مع تقدم الإنسان في العمر تتراكم في خلاياه تغيرات طفيفة في الحمض النووي (دي إن إيه DNA) قد تؤثر على وظائفه وتُسرّع الشيخوخة. ورغم أن هذه الطفرات غالباً ما تكون غير ضارة فإنها قد تؤدي أحياناً إلى بعض الأمراض. لكن دراسة حديثة كشفت عن أن خلايا البويضات البشرية تتمتع بحماية خاصة ضد تراكم بعض الطفرات الجينية التي تظهر عادةً في أنسجة أخرى.
ركز البحث الذي قادته كاترينا ماكوفا، من جامعة ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة، ونُشر في مجلة «Science Advances» في 6 أغسطس (آب) 2025، على الحمض النووي للميتوكوندريا (mtDNA) الموجود في «محطات توليد الطاقة» بالخلية، الذي يُورث من الأم فقط. وتوصّل إلى أن بويضات النساء قد تملك آلية طبيعية تمنع تراكم تلف الميتوكوندريا المرتبط بالعمر بخلاف أنسجة الدم أو اللعاب.
كما تقوم الميتوكوندريا بتحويل العناصر الغذائية إلى طاقة ولها حمض نووي خاص بها. وقد تسبب بعض طفرات هذا الحمض أمراضاً خطيرة مثل «متلازمة لي» Leigh syndrome (اضطراب عصبي أيضي وراثي) التي تؤثر على الجهاز العصبي والعضلات والقلب ويمكن أن تنتقل من الأم إلى الجنين. وكان من غير المعروف إذا ما كانت هذه الطفرات تتراكم في بويضات النساء مع تقدم العمر كما يحدث في الأنسجة الأخرى.
وحلّل الباحثون الحمض النووي للميتوكوندريا لثمانين بويضة من 22 امرأة تتراوح أعمارهن بين 20 و42 عاماً، إضافةً إلى عينات دم ولعاب من كل منهن. وأظهرت نتائج الدم واللعاب زيادة في الطفرات مع العمر لكن البويضات لم تُظهر هذا النمط، إذ كانت بويضات امرأة في الأربعينات مشابهة في عدد الطفرات لبويضات شابة في العشرينات.
وعند ظهور الطفرات في البويضات، فإنها كانت غالباً توجد في مناطق غير مشفرة من الجينوم، مما يقلل تأثيرها على وظيفة الميتوكوندريا. أما مناطق ترميز البروتين المسؤولة عن إنتاج الطاقة فبقيت سليمة مما يشير إلى وجود آليات انتقاء أو إصلاح تحافظ على فاعليتها.
يتحدى هذا الاكتشاف افتراضاً سائداً منذ فترة طويلة. فمن المعروف أن الأمهات الأكبر سناً أكثر عُرضة لإنجاب أطفال يعانون من تشوهات كروموسومية مثل متلازمة داون. وكان يُفترض على نطاق واسع أن الحمض النووي للميتوكوندريا سيتبع تردياً وانخفاضاً مشابهاً مرتبطاً بالعمر.
اقرأ ايضا: نصائح تساعدك على التنفس بشكل أسهل أثناء الجري
لكن هذه الدراسة تشير إلى خلاف ذلك، مما يوفّر بعض الطمأنينة للنساء اللواتي يؤجلن الحمل إلى الثلاثينات أو أوائل الأربعينات. فإذا ظل الحمض النووي للميتوكوندريا في البويضات سليماً نسبياً فقد لا يرتفع خطر نقل الاضطرابات المرتبطة به بشكل حاد مع تقدم عمر الأم كما كان يُعتقد سابقاً.
ومع ذلك يُحذّر الباحثون من محدودية حجم عينة الدراسة وعدم تغطيتها فترة الإنجاب بأكملها. وهناك حاجة إلى دراسات أوسع وأكثر تنوعاً لتأكيد النتائج وكشف آليات الحماية الدقيقة المؤثرة.
وطرح العلماء عدة نظريات. وكان أحد الاحتمالات أن البويضات التي تتشكل قبل ولادة المرأة وتبقى في حالة سكون حتى الإباضة لها نشاط استقلابي أقل من أنواع الخلايا الأخرى. ونظراً لأن معظم طفرات الحمض النووي للميتوكوندريا يُعتقد أنها تنشأ من منتجات ثانوية لإنتاج الطاقة فإن معدل استقلاب أقل يمكن أن يترجَم إلى تلف أقل بمرور الوقت.
وهناك فرضية أخرى مفادها أن البويضات لديها أنظمة إصلاح (دي إن إيه) DNA عالية الكفاءة أو نقاط تفتيش لمراقبة الجودة تكتشف وتزيل الميتوكوندريا ذات الـ«دي إن إيه» التالف قبل أن تسبب أي ضرر. ومن الممكن أيضاً أن يتم اختيار الميتوكوندريا الأكثر صحة فقط لنقلها إلى الجيل التالي وهي عملية تُعرف باسم «اختناق الميتوكوندريا».
قد يفتح فهم كيفية حماية الحمض النووي للميتوكوندريا في البويضات المجال لتطبيق استراتيجيات مشابهة لحماية أنسجة أخرى من تلف الشيخوخة. يأتي هذا الاكتشاف في وقت تتأخر فيه سن الإنجاب في كثير من البلدان الصناعية مما يثير مخاوف من المخاطر الجينية. فرغم أن المخاطر الكروموسومية لا تزال قائمة فإن النتائج تشير إلى أن الميتوكوندريا في البويضات أكثر مقاومة مما كان يُعتقد.
يدعو الباحثون لإجراء دراسات أوسع لتأكيد النتائج واستكشاف ما إذا كانت الحماية الملاحَظة ظاهرة عامة أو ما إذا كانت العوامل البيئية أو الوراثية أو أسلوب الحياة تؤثر فيها.
في الوقت الحالي تقدم هذه النتائج رسالة إيجابية بحذر، فحتى مع تراكم التلف الجيني في أنسجة الجسم الأخرى قد تحتفظ خلايا البويضات بقدرة مدهشة على الصمود في جانب مهم من وظائفها، مما قد ينعكس على الصحة الإنجابية واستراتيجيات مكافحة الشيخوخة مستقبلاً.