في مباراة تاريخية، لن تمحى من الذاكرة لسنوات طويلة، قدم الهلال السعودي ملحمة كروية من الطراز الأول، وكتب اسمه بحروف من ذهب في تاريخ كرة القدم الأسيوية، بل والعالمية، حين أقصى العملاق الإنجليزي مانشستر سيتي من دور ال16 في كأس العالم للأندية 2025، المقامة حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية.
المباراة لم تكن مجرد انتصار فقط، بل كانت معركة كروية أثبت فيها الهلال أنه أصبح قادرًا على مقارعة كبار العالم، فبعد التعادل أمام ريال مدريد الإسباني، جاء الفوز على مانشستر سيتي اليوم بنتيجة 4-3 في مباراة امتدت إلى الأشواط الإضافية، أمام فريق يقوده واحد من أعظم المدربين في التاريخ، بيب جوارديولا.
أحداث المباراة احتوت على لحظات فارقة في تاريخ البعض، فقد كتب الهلال تاريخًا جديدًا في رحلة جوارديولا مع كأس العالم للأندية، وتألق ياسين بونو بأداء خرافي، وأعاد سيموني إنزاجي كتابة قصته مع بيب، لتتحول الليلة إلى ذكرى تاريخية.
منذ بدايته مع برشلونة، ثم بايرن ميونيخ، وأخيرًا مانشستر سيتي، كان جوارديولا يخوض المباريات في كأس العالم للأندية بدون أن يتمكن أي فريق من إيقافه. 11 مباراة بلا هزيمة، سجل خلالها 38 هدفًا واستقبل 4 فقط، أطاح خلالها بكبار القارات المختلفة، مثل يوفنتوس الإيطالي، والوداد المغربي، وفلومينينسي البرازيلي، والعين الإماراتي والسد القطري، وغيرهم.
لكن أمام الهلال، حدثت المفاجأة والإنجاز الكبير، حقق ممثل السعودية وآسيا إنجازًا تاريخيًا بإلحاق الهزيمة الأولى في تاريخ جوارديولا في كأس العالم للأندية. أن تكون أول فريق يحقق هذا الإنجاز أمام أحد أعظم المدربين في تاريخ كرة القدم إن لم يكن أعظمهم، فهذا إنجاز يستحق الاحتفاء به لوقت طويل.
على المستوى الأسيوي حقق الهلال إنجازًا آخر أمام جوارديولا، فقد أصبح أول فريق أسيوي يسجل أمام فريق يقوده جوارديولا في كأس العالم للأندية، والأهم أنه لم يسجل هدفًا أو اثنين، بل سجل ثلاثة.
لأول مرة في تاريخ مشاركاته بكأس العالم للأندية، وجد لاعبو بيب جوارديولا أنفسهم عاجزين عن حماية مرماهم أمام هجوم فريق أسيوي، فقد جاء الهلال السعودي ليكسر هذه القاعدة برباعية تاريخية، اخترقت مرمى مانشستر سيتي في ليلة لا تنسى، تحت قيادة المدير الفني الإيطالي سيموني إنزاجي.
الهلال أثبت أن الكرة الأسيوية أصبحت تملك من الشجاعة والكفاءة ما يجعلها قادرة على مواجهة الكبار، والتسبب في الضرر لهم، بل والتفوق عليهم.
المدير الفني الإيطالي سيموني إنزاجي، أخيرًا استطاع كسر العقدة أمام بيب جوارديولا، فقد فشل في الفوز عليه في مباراتين سابقتين، لكنه حقق مقولة “الثالثة ثابتة”، وفاز اليوم عليه.
في مفارقة لافتة، حقق إنزاجي الفوز على جوارديولا، ليس مع فريق أوروبي، بل مع نادٍ أسيوي، هو الهلال السعودي، ولأول مرة، يسجل فريق يقوده إنزاجي أكثر من هدف في شباك فريق يقوده جوارديولا، لتتواصل المكاسب التي حققها الزعيم السعودي من هذه المباراة.
بالنظر إلى القيمة السوقية لفريقي الهلال ومانشستر سيتي، يبدو الفارق كبيرًا جدًا:
لكن رغم الفجوة المالية الهائلة بين الفريقين، تمكن الهلال من تحقيق الفوز في النهاية، ولم يكن المال كافيًا لحسم المواجهة لصالح مانشستر سيتي.
الفارق بين الفريقين يتجاوز 1.1 مليار يورو، وهو رقم كفيل وحده أن يصنع دوريًا كاملاً من النجوم، بل ويمنح أفضلية مطلقة لأي فريق على حساب الآخر.
قد يهمك أيضًا: القنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد ضد يوفنتوس في كأس العالم للأندية 2025
لكن كرة القدم، كما أثبت الهلال، لا تعترف بالأرقام، لكن بالجهد المبذول على أرض الملعب، وكثيرًا ما فقد وقف المال عاجزًا أمام الروح، والالتزام، والتكتيك المميز في مباريات سابقة.
لم يتمكن نجوم مانشستر سيتي من ترجيح كفة فريقهم في اللقاء، رغم ارتفاع القيمة السوقية لكل لاعب، فهالاند، ورودري، وفودين، أغلى ثلاثة لاعبين في مانشستر سيتي لم يكونوا كافيين لإيقاف زحف الزعيم السعودي، الذي لم يكن أغلى لاعب فيه يتجاوز سعره 25 مليون يورو.
الهلال قدم درسًا للجميع، يؤكد أن كرة القدم لا تعترف بالأسماء ولا القيمة السوقية أو الأموال، لكنها تعترف بما يدور في المستطيل الأخضر، فالأموال قد تشتري لاعبين، لكنها لا تضمن أبدًا النصر في الملعب، فرغم كل الفوارق المالية، كانت الكلمة العليا للزعيم السعودي.
لم يفوت حارس المرمى المغربي لنادي الهلال الفرصة، وكتب اسمه بحروف لامعة في هذه الليلة التاريخية، أمام أسماء هجومية مرعبة، مثل المهاجم الأفضل في العالم إيرلنج هالاند، ومنظومة مانشستر سيتي الهجومية التي تعد من بين الأفضل في العالم.
وقف ياسين بونو كحائط لا ينكسر في مرمى الهلال، في مواجهة كل الهجمات، من الأطراف ومن العمق، بالرأس والقدم، في الأشواط الرئيسية أو الإضافية، واستطاع تأمين الفوز لفريقه رغم استقباله 3 أهداف، لكنه أوقف أكثر من ثلاثة أضعاف هذا الرقم من الفرص.
الأرقام تقول كل شيء، لكن تفسيرها يكشف ما هو أعمق:
حقق بونو 10 تصديات في 120 دقيقة، منها 7 من داخل منطقة الجزاء، و4 لتسديدات قريبة المدى، وهو رقم يعكس حجم الضغط الذي واجهه.
هذه ليست مجرد أرقام، بل إنقاذات لحظية حاسمة في أوقات ضغط هجومي من مانشستر سيتي، كان أي منها كفيلًا بتحويل مجرى المباراة. بونو لم يكن فقط حاضرًا ذهنيًا، بل كان في قمة استعداده البدني والرد الفوري، وكأنه يستعد لهذه المباراة منذ شهور.
في المقابل تصدى إيديرسون ل3 تسديدات فقط، من أصل 7 نحو مرماه أي أقل من نصف التسديدات نحو مرماه، وهو رقم أقل بكثير من بونو الذي تصدى لأكثر من 70% من التسديدات التي تلقاها.
حتى في المهام الحديثة للحراس، تفوق بونو في الخروج من المرمى (2 مقابل 1)، وفي استعادة الكرة (16 مرة مقابل 8)، مما يؤكد أنه كان في أوج عطائه دفاعيًا في هذا اللقاء، على المستوى امتلاك الكرة وبدون كرة.
فقط في دقة التمرير والكرات الطويلة، تفوق إيديرسون على بونو، وهو كعادته في مانشستر سيتي، حارس مرمى يلعب دور المدافع الإضافي، ويشارك في بناء الهجمات، لكن كل هذا ليس مؤثرًا بشكل كبير بالمقارنة بدوره الأساسي في إبعاد الخطورة عن مرماه.
فوز الهلال على مانشستر سيتي لن يخلو من فصل كامل يُحكى فيه دور بونو البطولي وأداؤه المميز في اللقاء ضد الهجوم الإنجليزي، والأسماء اللامعة التي طالما ما أرهقت دفاعات كبرى الأندية الأوروبية، لكنها وجدت بونو وكأنه يقول: “ليس اليوم”.
في بطولة مليئة بالنجوم والأسماء اللامعة في حراسة المرمى، سرق ياسين بونو الأضواء بأداءات استثنائية في مباريات الهلال، فقد أصبح الحارس المغربي أكثر من قام بالتصديات في كأس العالم للأندية 2025، في رقم يتوج ما قدمه بونو حتى الآن في البطولة رغم عدم بداية ربع النهائي بعد.
بونو لم يكن مجرد حارس تقليدي يقوم بدور عادي في البطولة، بل كان حائط صد أمام محاولات المنافسين، وركيزة أساسية في ملحمة الهلال التاريخية أمام مانشستر سيتي وجميع المباريات الأخرى في البطولة أمام ريال مدريد الإسباني وسالزبورج النمساوي وباتشوكا المكسيكي، محققًا إنجازًا يجعله من بين، إن لم يكن، الأفضل في البطولة حتى الآن.