في قلب شرق أوسط مضطرب، وفي ظل تحديات اقتصادية وإقليمية غير مسبوقة، يقدم الأردن نموذجاً فريداً في الموازنة بين بناء اقتصاده الداخلي وتمكين مجتمعاته، وبين الالتزام بدوره الإنساني والتاريخي في دعم الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتتجلى هذه المعادلة في إصرار الدولة على إقامة مهرجاناتها الوطنية الكبرى التي توفر آلاف فرص العمل، والتي تحولت أيضاً إلى منصات للتضامن الإنساني، بالتوازي مع استمرار جسر المساعدات الذي لم ينقطع يوماً عن غزة.
لم تعد المهرجانات في الأردن مجرد مناسبات احتفالية، بل تحولت إلى مشاريع تنموية متكاملة تهدف بشكل مباشر إلى توفير فرص العمل ودعم المنتجين المحليين، وحمل رسائل تضامن إنسانية.
مهرجان جرش للثقافة والفنون: يُعتبر المهرجان، الذي يمثل عمره نصف عمر الدولة الأردنية، أكبر مشغّل موسمي في الشمال. ففي دورته الأخيرة، وفر المهرجان أكثر من 1600 فرصة عمل مباشرة لأبناء محافظة جرش، وشهد مشاركة 150 شاباً أردنياً كمنظمين أساسيين، بالإضافة إلى تخصيص مساحات لعشرات السيدات المنتجَات.
مهرجان التمور الأردني: أصبح هذا المهرجان، الذي تنظمه وزارة الزراعة سنوياً، منصة وطنية رئيسية لدعم قطاع حيوي، حيث يساهم في فتح أسواق تصديرية جديدة للمزارعين الأردنيين ويوفر مئات فرص العمل المؤقتة.
في تجسيد حي للرؤية الأردنية، أعلنت هيئة تنشيط السياحة أن ريع تذاكر مهرجان الأردن العالمي للطعام 2025، الذي سيُقام في عمّان بين 6 و11 آب المقبل، سيُخصّص بالكامل لدعم أطفال غزة.
تصفح أيضًا: سابقة قضائية أوروبية.. بلجيكا تحقق مع جنديين من جيش الاحتلال بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة
واعتبرت الهيئة في بيان لها أن هذه الخطوة الإنسانية تعبّر عن تضامن الأردن المستمر مع أهلنا في القطاع. ويحمل المهرجان في نسخته الثانية رسالة تنموية ضخمة، حيث يشارك به 165 مشروعاً أردنياً ريادياً، و76 سيدة من المجتمع المحلي، و180 مطعماً أردنياً، ويدعم 38 مجتمعاً محلياً من مختلف أنحاء المملكة، ليؤكد أن دعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص العمل يمكن أن يسير جنباً إلى جنب مع دعم القضايا الإنسانية العادلة.
بالتوازي مع جهود البناء الداخلي، لم يغب الأردن يوماً عن واجبه الإنساني تجاه الأهل في قطاع غزة، مقدماً نموذجاً للتضامن الفعلي الذي تترجمه الأرقام والوقائع على الأرض، فبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبد الله الثاني، وبإشراف من القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، استمرت الجهود الأردنية لتكون شريان الحياة الرئيسي للقطاع المحاصر.
الإنزالات الجوية: كان الأردن في طليعة دول العالم التي كسرت الحصار جواً، حيث نفذت القوات المسلحة الأردنية عشرات الإنزالات الجوية للمساعدات الطبية والغذائية على مستشفيات ومواقع في شمال وجنوب القطاع، في عمليات محفوفة بالمخاطر شارك فيها جلالة الملك وسمو ولي العهد بشكل مباشر.
القوافل البرية: رغم كل المعيقات، لم تتوقف قوافل المساعدات البرية التي تسيرها الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، بالتعاون مع المنظمات الدولية، والتي حملت آلاف الأطنان من المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية.
المستشفيات الميدانية: يواصل المستشفيان الميدانيان الأردنيان في شمال وجنوب غزة عملهما دون انقطاع، حيث قدما العلاج لمئات آلاف الحالات، وأجريا آلاف العمليات الجراحية المعقدة، ليشكلان ركيزة أساسية في ظل انهيار المنظومة الصحية في القطاع.
ويثبت الأردن من خلال هذه الجهود الموثقة أنه دولة قادرة على مواجهة التحديات برؤية واضحة؛ رؤية تؤمن بأن بناء اقتصاد قوي وتمكين الشباب في الداخل هو أساس القدرة على أداء الواجب القومي والإنساني في الخارج، ليبقى الأردن، كما كان على الدوام، سنداً لأمته وموئلاً للأمن والاستقرار.