أتم مانشستر يونايتد الإنجليزي واحدة من أبرز صفقاته في سوق الانتقالات بالتعاقد مع المهاجم السلوفيني بينجامين سيسكو قادمًا من لايبزج الألماني، في صفقة قد تصل قيمتها إلى 85 مليون يورو، وبعقد يمتد حتى 2030.
سيسكو يبلغ من العمر 22 عامًا، ويقارب طوله المترين، يتمتع بسرعة لافتة وتسديدات قوية، وتألق خلال الموسمين الماضيين مع لايبزج في الدوري الألماني ودوري أبطال أوروبا، لكن ما بين أرقام التألق وأرقام التحذير، يبرز النقاش حول مدى تأثيره على هجوم مانشستر يونايتد.
سيسكو انضم إلى لايبزج في يوليو 2023 قادمًا من ريد بول سالزبورج النمساوي، وخلال موسمين سجل 39 هدفًا.
أرقام اللاعب سيسكو التهديفية لافتة للنظر للغاية، فرغم أن فريقه لا ينافس بقوة على البطولات وعمره ما زال صغيراً، مما يعني عدم اكتمال خبراته كمهاجم، إلا أنه يقترب من معدل تهديفي يصل إلى هدف كل مباراتين، وهو رقم مميز جداً.
ما يؤكد تميزه أيضاً هو تسجيله المستمر في جميع البطولات بمعدلات جيدة، فهو يسجل في الدوري الألماني وكأس ألمانيا، وحتى في البطولة الأقوى، دوري أبطال أوروبا. ولم يغب عن التسجيل في المباريات الكبرى، حيث أحرز ثلاثة أهداف أمام العملاق بايرن ميونخ في أربع مباريات فقط.
هذه الأرقام تكشف عن مهاجم قادر على الظهور في اللحظات المهمة، وهي ميزة يحتاجها مانشستر يونايتد بشدة بعد معاناة هجومية في المواسم الماضية.
يتميز سيسكو بتسجيله للأهداف بطرق متنوعة، مما يزيد من خطورته، فهو يسجل بالقدم اليمنى، وباليسرى، وبالرأس، وهو ما يعني أنه ليس مهاجمًا سهل السيطرة عليه، بل يملك مرونة كبيرة في الإنهاء.
تنوع طرق تسجيل سيسكو للأهداف ليس مجرد تفصيلة رقمية، بل هو مؤشر على جودة المهاجم في ظل الكرة الحديثة. فالمهاجم الذي ينجح في تسجيل 13 هدفًا بقدمه اليمنى، و4 أهداف بقدمه اليسرى، و8 أهداف بضربات رأس، هو لاعب يملك ترسانة هجومية متكاملة تجعل من الصعب جدًا على المدافعين التنبؤ بكيفية إنهائه للهجمات.
هذا التنوع يمنحه قدرة استثنائية على التعامل مع مختلف السيناريوهات داخل منطقة الجزاء وخارجها، فإذا أُغلقت أمامه الزاوية المفضلة على القدم اليمنى، يمكنه التحويل فورًا إلى اليسرى وإنهاء الهجمة بكفاءة. وإذا لم يجد المساحة على الأرض، يستخدم طول قامته وقوته البدنية ليقتنص الكرة الهوائية بضربة رأس.
بالنسبة لمانشستر يونايتد، وجود مهاجم بهذه المرونة في الإنهاء يمثل مكسبًا استراتيجيًا. في الدوري الإنجليزي، حيث تتنوع أنماط الدفاع بين الفرق التي تضغط عاليًا وتلك التي تدافع بخط دفاع منخفض، سيكون لسيسكو القدرة على إيجاد الحل المناسب في اللحظة المناسبة، سواء بالتسديد من بعيد أو الضربة الرأسية أو اللمسة القاتلة أمام المرمى.
في موسمه الأول بالدوري الألماني، كان سيسكو في صورة المهاجم التقليدي القريب من المرمى، وقدم ما يحتاجه أي فريق من مهاجم كلاسيكي داخل منطقة الجزاء رغم أنه قضى أغلب ذلك الموسم في عمر 20 عامًا فقط.
هذه الإحصائيات كانت ممتازة وتستحق الإشادة، فهي تثبت أن سيسكو مهاجم صندوق بامتياز، فهو يقوم بكل ما يطلبه المدرب من مهاجم الصندوق، من تسجيل العديد من الأهداف من داخل منطقة الجزاء، واللمس المتكرر للكرة داخل المنطقة، بالإضافة إلى معدل تهديفي عالٍ.
هذا يفسر اهتمام مانشستر يونايتد بالتعاقد معه، حيث يمكن استغلال قدراته بفعالية لتهديد مرمى الخصوم في إنجلترا من داخل منطقة الجزاء، وتكرار تجربة هالاند “المدمر” مع مانشستر سيتي.
عانى مانشستر يونايتد في هذا المركز في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ رحيل روبن فان بيرسي، على الرغم من وجود العديد من المهاجمين مثل زلاتان إبراهيموفيتش، وروني، وفالكاو، ومارسيال، وحتى كريستيانو رونالدو.
تصفح أيضًا: “مدربه أرسله إلى المنزل”.. مستقبل غامض لـ إيزاك مع نيوكاسل
التحول إلى لعب أدوار أوسع خارج منطقة الجزاء أثر على معدلات سيسكو التهديفية رغم خوضه دقائق أكثر. صحيح أن المهاجم العصري مطلوب منه المساهمة في بناء اللعب، لكن الابتعاد عن المنطقة الأخطر قد يقلل من القيمة الأساسية التي جُلب من أجلها أساسًا.
عند النظر إلى قائمة الـ12 لاعبًا الذين سجلوا 12 هدفًا أو أكثر في الدوري الألماني موسم 2024-2025، نجد أن سيسكو هو الأقل في نسبة التسديدات من داخل المنطقة (63.2%)، كما أنه ثاني أقل لاعب في نسبة الأهداف من داخل المنطقة (76.9%)، بعد جناح بايرن ميونخ مايكل أوليسي (66.7%).
هذا يؤكد أن جزءًا كبيرًا من تسديداته جاء من مسافات أبعد، وهي مجازفة قد تقلل من نسب التسجيل إذا لم يكن اللاعب صاحب دقة تسديد عالية بل استثنائية.
رغم طوله الذي يقارب المترين، سجل سيسكو سرعة قصوى في الدوري الألماني الموسم الماضي بلغت 35.7 كم/س، وهو رقم يضعه في نفس المستوى تقريبًا مع جابرييل مارتينيلي جناح أرسنال وفقط خلف إيرلينج هالاند مهاجم مانشستر سيتي، مما يدل على امتلاكه سلاحًا إضافيًا يعزز به قوة مانشستر يونايتد.
قدرة سيسكو على التحرك السريع في المساحات مكنته من تسجيل 5 أهداف من هجمات مرتدة في آخر موسمين في الدوري الألماني، ليأتي ثالثًا بين لاعبي البطولة خلف لويس أوبيندا وعمر مرموش.
هذا الجانب قد يكون حاسمًا في الدوري الإنجليزي الممتاز، خاصة في مباريات مانشستر يونايتد أمام الفرق التي تهاجمه بكثافة وتترك مساحات خلف خطوط الدفاع، كما يعطي هذا السلاح حلًا تكتيكيًا للفريق في حالة رغبته في التراجع للخلف في أحد المباريات والاعتماد على الهجمات المرتدة.
مانشستر يونايتد هو أقل فرق الدوري الإنجليزي الممتاز تسجيلًا من الكرات الثابتة (باستثناء ركلات الجزاء) خلال آخر 3 مواسم، برصيد 26 هدفًا فقط، بفارق 5 أهداف عن بورنموث الأعلى منه مباشرةفي القائمة، بينما يتصدر أرسنال القائمة بـ54 هدفًا. هذه القائمة باستثناء الأندية التي هبطت للدرجة الأدني في المواسم الثلاثة الأخيرة.
قدرة سيسكو على التسجيل بالرأس، والتي أكدها من خلال 8 أهداف بضربات رأسية مع لايبزج، مقترنة بطوله الفارع الذي يقترب من مترين، تجعل منه سلاحًا مثاليًا لكسر واحدة من أكثر الإحصائيات السلبية لمانشستر يونايتد في السنوات الأخيرة، وهي ضعف الفاعلية من الكرات الثابتة.
التعاقد مع مهاجم مثل سيسكو يعني أن أي ركنية أو كرة عرضية من ركلة حرة يمكن أن تتحول إلى فرصة تهديفية حقيقية، خاصة مع تطوير جودة الإرسال من صانع الألعاب برونو فيرنانديز.
هذه الإضافة لا تعني فقط زيادة الأهداف من الكرات الثابتة، بل أيضًا إجبار الخصوم على الدفاع بعدد أكبر داخل المنطقة في كل كرة ثابتة، وهو ما يخلق مساحات أوسع خارج الصندوق يمكن استغلالها لتسديدات أو تمريرات خطيرة، أو حتى تقليل خطورة الهجمات المرتدة.
في موسم 2023-2024، كان سيسكو أكثر لاعب في الدوري الألماني يتفوق على معدله المتوقع للأهداف بدون ركلات الجزاء، حيث وصل الفارق إلى (+6.3)، ما يعني أنه سجل أهدافًا أعلى مما تشير إليه جودة الفرص المتاحة له بأكثر من 6 أهداف. لكن في الموسم التالي، تراجع هذا الفارق إلى +2.7، وهو ما وضعه في المركز العشرين على مستوى الدوري.
الأرقام ترسم صورة لاعب يملك تنوعًا في الإنهاء، وقدرة على التسجيل في المباريات الكبيرة، وسرعة عالية رغم الطول، وخطورة في الكرات الثابتة والمرتدات. لكن في المقابل، هناك مؤشر يدعو للحذر، وهو تراجع معدل تحويل الأهداف المتوقعة إلى أهداف، لذلك يجب أن يعمل على تحسينه أكثر خلال الموسم المقبل.
في المقابل، يمكن التغاضي عن انخفاض التواجد داخل منطقة الجزاء، وانخفاض معدل التسديدات من داخلها، لان الأمر يتعلق بتعليمات المدير الفني وأسلوب لعب الفريق أكثر من القرارات الفردية، وبالتالي هي قرارات مرحلية، وليست أسلوب لعب ثابت.
نجاح سيسكو في البريميرليج سيتوقف على استعادته لأسلوبه في موسم 2023-2024، حيث كان قناصًا قريبًا من المرمى، مع الحفاظ على عناصر قوته في المساحات الواسعة والكرات الهوائية. إذا تمكن من الموازنة بين الدورين، فقد يكون القطعة الهجومية التي تعيد لمانشستر يونايتد بريقه الهجومي المفقود، منذ رحيل فان بيرسي.