في مذكرة داخلية للبنتاغون، خلال مارس (آذار) الماضي، أشار وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، إلى أن منع سيطرة الصين على تايوان أهم للجيش الأميركي من الاستعداد لحرب محتملة مع روسيا. وفي مايو (أيار)، حذّر هيغسيث من أن التهديد العسكري الصيني لتايوان حقيقي و«قد يكون وشيكاً».
ومع ذلك فقد واصل المسؤولون الأميركيون حث تايوان على بذل مزيد من الجهود والاستعدادات، بما فيها رفع نسبة الإنفاق العسكري لتصل إلى 10 في المائة من ناتجها المحلي؛ أي أربعة أضعاف إنفاقها الحالي، وفق إلبريدج كولبي، وكيل وزارة الدفاع للسياسات. وفي ترجمةٍ لسياسات إدارة الرئيس دونالد ترمب التي على الرغم من أن «احتواء» الصين أو مواجهتها، تُعد أولوية استراتيجية، لكنها لا تُحبّذ تقديم «خدمات» مجانية، فقد حذّر كولبي، في جلسة استماع لتأكيد تعيينه في مارس، من أنه ليس من العدل مطالبة الأميركيين «بالمعاناة إذا لم يُقدّم حلفاؤنا ما يكفي من الدعم».
نائبة رئيس تايوان بي-خيم هسياو تتحدث إلى الصحافيين بنادي المراسلين الأجانب في تايبيه عاصمة تايوان 18 يوليو 2025 (أ.ب)
وفي الواقع، تحتاج تايوان أيضاً إلى إقناع الولايات المتحدة بأنها تُحرز تقدماً في استعداداتها لمواجهة الصين. ورغم انشغال ترمب بالحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، لكن كثيرين في إدارته يَعدُّون ردع الصين عن الاستيلاء على الجزيرة أولوية قصوى للجيش الأميركي.
وفي هذا العام، بدا أن تايوان تجاوبت مع تلك الطلبات، حيث شهدت تدريباتها السنوية العسكرية والمدنية الشاملة نطاقاً غير مسبوق من حيث المدة والمدى، شملت الجزيرة كلها. وهو ما عُدّ رسالة متعددة الأوجه أرادت تايوان توجيهها؛ ليس فحسب للصين، بل للرئيس ترمب أيضاً، خلاصتها أنها ستكون قادرة على الصمود إلى أكبر وقت ممكن، قبل أن تترجم الولايات المتحدة سياسة «الغموض الاستراتيجي» بشأن توقيت تدخُّلها للدفاع عن تايوان من الهجوم الصيني.
منظومة صواريخ «باتريوت» في أحد المتنزهات بالعاصمة تايبيه (إ.ب.أ)
فقد أدت حملة الضغط الصينية المتصاعدة ضد الجزيرة إلى تكثيف المخاوف الأميركية بشأن تأخر إصلاحات الدفاع في تايوان، حيث عمل عدد من المدربين الأميركيين، في السنوات الأخيرة، بشكل وثيق ومتزايد مع التايوانيين على رفع وتيرة التدريبات ونوعيتها باستخدام الأسلحة الأميركية. وتصاعدت تلك الجهود منذ أن أحبطت التوتراتُ بشأن تايوان الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن لتحقيق الاستقرار في العلاقات الأميركية الصينية بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، مما زاد المخاوف من أن تكون تايوان هي التالية. وفي ذلك الوقت، حذَّر مدير وكالة المخابرات المركزية «سي آي إيه» ويليام بيرنز، من أن الزعيم الصيني، شي جيبينغ، أصدر تعليمات لجيشه ليكون قادراً على الاستيلاء على تايوان، بحلول عام 2027. ورغم تراجع المخاوف الأميركية من احتمال وقوع هجوم وشيك، فإن المسؤولين الأميركيين واصلوا التحذير من أن تايوان يجب أن تكون مستعدة للأسوأ.
نظام الصواريخ المدفعية عالية الحركة يظهر خلال التدريبات العسكرية السنوية في تايوان (رويترز)
قد يهمك أيضًا: رفض طلب حركة «فلسطين أكشن» لتعليق قرار الحكومة البريطانية حظرها
في تدريبات «هان كوانغ» العسكرية لهذا العام، التي استمرت 10 أيام؛ أيْ ضِعف مدة العام الماضي، جرى إشراك 22 ألف جندي احتياطي، مقابل أكثر من 14 ألف جندي، العام الماضي. كما أجرت تدريبات على صدّ غزو برّمائي باستخدام أسلحة أميركية وصلت حديثاً، بما في ذلك نظام الدفاع الصاروخي «هيمارس» المنقول على الشاحنات، والذي كان حجر الزاوية في دفاعات أوكرانيا. كما شاركت أربع دبابات «أبرامز» الأميركية الصنع، تسلّمتها تايوان، أواخر العام الماضي، بعد أشهر من التأخير، في تدريبٍ على ضرب أهداف على شكل دبابات صينية.
جنود الاحتياط يتلقون تدريبات خلال مناورات هان كوانغ العسكرية السنوية في تايوان (رويترز)
واتسمت تدريبات هذا العام بواقعية أكبر، إذ تجاوزت تمثيل المناورات المبرمجة لتشمل تدريبات على ما قد يحدث قبل وبعد اقتحام القوات الصينية سواحل تايوان. وشجعت على زيادة المشاركة العامة، حيث جُمعت تدابير الدفاع المدني والاستجابة للطوارئ في تدريبات «الصمود الحضري»، التي أُجريت في جميع أنحاء الجزيرة، هذا الأسبوع.
وتهدف مناورات العام الحالي إلى تعزيز المؤسسات وتدريب المدنيين على مقاومة الحملات الصينية التي قد تحاول إجبار تايوان على الاستسلام دون قتال، حيث يمكن للصين أن تقطع وصول الجزيرة إلى الغاز الطبيعي المُسال، أو قطع كابل الاتصالات تحت البحر، أو تشن هجمات إلكترونية.
المدمرة الصينية شاندوغ في المحيط الهادي (رويترز)
وتنقل صحيفة «واشنطن بوست» عن مارك مونتغمري، وهو أميرال متقاعد في البحرية الأميركية قوله إن «هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً، الذي قد يتمكن فيه الزعيم الصيني شي من السيطرة على تايوان دون استخدام سلاح». وأضاف: «إنه أمر يجب على تايوان العمل عليه بجد، حتى لا يفقد التايوانيون ثقتهم بالحكومة».
ويُعدّ التركيز على إعداد الجميع للهجوم الصيني إحدى السياسات المميزة للرئيس التايواني لاي تشينغ تي، وجزءاً أساسياً من جهوده لمعالجة مخاوف واشنطن من أن الإصلاحات الدفاعية البطيئة تجعل الجزيرة عرضة للعدوان الصيني. وقال لاي، في خطابٍ ألقاه، يوم الخميس: «لا خيار سوى الاستعداد». وأضاف: «يجب أن نعزز، بشكل فعال وشامل، مرونة الدفاع في المجتمع بأكمله، حتى يفهم الجميع أن الدفاع الوطني مسؤولية الجميع».
مدمرة أميركية تبحر في مضيق تايوان (أ.ف.ب)
في المقابل، كان رد فعل الصين غاضباً على سياسات الرئيس التايواني، حيث اتهمته بالعمل على ربط سكان الجزيرة بما سمّته «عربة الانفصال». وعَدَّ مكتب شؤون تايوان الصيني تدريبات هذا العام بأنها «مسرحية عسكرية»، رغم أن بعض المحللين الصينيين أقروا بأن تايوان تستعد لـ«معركة أخيرة» مِن شأنها أن تُبقي الصين منخرطة لفترة كافية، بحيث يمكن لـ«القوى الخارجية»، الولايات المتحدة وحلفائها، أن تهبَّ لمساعدتها.