكون فاشلة، وأنها تعتمد على ضباط سابقين كانوا يخدمون في جيش نظام بشار الأسد المخلوع.
وكان «الحرس الوطني»، في بداية تشكيله، يعتمد على ما يُعرف بـ«المجلس العسكري» في السويداء الذي كانت مواقف زعيمه العقيد المنشق طارق الشوفي مؤيدة لسياسات الهجري. لكن خلافات نشبت أخيراً بين الطرفين كما يبدو، ثم تطورت إلى خطف مسلحين للشوفي قبل أن تتدخل فصائل لتأمين الإفراج عنه.
وأوضحت المصادر ذاتها أن «الحرس الوطني» والفصائل الموالية للهجري أبعدوا «المجلس العسكري» عن مسألة تشكيل «الجيش الموحّد»، مشيرةً إلى أن مؤيدين للزعيم الدرزي توجهوا إلى قرى في المحافظة لإقناع الفصائل الناشطة فيها بالانضمام إلى «الجيش الموحّد». وتابعت أن الشباب يتم إغراؤهم للتطوع في التشكيل الجديد براتب شهري مقداره 300 دولار أميركي، موضحةً أن عدداً كبيراً من الشباب سجلوا أسماءهم للتطوع لكن كثيرين منهم تراجعوا لاحقاً لأنه لم يُدفع للمتطوعين سوى راتب الشهر الأول منذ تشكيل «الحرس الوطني».
جانب من مشاهد الدمار في السويداء نتيجة الاشتباكات بين البدو والدروز يوم 19 يوليو (د.ب.أ)
وقالت المصادر المعارضة للهجري إن بعض الفصائل التي انضمت إلى «الجيش الموحّد» كانت مرتبطةً بجهاز الأمن العسكري التابع لنظام الأسد، وإن مقاتليها متهمون بارتكاب تعديات وسرقات والتورط في عمليات خطف في السويداء.
وقالت مصادر في مدينة السويداء تربطها علاقات مع فصائل انضمت إلى «الجيش الموحّد» إن عدد مقاتلي هذا التشكيل الجديد بات يقدر بما بين 4 – 5 آلاف مقاتل. لكن مصادر أخرى قالت لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الرقم مبالغ فيه، إذ إن الفصائل التي انضوت في إطاره قليلة ولا يتجاوز عدد أفراد كل واحد منها 20 مقاتلاً.
ويتقاسم الهجري المرجعية الدينية للدروز في سوريا مع شيخي العقل يوسف جربوع وحمود الحناوي، وقد أبدى مواقف معارضة لسياسة الإدارة السورية التي تسلمت مقاليد السلطة في البلاد بعد الإطاحة بنظام حكم بشار الأسد أواخر العام الماضي.
الشيخ حكمت الهجري (صفحة الرئاسة الروحية)
وصعّد الهجري من معاداته للحكم في دمشق بعد أحداث يوليو (تموز) الماضي التي قتل خلالها مئات المدنيين والمسلحين من العشائر والفصائل الدرزية وعناصر قوات الجيش والأمن العام الحكومية التي تدخلت لفض النزاع الذي وقع بين مسلحين من البدو وآخرين من الدروز.
ورفض الهجري بيانات الحكومة حول الأحداث، واتهمها بارتكاب «جرائم إبادة» في السويداء، وفرض حصار عليها، وهو ما تنفيه الحكومة التي تؤكد أن قوافل المساعدات يتم تنظيمها يومياً إلى المحافظة ذات الغالبية الدرزية. كما طالب الهجري بتحقيق دولي مستقل في ما جرى، وبخروج عناصر الجيش والأمن التابعين للحكومة من المحافظة، وفتح ممر إنساني للسويداء، كما شكر إسرائيل على دعم موقفه ضد الحكومة السورية. ومعلومٌ أن إسرائيل شنت العديد من الغارات على مواقع ومنشآت حيوية سورية خلال الأحداث بحجة حماية دروز سوريا.
تصفح أيضًا: مشروع القانون بين مقتضيات التوازن التشريعى ومحاذير المساس بالمراكز القانونية.. برلمانى
وفي أواخر يوليو (تموز) الماضي، أعلنت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية تشكيل ما تسمى «اللجنة القانونية العليا» و«لجان للإدارة المحلية» في السويداء، قبل أن تعلن في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) الحالي تشكيل مجلس تنفيذي جديد للمحافظة وتعيين قائد للأمن الداخلي.
وجاء ذلك في وقت نظّم محتجون مظاهرة في السويداء يوم 16 أغسطس طالبت بـ«تقرير المصير» للمحافظة بما يسمح بانفصالها عن الدولة السورية وإقامة دولة مستقلة. لكن هذه الخطوة لقيت تنديداً من أكثر من طرف.
مواطنون يتظاهرون في مدينة السويداء جنوب سوريا (أ.ف.ب)
بالنسبة إلى «حركة رجال الكرامة»، التي تأسست في عام 2013، ويقودها حالياً الشيخ يحيى الحجار، وتُعد الفصيل المسلح الأكبر عدداً وعتاداً في السويداء، إذ يتراوح عدد مقاتليها بما بين 5 – 8 آلاف مقاتل، فإنها بحسب المتحدث باسمها، باسم أبو فخر، «مع أي خطوة تدعم توحيد الجهود للدفاع عن السويداء، لكن موضوع الانضمام لجسم عسكري موحّد أمرٌ يخضع لماهية هذا الجيش وتوافقه مع مبادئنا وضمانته لكرامة الجميع».
أضاف أبو فخر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نتوافق مع مبدأ الدفاع عن السويداء من أي تعدٍ، لكن موضوع قيادات هذا الجيش وسلوكياتهم وتنظيمه وآلية عمله كلها أمور تحدد موقفنا من الانضمام أو عدمه. وإلى الآن لم ننضم ولسنا مجبرين على الانضمام في حال لم نتلاءم مع تشكيله». لكن المتحدث أوضح أن «عدم الانضمام لا يعني عدم توحيد الجهود والتنسيق للدفاع عن السويداء».
ولم يخف أبو فخر أن هناك تواصلاً مع القيادات العسكرية للحركة بشأن الانضمام لـ«الجيش الموحّد»، لكنه كان صريحاً بالقول إنه «ليس هناك أي وضوح بشأن هذا الجيش، وهذا ما يجعل فكرة الانضمام (إليه) غير واردة حالياً».
مقاتلون من البدو والعشائر في مدينة السويداء يوليو الماضي (د.ب.أ)
ويوجد في السويداء العديد من الفصائل المسلحة، بعضها تشكل في زمن النظام السابق وبعضها بعد الإطاحة به. وإضافة إلى «حركة رجال الكرامة»، و«الحرس الوطني»، و«المجلس العسكري» (الذي يصل عدد مقاتليه وفق تقارير إلى 5 آلاف)، هناك فصيل «مضافة الكرامة» الذي يقوده الشيخ ليث البلعوس وهو معروف بمواقفه المؤيدة لبسط الدولة سيطرتها على السويداء، ويوافقه في ذلك «تجمع أحرار الجبل» الذي يقوده سليمان عبد الباقي. كما أن هناك فصيل «لواء الجبل» الذي يعد الفصيل الثاني من حيث الحجم والعتاد في السويداء، ويبدي مواقف قريبة من مواقف الهجري، إضافة إلى «درع التوحيد»، وفصائل مسلحة صغيرة لا يتعدى عدد مقاتلي الفصيل منها 20 مسلحاً، منها «قوات شيخ الكرامة» و«قوات العَليا» و«تجمع سرايا الجبل» و«جيش الموحدين».
يضاف إلى كل ذلك ما تسمى «قوى مكافحة الإرهاب» التي توحدت مع فصائل صغيرة، وأعلنت رفضها لحكومة دمشق.
عائلة بدوية نزحت من السويداء إلى ريف درعا يوم 15 أغسطس الحالي (أ.ب)
ويوم الثلاثاء أعلن «لواء الجبل»، في بيان نشره على صفحته في موقع «فيسبوك»، انضمامه إلى «الجيش الموحّد»، وذكر أن الأخير يحظى بمباركة الهجري. ولم يرد قائده شكيب عزام على عدة اتصالات أجرتها معه «الشرق الأوسط» لمعرفة تفاصيل انضمام فصيله إلى «الجيش الموحّد».
ورأى الخبير والمحلل العسكري العقيد المنشق، أحمد محمد ديب حمادة، أن ما يجري هو أن «مجموعات خارجة عن القانون تأتمر بأمر الهجري تحاول أن تنظم نفسها ضمن جيش سموه (الجيش الموحّد)، بعد محاولات لتكريس إدارة أو حكم محلي في المنطقة». وذكر حمادة لـ«الشرق الأوسط» أن «إسرائيل لا تغيب عن هذه المحاولات نهائياً، ذلك أن هناك معلومات تحدثت عن أنها ستدعم مجموعات قتالية في تلك المنطقة على هيئة جيش دفاعي مدعوم لوجستياً ويتم تدريبه كذلك من قبل ضباط دروز في فلسطين المحتلة». وأضاف: «هي محاولات إسرائيلية تتماهى مع توجه بعض الجهات في السويداء مع حالة انفصالية غير صحية، رغم أن الموقف الإقليمي والدولي يرفض هذه الأمور ويقول بوحدة الأراضي السورية. سوريا متمسكة بأراضيها بشكل كامل وكذلك بشعبها بمن فيهم الدروز، ولا يمكن أن يتم السماح بالتقسيم»، حسب رأيه.
ووصف حمادة «الجيش الموحّد» بأنه «جيش طائفي» كونه سيضم مجموعات مقاتلة تنتمي إلى طائفة محددة، مضيفاً: «لا أرى أي مستقبل لهذا الجيش لأن الجيش يكون دائماً يتبع لدولة، وهؤلاء ليست لديهم أي مقومات (لدولة)، لكن إسرائيل تريد أن تستخدمهم من أجل مصالحها والضغط على الدولة السورية بهدف تفتيتها وبقائها ضعيفة».