صاحب هوية إخراجية تميّزه عن غيره من زملائه؛ إذ يطبع جو بو عيد أي عمل له بمشهدية بصرية تدرك تلقائياً بأنه هو من يقف وراء تنفيذها. فهو عندما يعمل على صناعة كليب غنائي أو فيلم سينمائي ومسلسل يأخذه إلى عالمه الخاص. فيدلّل صورته بألوان زاهية، ويحبك القصة بكاميرا شفافة، فيجذب المشاهد من اللحظة الأولى.
يسافر بو عيد مع منتَجه بخيال واسع ينبع من واقع يوثّقه بالأدلّة، فيولد العمل الفني متألقاً وغنياً بتفاصيل صغيرة وفضاءٍ إبداعي لافت.
في عمله الأخير الذي وقّع خلاله أغنية سيرين عبد النور الجديدة «عاملّن عقدة» ترك كعادته بصمته الإخراجية على العمل. حاك أحداثه كمن يطرّز قطعة قماش عزيزة على قلبه، فصقله بمشهدية جذابة يروي خلالها قصة رومانسية مشوّقة.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما أقوم بتنفيذ عمل ما، لا بد أن أجتهد كي يولد متكاملاً. وعندما زودتني سيرين بالأغنية رسمت سيناريو الكليب مباشرة في ذهني. حضرت عندي فكرة المصبغة، عملت على تنفيذها بدقة ودمغتها بقصة تحّض مشاهدها على المتابعة».
تجسّد عبد النور شخصية صاحبة مصبغة (جو بو عيد)
اختار بو عيد الممثل يزن السيد ليشارك عبد النور الكليب، فشكَّلا معاً عملاً درامياً من بطولتهما. ويعلّق بو عيد: «عندي شغف كبير للدراما بشكل عام؛ ولذلك عندما أنفّذ أعمالي أطعمها بالدراما ضمن قصة. هناك من صار يعدّ هذا الأسلوب مرّ عليه الزمن. فالرائج اليوم هو الغريب الذي يترك علامة استفهام عند ناظره. سبق وقمت بأعمال من هذا النوع ولاقت نجاحاً، ولكنني أرى أن الكليب المرتكز على القصة يتمتع نكهة أخرى. فالمشاهد يتفاعل معها بشكل مباشر. وهذا النوع من الكليبات لديه عمر أطول من تلك المصنوعة على قاعدة الـ(ترند)، ذات العمر القصير التي لا تحفر في الذاكرة، برأي أن هذا هو الفن الذي يولّد الاختلاف عن الذكاء الاصطناعي».
يشير بو عيد إلى أنه من الأشخاص الذين يواكبون كل تطور جديد. ولكنه يتمسّك بـ«إشباع عين المشاهد بالعمل الحرفي».
يواكب كل تطور جديد متمسكاً بإشباع عين المشاهد بالعمل الحِرفي (جو بو عيد)
تحضر في كليب أغنية «عاملّن عقدة» وهي من تأليف منير بو عساف وتلحين هشام بولس، المشهدية الشعبية. فنرى سيرين عبد النور صاحبة مصبغة «عبد النور». ومهمتها تنظيف الثياب التي تتلقاها من الزبائن وبطرق وأساليب عدة. فمرة تتبع الأسلوب البدائي وتستخدم فيه الحجر لإزالة الأوساخ، ومرات نشاهدها تلجأ إلى وعاء معدني واسع يعرَف في لبنان بـ«اللكن»، فتغطّس في مياهه الثياب لغسلها بعملية يدوية. كل أساليب الغسل يظهرها جو بو عيد في الكليب. وبينها المرتكزة على آلة الغسيل الكهربائية وأخرى القائمة حرفياً باليد. وكذلك نرى وسيلة قديمة كانت تتبع قديماً من قبل ربات المنازل وهي غلي الثياب على نار الموقدة.
ومن خلال طبيعة عملها تقوم صاحبة المصبغة بمراقبة حبيبها. فتدقق بثيابه كي تتأكد من عدم خيانته لها. فهو مشهور بمغامراته مع الفتيات؛ وهو ما يدفعها إلى التفتيش في ثيابه لاكتشاف ألاعيبه.
قد يهمك أيضًا: الكتابة على الحافة بين أدب الرحلة ورثاء الراحلين
واضطر بو عيد لتنفيذ هذا الكليب إلى ترميم منزل مهجور في بلدة بسكنتا ليحوله مصبغة. وكذلك استقدم أنواع غسالات كهربائية عدة من ماركات قديمة ليعود بالمشاهد إلى بدايات هذا الاختراع. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في الحقيقة كانت الأجواء رائعة في بسكنتا. ولاقينا كل المساعدة والدعم من أهلها. واستغرق تصوير الفيديو الكليب يومين متتاليين، بينما إعادة تكوين الموقع ليتحول مصبغة بإشراف شقيقي جيمي شغلنا لمدة 5 أيام».
اغتنم جو بو عيد فرصة تصويره عملاً غنائياً لسيرين عبد النور. «سيرين هي نجمة تمثيل ومعها يستطيع المخرج بناء عمله على أسس درامية. ولذلك تركت لأفكاري التحليق بقصة على شكل مسلسل. حتى أن البعض عندما شاهدوا إعلانه الترويجي وتطل فيه سيرين مع يزن اعتقدوا للوهلة الأولى بأنه عمل درامي من بطولتهما».
سيرين عبد النور مع يزن السيد شكّلا ثنائياً درامياً لافتاً (جو بو عيد)
ويشير المخرج اللبناني إلى طبيعة تعاونه مع سيرين. «إنها ممثلة من الطراز الأول تتلقى أي ملاحظة برضا من دون أي انزعاج. إنه أول عمل نتعاون به سوياً. وتعرّفت إليها من كثب. ولديها سرعة بديهة لا توصف. فتترجم ما يقال لها بسرعة».
أخذ البعض على كليب «عملّن عقدة» بأنه يشبه عملاً غنائياً سابقاً. وهو كليب أغنية «ما تيجي هنا» لنانسي عجرم. فبماذا يردّ جو بوعيد؟
ويردّ جو بو عيد: «مضحك جداً هذا التشبيه، سيما وأن نانسي لعبت في الأول دور بائعة بطيخ في حين أن سيرين تجسد شخصية صاحبة مصبغة. أما إذا التشابه يأتي من خلفية ألوان الصورة فلأن العملين هما من إخراجي، وأعمالي تنبع من هوية تنبثق عني».
ويستطرد: «أغنية (ما تيجي هنا) صدرت منذ 8 سنوات أو أكثر. وإذا كانت هذه الانتقادات تأتي من باب التشويه، فهي أعطت نتائج عكسية. فأكّدت بأن العمل لا يزال يحفر في ذاكرة الناس على الرغم من مرور سنوات على إنتاجه».
موجة الانتقادات التي واجهها بو عيد تقابلها نسبة كبيرة من التعليقات الإيجابية على العمل. فما قدّمه في «عاملّن عقدة» حقق نجاحاً كبيراً حتى من خلال أسلوب التصوير الذي اعتمده. «لقد آثرت استخدام أحدث الكاميرات، وقصدت أن يحمل التصوير أسلوباً شبيهاً بعدسة سينما الـ35 مليمتراً، وذلك كي أضفي عليه رونقاً تصويرياً يعود بنا إلى الوراء، فيكون بمثابة فيلم سينمائي قصير. وهو ما يلائم قصة الكليب التي تدور في إطار مصبغة غير حديثة. فالمصورون المحترفون اليوم يجتهدون لإنتاج صورة مشابهة تذكرنا بحقبة ماضية. ولذلك لكل سينما هويتها وهو ما ينعكس على عملية الإخراج أيضاً. فالمخرج يعمل على تطوير أفكاره وترجمتها في آلية تخرج عن المألوف».
يعاني أهل الفن في لبنان من قلّة التقدير التي يلاقونها من بعضهم في هذا المجال. فنادراً ما يتقدّم مغني بتهنئة زميل له على عمل جديد. والأمر نفسه يطبّق على ممثلي الدراما. فماذا عن المخرجين؟ يردّ جو بو عيد: «تلقيت كمّاً هائلاً من الاتصالات والتعليقات عبر السوشيال ميديا تهنئني على هذا الكليب. ولكن للأسف، لا يندرج في لائحتها أي اسم لفنان أو زميل. من المؤسف ألا نشجّع بعضنا بعضاً. فالبعض يغض النظر، وآخرون يترفعون عن الأمر وكأنه ينقص من مكانتهم».
وعن أعماله المستقبلية، يعد جو بو عيد بعمل درامي جديد يتم التحضير له. ويختم لـ«الشرق الأوسط»: «المسلسلات لا يمكن صنعها بين ليلة وضحاها. فهناك عناصر عدة تسهم في بلورتها عند المخرج، ومن بينها النص والشركة المنتجة وفريق الممثلين المشاركين فيه. وأنا من الأشخاص الذين يدققون بالنص، لا، بل أتدخل بورشة العمل المتعلقة في كتابته. فللمخرج رؤيته الخاصة التي يجب أن تحضر في النص. وهو ما يتطلب دراسة كاملة من قِبله؛ لأنه ليس مجرد مخرج منفّذ».