يحوي المتحف الوطني السعودي بالرياض مجموعة من الحلي النسائية المشغولة بالذهب، مصدرها موقع عين جاوان الأثري في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. خرج هذا الكنز من ضريح كبير في منتصف القرن الماضي، وهو من نتاج القرن الثاني كما يبدو، ويتكون من قطع متنوّعة الأشكال، تتّسم برهافة كبيرة في الصناعة والصياغة.
تقع عين جاوان في الركن الشمالي الغربي من خليج تاروت، شمال مدينة القطيف، على مساحة 3 كيلومترات من الساحل، في الجهة الشمالية من شبه جزيرة رأس تنورة التي تحتضن في أراضيها إحدى أكبر مصافي النفط في العالم. كانت عين هذا الموقع تسقي في الماضي نخيلاً وزروعاً، غير أن ماءها قلّ تدريجياً، إلى أن زال زرعها، وباتت أرضها بقعة منسية تجاور شريط الأرض الذي أقيمت عليه مصفاة رأس تنورة، على مسافة ما يُقارب كيلومتراً واحداً غرب الطريق العام، وتتكوّن من طبقات من الحجر الجيري، تحيط بها السبخات من كل ناحية.
عُرفت هذه البقعة الحجرية باسم محجر جاوان، وظهرت معالمها الأثرية الأولى من طريق المصادفة خلال عام 1945، حين عثر عمال تابعون للشركة العربية السعودية الأميركية «أرامكو» على حجر جنائزي يحمل كتابة منقوشة بما يُعرف بخط المسند الجنوبي الأحسائي، وقد تكسرت بعض أجزائه. توالت الاكتشافات، وظهر حجر آخر، حافظ على نقشه، واتّضح من قراءته أنه «شاهد وقبر» يعود إلى امرأة تُدعى «غثم بنت/ عمرت بن تحيو من/ العشيرة عور/ من القبيلة شوذب». تبيّن أن محجر جاوان يضمّ مقبرة أثرية، وجذب هذا الاكتشاف المهندس الكيميائي ريشار لوبارون بوين الذي عمد إلى دراسة الموقع، ونشر في عام 1950 دراسة خاصة به، تضمّنت بحثاً أنجزه الباحث فردريك ماتسون، وبحثاً آخر أنجزته الباحثة فلورانس داي، تناولا قطع الخزف التي عُثر عليها في هذا الموقع.
إثر هذا الإصدار، كلّفت شركة «أرامكو» عالم الآثار فريدريك شميد فيدال الكشف العملي عن الموقع في شتاء 1952، فانطلقت أعمال المسح والتنقيب، ودامت زهاء 22 شهراً، وكشفت عن ضريح كبير مشيّد بالحجر الكلسي المحلي. تواصل هذا البحث بعد ربع قرن تقريباً. في عام 1977 تحديداً، قام فريق أثري من الإدارة العامة للآثار والمتاحف السعودية وبمشاركة فريق من جامعة هارفارد الأميركية بتنفيذ المرحلة الثانية للمسح الأثري الشامل للمنطقة الشرقية، وشمل هذا المسح موقع عين جاوان.
نوصي بقراءة: نيوم إلى إسبانيا للتحضير للدوري السعودي
يتكوّن الضريح الكبير من ممر طويل يؤدي إلى قاعة مستطيلة، تحيط بها خمس غرف، بستة قبور. إلى جانبها، ظهرت أربعة قبور أخرى في المحيط الخارجي لهذا الضريح، استند بناؤها على جدار الجزء الرئيسي منه. تبيّن أن هذا الضريح خُصّص في الأصل لأسرة مكوّنة من ستة أشخاص، منهم فتاة صغيرة، وثلاثة ذكور دُفنوا داخل توابيت من الخشب ثبتت بمسامير حديدية. تعرّض هذا الضريح للنهب في مرحلة لاحقة، واستخدم مستودعاً لدفن عظام الموتى، ظهرت منها عظام مبعثرة تعود إلى ما يقارب تسعين هيكلاً عظمياً.
حافظ هذا البناء الجنائزي على مجموعة صغيرة من محتوياته نجت من أعمال النهب، وتتمثّل بعدد من اللقى المتنوّعة توحي بأنه يعود إلى القرن الميلادي الأوّل أو الثاني، وتخصّ أسرة من الطبقة العليا، كانت لها صلات تجارية خارجية واسعة كما يبدو. أجمل هذه اللقى وأثمنها فنيّاً ومادياً، مجموعة من الحلي النسائية المشغولة بالذهب، منها عقد على شكل طوق مجدول، وعقد يحوي قطعاً متنوعة من الخرز، وحلية للرأس، إضافة إلى قلادة دائرية مرصّعة، ومجموعة متفرّقة من أقراط الأذن.
يبلغ طول قطر الطوق المجدول نحو 12 سنتيمتراً، وهو مجرّد ويحوي قلادة على شكل خاتم، وسلسلتين مجدولتين. في المقابل، يبلغ طول قطر العقد نحو 15 سنتيمترا، ويتكوّن من سلسلة متنوعة من الخرز، منها 32 خرزة ذهبية، و36 خرزة من الأحجار الكريمة المكونة من العقيق اليماني المتعدّد الألوان، إضافة إلى 5 حبات من اللؤلؤ. تأخذ حلية الرأس شكل إكليل يحدّ كل طرف من طرفيه قرط مرصّع بالياقوت، تتدلّى منه حلية على شكل إبريق طويل يجمع في تكوينه بين الذهب واللؤلؤ. يبلغ طول قطر القلادة 2.2 سنتيمتر، وتتكوّن من دائرة مرصّعة بياقوتة سوداء من الحجم الكبير، يحيط بها إطار مرصّع بأربع ياقوتات بيضاوية من اللون الأحمر النبيذي، وياقوتتين مماثلتين من اللون الأبيض. تشكّل أقراط الأذن مجموعة تتباين أشكالها، يتراوح طول قطرها بين 1.5 و 4 سنتيمترات، وأجملها قطعة على شكل جرس، تحده 8 كتل دائرية تتوزع بشكل متجانس على طرفيها.
تتميّز حلي عين جاوان برهافة الصياغة، وهي من القطع الفخمة التي قلّ مثيلها في المواقع الأثرية الخاصة بالمملكة العربية السعودية. تماثل هذه المجموعة من الحلي النسائية الجنائزية مجموعة أخرى، خرجت من موقع ثاج الذي يتبع اليوم محافظة الأحساء في المنطقة الشرقية. تعود هذه المجموعة كذلك إلى القرن الميلادي الأول، وتضمّ قطعاً متنوّعة، أبرزها عقد ذهبي مطعّم بفصوص من الفيروز والياقوت، وعقد على شكل طوق مجدول، تتدلّى من وسطه قلادة مرصّعة بفصوص من اللؤلؤ والياقوت والفيروز، تشابه في تكوينها قلادة عين جاوان.