تسقط النساء في باكستان قتيلات يومياً، تقريباً، بحجة تلويث شرف العائلة، ونادراً ما يجري اعتقال أي شخص على خلفية ذلك، لكن كلمات بانو بيبي الأخيرة والشجاعة سُجِّلت في فيديو.
كانت المرأة تخطو خطواتها الأخيرة على أرض صحراوية مفتوحة في جنوب باكستان، ثم توقفت، وأدارت ظهرها إلى مُنفذ الإعدام، بينما كان يرفع سلاحه. وقالت بانو بيبي (35 عاماً)، وشالها يرفرف في الهواء: «يمكنك أن تطلق النار عليّ، لكن ليس أكثر من ذلك».
وبالفعل، أطلق الرجل ثلاث رصاصات على بيبي، أم لخمسة أطفال، فأرداها قتيلة في الحال، بناءً على اتهامه إياها بإقامة علاقة غرامية. وبعد ذلك، التفت إلى الرجل المتهم بأنه عشيقها، إحسان الله سمالاني (50 عاماً)، وأب لأربعة أبناء، وأرداه قتيلاً هو الآخر، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز»، الأربعاء.
وأثارت عملية الإعدام المزدوجة صدمة واسعة في باكستان، وأشعلت احتجاجات وإدانات من شخصيات سياسية على نطاق واسع.
ولم ينجم الغضب من مجرد أنها جريمة قتل جديدة باسم «الشرف» في باكستان، حيث تُقتل أكثر من امرأة واحدة يومياً، في المتوسط، بدعوى تدنيس شرف العائلة، بل لأن السلطات لم تحرك ساكناً، إلا بعد انتشار فيديو إطلاق النار، بعد أكثر من ستة أسابيع على حادثة القتل.
في هذا الصدد، قالت السيناتورة شيري رحمن، التي قدّمت مشروع قرار يطالب بمحاكمة المسؤولين عن قتل بيبي وسمالاني: «كثير من المجتمعات والعائلات يصرّون على مفهومهم الخاطئ عن (الشرف)، باعتباره يكمن في جسد المرأة وتصرفاتها».
وأضافت: «مرتكبو هذه الجرائم يزدادون جرأة جراء ضعف معدلات المحاكمة. وذلك، نجد كثيراً من المتواطئين عبر المجتمع يساهمون في استمرار هذه العادات البشعة».
من جهتهم، لطالما وعد الساسة ومسؤولو إنفاذ القانون، في هذا البلد المسلم، الذي يتجاوز عدد سكانه 240 مليون نسمة، ببذل مزيد من الجهد لحماية النساء. كما وعدوا مراراً باتخاذ إجراءات ضد مرتكبي مثل هذه الجرائم التي تُقترف باسم تقاليد موغلة في القدم تعود لقرون مضت.
إلا أن مقتل بيبي، وكلماتها الأخيرة الشجاعة، وتمكّن القتلة من الإفلات من العقاب لأسابيع طويلة، كلها أعادت التشكيك في قدرة المسؤولين الباكستانيين (أو رغبتهم) على التصدي لأحد أكثر أشكال العنف انتشاراً وصلفاً في البلاد.
في الفيديو، يظهر رجال يشاهدون الواقعة في صمت دون أن يتحركوا أو يتدخلوا، وبعضهم انهمك في تصوير وقائع الإعدام بهواتفهم الجوالة.
أواخر الشهر الماضي، فتحت الشرطة تحقيقاً في الجريمة التي وقعت، مطلع يونيو (حزيران). وخلال أيام، أُلقي القبض على أكثر من 15 شخصاً، بينهم والدة بيبي، التي ظهرت في فيديو قبل اعتقالها تقول فيه إن القتل «كان لا بد منه»، و«ضروري لتطهير شرف العائلة».
من جهتها، علقت شيما كيرماني، راقصة كلاسيكية وناشطة بمجال حقوق المرأة، على الحادث بقولها: «عادة ما يُلقى باللوم على الضحية، ويزعم القاتل أنها (لوَّثَتْ شرف العائلة)… لكن لا شرف في هذه الجرائم، بل هي جرائم قتل مشينة». يُذكر أن كيرماني شاركت في تأسيس «مسيرة أورات»، إحدى أبرز الحركات النسوية في باكستان.
وبحسب «لجنة حقوق الإنسان الباكستانية»، منظمة مستقلة، بلغ عدد ضحايا ما يسمى «جرائم الشرف»، 405 امرأة في العام الماضي وحده.
قد يهمك أيضًا: «طالبان»: أكثر من 3100 أسرة أفغانية عادت من إيران وباكستان في يوم واحد
وغالباً ما تقع هذه الجرائم في المناطق الريفية، حيث تسود معتقدات أبوية راسخة، تستغل لتبرير العنف ضد النساء. وقد وقعت جريمة قتل بيبي وسمالاني في ضواحي مدينة كويته، عاصمة إقليم بلوشستان الجنوبي.
قالت جول جان بيبي والدة بانو بيبي في مقطع فيديو إن مقتل ابنتها «كان ضرورياً لتطهير شرف عائلتنا» (رويترز)
اللافت أن هذا النوع من الجرائم لا يقتصر على طبقة اقتصادية معينة، بل يحدث في كل أنحاء البلاد، بما في ذلك المدن الكبرى، وحتى بين الجاليات الباكستانية في الخارج. على سبيل المثال، في يناير (كانون الثاني) الماضي، استدرج رجل ابنته البالغة 14 عاماً، التي كانت تعيش في نيويورك، وأعادها إلى باكستان، وقتلها بسبب أسلوب حياتها، بما في ذلك طريقة لباسها.
ورغم وجود عدة قوانين تجرّم العنف القائم على النوع الاجتماعي في باكستان، فإن مثل هذه الجرائم غالباً ما تمر دون إبلاغ أو عقاب، في ظل طغيان الأعراف القبلية التي تعود لقرون، على القانون المدني في مناطق واسعة من البلاد.
وفي مثل هذه الحالات، تكون قرارات مجالس القرى المحلية، المعروفة باسم «الجيرغا»، هي الحاكمة، وليس المحاكم. وفي الغالب يكون القاتل أحد أقارب الضحية (والدها، أو شقيقها، أو عمها) الذي يقدم على جريمته بسبب رفض المرأة الزواج القسري، أو طلب الطلاق، أو إقامة علاقة يعتبرها مخالفة لقيم الثقافة السائدة.
وبحسب «منظمة التنمية الاجتماعية المستدامة» (مؤسسة غير ربحية باكستانية)، فإن الإدانات الجنائية في هذه القضايا لم تتجاوز 0.5 في المائة من إجمالي الحالات المبلغ عنها، العام الماضي.
عام 2016، جرى سن قانون يهدف إلى معاقبة الجناة بشكل أكثر فاعلية، عبر منع عائلات الضحايا من العفو عن القتلة، إلى جانب تدابير أخرى. ومع ذلك، استمرت أعمال القتل، بل وازدادت، بحسب فرح ضياء، مديرة «المفوضية الباكستانية لحقوق الإنسان»، التي تعتمد على بيانات الشرطة. وأضافت أن العدد الحقيقي من الضحايا، ربما يكون أعلى بكثير.
وأقرت ضياء بأن «القانون لم ينقذ الضحايا، ولم يخفف من هذه الجرائم. من وقت لآخر، تثير بعض الحوادث ضجة إعلامية، لكنها تستمر بشكل مخزٍ».
وفي الأسابيع الأخيرة، ألقت الشرطة القبض على والد وشقيق فتاة تبلغ 18 عاماً، عُثِر عليها مقتولة، بعد أن هربت من زواج قسري في روالبندي، على بُعد 20 ميلاً من العاصمة إسلام آباد. وفي جنوب باكستان، اعترف رجل يبلغ 80 عاماً بقتل حفيدته البالغة 23 عاماً بمساعدة ابنه وشقيقه، بدعوى «الشرف»، لأنها غادرت المنزل بعد رفضها زواجاً مرتباً.
وفي أوائل يونيو، مثلت بيبي وسمالاني أمام زعيم قبلي محلي في بلوشستان، اعتبر أنهما ارتكبا عملاً مخزياً، وأمر بإعدامهما، بحسب تقرير للشرطة اطّلعت عليه صحيفة «نيويورك تايمز».
ومنذ ذلك الحين، وجهت السلطات اتهامات بالقتل العمد إلى الزعيم القبلي و15 آخرين. كما وُجّهت لهم تهم بالإرهاب، بسبب محاولتهم إثارة الذعر والخوف عبر نشر الفيديو.
أما الرجل الذي يظهر في الفيديو وهو يطلق النار على بيبي وسمالاني، فلا يزال طليقاً حتى الثلاثاء. وكذلك شقيق بيبي، الذي يظهر في الفيديو بين الحضور.
من جهتها، قالت الناشطة كيرماني: «هذا الفيديو يبعث رسالة مرعبة مفادها: (على كل امرأة الامتناع عن اتخاذ قرارات بشأن حياتها، لأن هذا ما سنفعله بها)».