بعد أكثر من ثلاثة عقود، قد يشهد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) في 29 – 30 يوليو (تموز) انقساماً نادراً داخل مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يضع رئيس البنك المركزي، جيروم باول، تحت ضغط متزايد من داخل وخارج المؤسسة.
باول ينظر إلى وثيقة قدمها ترمب حول أرقام تكلفة تجديد مبنى البنك المركزي (أ.ب)
يُعدّ الانقسام داخل المجلس أمراً نادر الحدوث، فمنذ عام 1993 لم يُسجّل اعتراضان من محافظَين في الاجتماع نفسه. هذه المرة، أعرب كل من محافظ الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر ونائبة رئيس مجلس الإشراف ميشيل بومان، وكلاهما معين من الرئيس دونالد ترمب، علناً عن دعمهما لخفض أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل. إذا قررت اللجنة تثبيت سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية عند النطاق المستهدف من 4.25 إلى 4.5 في المائة، كما هو متوقع على نطاق واسع، وصوّت والر وبومان لصالح التخفيض، فستكون هذه هي المرة الأولى منذ عهد آلان غرينسبان في ديسمبر (كانون الأول) 1993 التي يخرق فيها محافظان من المجلس صفوف الأغلبية في الاجتماع نفسه، وفق صحيفة «ذو بارونز» المملوكة من شركة «داو جونز وشركاه».
محافظ الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر يتحدث خلال مؤتمر مركز المقاصة بنيويورك (رويترز)
قد يكون هذا الاعتراض المزدوج تعبيراً عن الإحباط من الجناح «الحمائمي» داخل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. لكنه قد يشير أيضاً إلى بداية تحول في مركز ثقل اللجنة، مما يرفع من مستوى التحدي قبيل اجتماع اللجنة التالي في 16 – 17 سبتمبر (أيلول). ويمكن أن يشير الانشقاق النادر لمحافظين اثنين إلى شعور متزايد بالإلحاح داخل البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة، حتى مع إحجام رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول واللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة عن تخفيف السياسة النقدية في ظل بقاء التضخم فوق هدف البنك المركزي السنوي البالغ 2 في المائة.
يقول فينسنت راينهارت، كبير الاقتصاديين في «بي واي إن إنفستمتنت» والاقتصادي السابق في الاحتياطي الفيدرالي، إنه من النادر أن ينفصل المحافظون عن رئيس الاحتياطي الفيدرالي، لكن ذلك يحدث غالباً مع اقتراب نهاية فترة ولاية الرئيس. وذلك لأن صانعي السياسة «المتمردين» يمكنهم عادةً استخدام معارضتهم ورقة مساومة، وفي هذه الحالة، قد يدفع ذلك باول إلى الإشارة إلى آرائهم في المؤتمر الصحافي الذي يلي الاجتماع، أو تغيير بعض الصياغات في بيان الاحتياطي الفيدرالي، أو الوعد بأن وجهات نظرهم ستؤخذ في الاعتبار بشكل كامل في الاجتماعات المستقبلية.
تُشير التداولات الحالية في عقود الفائدة الفيدرالية إلى فرصة شبه معدومة لخفض أسعار الفائدة في اجتماع يوليو، خاصة بعد ارتفاع التضخم إلى 2.7 في المائة في يونيو (حزيران)، مدفوعاً جزئياً بسياسة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب. وتُرجّح السوق نسبة تزيد عن 60 في المائة لخفض ربع نقطة في سبتمبر، وفقاً لأداة «فيد ووتش» التابعة لمجموعة «سي إم إي».
قد يهمك أيضًا: تعليق العمل بمعيار انبعاثات النفط والغاز بعد انسحاب شركات كبرى
داخل الاحتياطي الفيدرالي، يحث باول على التحلي بالصبر، مؤكداً رغبته في رؤية كيف ستؤثر الرسوم الجمركية، واكتساب ثقة أكبر بأن التضخم يتجه بشكل مستدام نحو 2 في المائة قبل أي خفض.
لكن والر وبومان يجادلان بأن الانتظار ينطوي على مخاطر خاصة به. يرى والر أن أي تضخم ناجم عن الرسوم الجمركية سيمر بسرعة عبر الاقتصاد، مشيراً أيضاً إلى تراجع إنفاق المستهلكين، وعلامات ضعف الطلب على اليد العاملة باعتبار أنهما من الأسباب للخفض الآن. وانضمت إليه بومان مؤخراً، قائلة إنه إذا استمر التضخم في التراجع، فقد حان الوقت للبدء في مناقشة خفض أسعار الفائدة بجدية.
نائبة رئيس مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف ميشيل بومان في فعالية سابقة لها (رويترز)
لا يواجه باول ضغوطاً داخلية فحسب، بل يواجه أيضاً ضغوطاً من خارج الاحتياطي الفيدرالي. فقد طالب الرئيس ترمب مراراً بخفض أسعار الفائدة، بل وفكر جدياً في إقالة باول بسبب ما زعم أنه سوء إدارة لمشروع تجديد مقر الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة البالغ قيمته 2.5 مليار دولار. ومع ذلك، يبدو أن الرئيس تراجع عن الفكرة، مصرّحاً للصحافيين بأن باول، الذي تنتهي فترة ولايته في مايو (أيار) 2026، «سيغادر قريباً على أي حال».
ترمب يتحدث إلى وسائل الإعلام خلال جولته للاطلاع على مشروع تجديد مبنى الاحتياطي الفيدرالي (أ.ف.ب)
تعتبر قرارات المحكمة الأخيرة أن الاحتياطي الفيدرالي يُعامل بشكل مختلف عن الوكالات المستقلة الأخرى، ولكن مدى هذه الحماية لم يتم اختباره بالكامل. حتى مجرد اقتراح إقالة قسرية كان كافياً لزعزعة ثقة المستثمرين، وخاصة أولئك المعنيين بصدقية الاحتياطي الفيدرالي، وتوقعات التضخم.
الواجهة الأمامية لمبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي حيث تستمر أعمال التجديد للمبنى (أ.ف.ب)
في الختام، فإن اجتماع يوليو ليس مجرد اجتماع للسياسة النقدية. إنه استفتاء على قدرة باول على الصمود في وجه المعارضين داخل مجلسه، وفي وجه رئيس حريص على إعادة تشكيل الاحتياطي الفيدرالي على صورته، وفي وجه جوقة من الأصوات الخارجية التي تحثه على التنحي. وإذا لمح باول إلى تخفيف السياسة النقدية، فقد تعتبر الأسواق ذلك علامة على أن الاحتياطي الفيدرالي ينصاع، إما للضغط الداخلي، أو السياسي، أو كليهما. أما إذا التزم بالسيناريو الحالي، فإنه يخاطر بمزيد من المواجهة مع ترمب، ويظهر أنه رئيس معزول بشكل متزايد داخل مؤسسته.