الأربعاء, أغسطس 13, 2025
الرئيسيةالاخبار العاجلة«حجب» البيانات المالية يُهدد رواتب موظفي شرق ليبيا

«حجب» البيانات المالية يُهدد رواتب موظفي شرق ليبيا

دخل الجدل المتصاعد بسبب حجب البيانات المالية والمصرفية لرواتب موظفي أجهزة الدولة في شرق ليبيا «نفقاً مسدوداً» فيما يبدو، خاصة في ظل تمسك حكومة أسامة حماد، المكلفة من البرلمان، برفض مد سلطات غرب ليبيا بها لتفعيل ما يُعرف بـ«منظومة رصد الرواتب».

أثار السجال بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة حول رواتب موظفي الدولة، تساؤلات حول استخدامها كورقة ضغط ضمن ملف مثقل بالخصومة، في بلد يكابد انقساماً سياسياً مزمناً منذ عقد.

وينظر مراقبون إلى هذه التجاذبات المتعلقة بالإفصاح عن الرواتب، على أنها «توظيف للمال العام كإحدى أوراق الضغط في الصراع السياسي، وذخيرة في معركة شد الحبل بين الحكومتين»، وهي رؤية يتبناها الإعلامي الليبي المهتم بقضايا الفساد خليل الحاسي، الذي شنّ هجوماً حاداً على حكومة حماد، معتبراً أنها تستخدم «مرتبات المواطنين كأداة ابتزاز»، وأن أمن المعلومات المالية «آخر ما يشغلها»، وخلص إلى الاعتقاد بأن «المال العام أصبح رهينة في يد قلة، لا تجيد سوى فن إدارة الصراع على الموارد»، داعياً إلى «ضرورة نشر هذه البيانات، بوصفها أداة لتكريس قواعد الشفافية».

رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

ودخلت ليبيا في الآونة الأخيرة مواجهة بين حكومتيها على خلفية قرار المصرف المركزي الشروع في «التحول الرقمي في إدارة المرتبات عبر منظومة (راتبك لحظي)». وبرر رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، تفعيلها بأنها «ضرورة وطنية لحماية المال العام، وإنصاف العاملين الحقيقيين في مؤسسات الدولة».

في المقابل، دافعت حكومة شرق ليبيا، التي حظرت إمداد حكومة «الوحدة» ببيانات مالية ومصرفية لموظفي الدولة، عن قرارها بالقول إنها «تستهدف حماية حقوق العاملين في الدولة، وصون البيانات المالية ذات الطبيعة الحساسة من أي توظيف سياسي».

وسجل المشهد السياسي المحتقن تطوراً لافتاً، حين قررت وزارة العمل بحكومة «الوحدة» التشديد على مكافحة الازدواج الوظيفي، وربط الرواتب بالرقم الوطني، في خطوة عززت اعتقاد متابعين بأن حكومة الدبيبة «ستعمل على خنق المخصصات المالية، التي كانت تصل إلى شرق ليبيا».

ويلحظ سياسيون أن «الانقسام الناعم في ليبيا بدأ يتحول تدريجياً إلى انقسام كامل»، وهي الرؤية التي يتبناها أيضاً الأكاديمي الليبي، رئيس «الحزب المدني الديمقراطي»، الدكتور محمد سعد مبارك، الذي يرى أن «الاستمرار في النهج الانقسامي الحالي يعطي كل طرف الحق في استخدام أقصى ما لديه من قدرات وأوراق متاحة».

ويرى مبارك، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المناكفة بين الحكومتين «قابلة للاستمرار ما لم يحدث انفراج سياسي، وما لم يتحول نظام إدارة الدولة إلى الحكم المحلي الشامل، وتقتصر الحكومة المركزية على الحقائب السيادية والتخطيط الاستراتيجي»، محذراً بالقول: «لن تكون هناك قدرة على تنفيذ موازنة موحدة إذا ما تمكنوا من إصدارها، بسبب وجود سلطتين تنفيذيتين مختلفتين».

تستحوذ المرتبات على 57 في المائة من فاتورة الإنفاق العام في ليبيا، وفق أحدث بيانات رسمية؛ إذ بلغت 36.5 مليار دينار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، علماً بأن البيانات الصادرة عن المصرف المركزي لا توضح تفاصيل المخصصات المالية للرواتب في شرق ليبيا وغربها. (الدولار يساوي 5.42 دينار في السوق الرسمية).

نوصي بقراءة: مسيّرات تستهدف النفط في كردستان

ناجي عيسى (متداولة على صفحات التواصل الاجتماعي)

ولا يستبعد الخبير الاقتصادي الليبي، محمد الشحاتي، أن يكون إجراء حكومة حماد من باب «معارضة سيطرة (الوحدة) في طرابلس على بند الرواتب»، إلا أنه أبدى اندهاشه من طلب المصرف الإفصاح عن بيانات الموظفين، والذي عدّه «اقتحاماً غير مقبول لخصوصية الموظفين».

ومن زاوية أخرى لهذا الجدل، ومن منظور الخبير الاقتصادي الليبي، فإنه «لا يمكن إعطاء الحق للمصرف المركزي، وهو جهة حكومية، في الاطلاع على خصوصيات المواطن، التي يجب أن تكون محمية بالقانون والأخلاق، باستثناء إذا ما اخترق أحد القانون».

ويستند الشحاتي في رأيه إلى «وجود عقد عمل بين الموظف وجهة العمل التابعة لوزارة المالية، وحساب في مصرف تجاري محمي بقواعد سرية العملاء»، داعياً إلى «البحث عن آلية تليق بالموظف الليبي وتحفظ أسراره».

وكما هو الحال في العديد من الملفات السياسية المالية في ليبيا، فإنه من غير المستبعد أن يكون هناك تدخل دولي لتقريب وجهات النظر بين هذه الأطراف المتصارعة.

وفي هذا السياق، يقول الحاسي لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون هناك ضغط من البعثة الأممية، وأيضاً من الجانب الأميركي لاعتماد حوار مباشر مع مصرف ليبيا المركزي وضمان استقلاليته».

ومع ذلك، فإن هذا التدخل الدولي «لا يبدو أمراً يسيراً»، وفق مبارك، الذي يقول إن المجتمع الدولي «لن يتفق على موقف موحد بسبب الاختلاف في المصالح، ما لم تكن هناك إرادة دولية من جهة ذات قدرة ونفوذ، أو إرادة وطنية طاغية».

أما الجدل بشأن الإفصاح عن بيانات الرواتب فهو حلقة من صراع آخر، بشأن ميزانية موحدة عسيرة المخاض في ليبيا على وقع الانقسام السياسي.

من جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المجلس)

وسبق أن وجه البرلمان مجدداً دعوة لأعضائه إلى جلسة رسمية جديدة في 24 من الشهر الحالي في مدينة بنغازي، بقصد مناقشة مشروع «الميزانية العامة»، البالغ قيمتها 160 مليار دينار. غير أن محافظ المصرف المركزي، ناجي عيسى، طلب تأجيل اعتمادها حتى يتم التنسيق الكامل بين مؤسسات الدولة المعنية، بما يضمن تحقيق ميزانية واقعية ومستدامة، تعكس الوضع الاقتصادي الفعلي للبلاد.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات