بدأت سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتشديد قوانين الهجرة تنعكس على الإقبال الدولي على مؤسسات التعليم العالي الأميركية، إذ قرّر طلاب صينيون حاصلين على قبول في جامعات أميركية التراجع عن خططهم لمواصلة تعليمهم العالي في الولايات المتّحدة، بسبب الانتظار الطويل لمواعيد مقابلات التأشيرات. بينما ارتفع عدد طلبات التحويل من طلاب أجانب يدرسون في الولايات المتحدة إلى جامعات في هونغ كونغ، كما شهدت طلبات التقديم الدولية لبرامج البكالوريوس قفزة كبيرة في بريطانيا، وفق تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».
ضاعفت إدارة ترمب في الأشهر الماضية الضغوط على الجامعات الأميركية لتقليل اعتمادها على الطلاب الدوليين، عبر فرض طبقات جديدة من التدقيق على الطلاب الأجانب، ضمن حملة شاملة لتقييد الهجرة. كما سعت إلى ترحيل طلاب أجانب لمشاركتهم في أنشطة مؤيدة لفلسطين ومناهضة للحرب في غزة.
وفي أشهر الربيع، ألغت الحكومة فجأة الوضع القانوني لآلاف الطلاب الدوليين، بمن في ذلك بعض الطلاب الذين لم يتعرضوا لأي مشاكل قانونية سوى مخالفات مرور. وبعد التراجع عن هذا القرار، أوقفت الحكومة تحديد مواعيد جديدة لتأشيرات الطلاب، وبدأت بتنفيذ آلية لفحص حسابات المتقدمين على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا تزال الولايات المتحدة الخيار الأول للعديد من الطلاب الدوليين، لكن مؤسسات تعليمية في دول أخرى باتت ترى فرصة في هذا الاضطراب، وبدأ الطلاب في التفكير بوجهات ما كانوا ليأخذوها بعين الاعتبار لولا ذلك. وقد يكون تأثير هذا التغيير كبيراً على الجامعات الأميركية، وعلى اقتصاد البلاد.
بحسب تحليل أجرته «NAFSA»، وهي وكالة تُعنى بتعزيز التعليم الدولي، فإن نسبة الالتحاق الجديدة بالجامعات الأميركية من قبل الطلاب الدوليين قد تنخفض هذا الخريف بما يتراوح بين 30 في المائة و40 في المائة.
وسيؤدي هذا التراجع، إذا تحقّق، إلى حرمان الاقتصاد الأميركي من إنفاق يُقدَّر بـ7 مليارات دولار، وفقاً للتحليل. فالكثير من الطلاب الدوليين يدفعون الرسوم الدراسية كاملة، ومن ثم فإن غيابهم سيؤثر أيضاً على ميزانيات الجامعات.
طلاب يتظاهرون خارج جامعة كولومبيا في أول يوم دراسي منذ أن أعلنت الجامعة عن تغييرات في سياساتها استجابة لمطالب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمدينة نيويورك يوم 24 مارس (رويترز)
وبصفتها ثانية أكثر وجهة شعبية للطلاب الدوليين، تتمتع بريطانيا بموقع جيد للاستفادة من هذا التحول. ورغم أن الحكومة العمالية الجديدة في المملكة المتحدة تعهدت بخفض الهجرة، وفرضت قيوداً زمنية على التأشيرات التي تسمح للخريجين بالبقاء والعمل، فإن مستشاري القبول يؤكدون أن المملكة المتحدة لا تزال تُعدّ الوجهة الأكثر ترحيباً بين «الدول الأربع الكبرى» الناطقة بالإنجليزية في مجال التعليم العالي؛ وهي الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كندا، أستراليا.
وبعد تراجع العام الماضي، ارتفع عدد الطلبات الدولية للدراسة الجامعية في بريطانيا للسنة الدراسية الجديدة بنسبة 2.2 في المائة، بحسب بيانات رسمية. وسُجِّل عدد قياسي من الطلبات من الصين، بزيادة 10 في المائة مقارنة بالعام السابق. كما بلغت طلبات الطلاب من الولايات المتحدة نحو 8.000، بزيادة 14في المائة، وهو أعلى رقم خلال 20 عاماً.
اقرأ ايضا: إدارة ترمب تلمح لاحتمالية تجريد زهران ممداني من الجنسية الأميركية
كما ارتفعت نسبة قبول الطلاب الدوليين في برامج الدراسات العليا في بريطانيا بنحو 10 في المائة مقارنة بالعام الماضي، مدفوعة بالإقبال على برامج الأعمال والإدارة، وفقاً لبيانات من UniQuest، وهي شركة تعمل مع العديد من الجامعات البريطانية في عمليات القبول.
ويقول مايك هينينغر، الرئيس التنفيذي لشركة Illume Student Advisory Services، وهي شركة استشارية تتعاون مع جامعات في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، إن البيانات الكاملة لتأثير هذا التغير لن تكون متاحة قبل الخريف. وأضاف: «لكن العلامة الأميركية تعرضت لضربة كبيرة، والمملكة المتحدة هي المستفيدة».
يرى ويل كوانغ، المدير التنفيذي لشركة AAS Education الاستشارية في هونغ كونغ، إن الطلب على الجامعات في هونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا، من طرف الطلاب الصينيين، ارتفع بشكل كبير. فالعديد من الجامعات الغربية لديها فروع خارجية هناك، وهي أقل تكلفة من الدراسة في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.
وأوضح كوانغ أن «خيار الدراسة في آسيا أصبح توجهاً منذ تخفيف قيود كوفيد-19»، لافتاً إلى أن «التغيير في الإدارة الأميركية فاقم هذا الاتجاه».
طالب يحتج داخل حرم جامعة هارفارد على إجراءات إدارة ترمب يوم 29 أبريل (رويترز)
وقال كوانغ إن بعض العائلات الآسيوية أخبرته أن الولايات المتحدة لم تعد خيارهم الأول، بسبب الاضطرابات السياسية وصعوبات التأشيرات، إذ لا يزال الكثير منهم في انتظار مقابلات التأشيرة الأميركية، وقد يفوتهم بدء الفصل الدراسي في الخريف.
أليسا، وهي طالبة جامعية صينية تدرس علوم البيانات، تخطط للالتحاق ببرنامج تبادل طلابي هذا الخريف في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. وتأمل متابعة دراسة الماجستير في الولايات المتحدة. لكنها تنظر أيضاً في خيارات أخرى، «لكي تتمكن من الاستمرار في الدراسة إذا ما حصل سيناريو سيئ»، على حد تعبيرها، متحدثة بشرط إخفاء اسمها الكامل خوفاً من الاستهداف.
ورحّب جون لي، رئيس السلطة التنفيذية في هونغ كونغ، بأي طلاب يُمنعون من دخول الولايات المتحدة. وقررت المنطقة الصينية العام الماضي السماح للطلاب الدوليين بالعمل بدوام جزئي.
بدورها، أفادت جامعة هونغ كونغ بأنها تلقت أكثر من 500 استفسار من طلاب يدرسون في الولايات المتحدة، وتعكف حالياً على معالجة نحو 200 طلب تحويل. وفي جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، ارتفعت طلبات القبول الجامعي الدولية بنسبة 40 في المائة عن العام الماضي، بحسب أليسون لويد، نائبة عميد الجامعة لشؤون البيانات المؤسسية والبحث.