دعت دراسة يمنية حديثة إلى إعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية بين اليمن ودول الخليج على أسس قائمة على المصالح المشتركة، بدلاً من الاعتماد على المساعدات. وأكدت الدراسة أن ذلك يستدعي تبني الحكومة اليمنية توجهاً جديداً، ورسم خريطة تحوُّل استراتيجي لرؤيتها الاقتصادية.
الاجتماع الوزاري المشترك بين مجلس التعاون واليمن الذي عقد اليوم في الدوحة يونيو 2024 (قنا)
ووفقاً للدراسة التي صدرت عن منظمة «سائس للتنمية الدبلوماسية وحقوق الإنسان» ومقرها المكلا، فإن على الحكومة اليمنية أن تدرك أن «أبواب الخليج لا تزال مفتوحة ولكن بمفاتيح جديدة، تتمثل في الشراكة والإنتاج والإصلاح».
الدراسة التي أعدها الدكتور عبد العزيز جابر تتعلق بصعود قيادات تكنوقراط جديدة لقيادة الحكومة اليمنية، وفي مقدمتهم الخبير المالي والاقتصادي رئيس مجلس الوزراء سالم بن بريك، الذي يدرك متطلبات المرحلة، وهذا الأمر يتيح فرصة لاعتماد نموذج اقتصادي جديد يقوم على الاستثمار والإصلاح، لا على الإعانة والإغاثة.
وقال الباحث في الإعلام السياسي الدكتور عبد العزيز جابر، مُعِدّ الدراسة، إن الهدف منها هو «تحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها اليمن والتي لا يتم استغلالها بالشكل المطلوب». وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المساعدات المفتوحة لم تؤت ثمارها، المنح والودائع المالية لم تنعكسا على حياة الناس، وبالتالي نحتاج إلى إعادة نظر في الأمر».
الباحث في الإعلام السياسي الدكتور عبد العزيز جابر (الشرق الأوسط)
ولفت جابر إلى أن «النتائج الاقتصادية المشجعة التي أظهرتها الحكومة بقيادة رئيس الوزراء الجديد سالم بن بريك شجعتنا على إعداد الدراسة للاستفادة من شراكة حقيقية بين اليمن ودول الخليج». وتابع: «التجربة السعودية في المجال الاقتصادي ملهمة، وتحديداً (رؤية 2030)، كما أن الصناديق الاستثمارية السيادية في الخليج لديها خبرات وإمكانات هائلة، لماذا لا نستفيد منها؟».
بحسب الدراسة، فإن اليمن يكتسب أهمية استراتيجية زائدة في إطار التنافس الدولي على الممرات البحرية وخطوط التجارة العالمية، حيث إن موقعه على مدخل البحر الأحمر وباب المندب، والمحيط الهندي وبحر العرب يجعله جزءاً أساسياً من مبادرة «الحزام والطريق» الصينية.
كما يمتلك اليمن قوة بشرية كبيرة ونسبة شباب مرتفعة، لذا يمكن أن يكون ذلك رافعة إنتاجية إذا تم تأهيلها وإدماجها في مشاريع استثمارية خليجية، وفقاً للدراسة.
وأضافت الدراسة: «هناك كثير من الفرص الاقتصادية غير المستغلة في قطاعات واعدة مثل: الزراعة، والثروة السمكية، والطاقة الشمسية، والخدمات اللوجيستية، والتعدين، والسياحة، إلى جانب تشابه وهوية مشتركة، حيث الروابط الاجتماعية والثقافية والدينية بين الشعب اليمني وشعوب الخليج».
قد يهمك أيضًا: منظمة الصحة العالمية: سوء التغذية بلغ «مستويات تنذر بالخطر» في غزة
حددت الدراسة عدة نقاط يتوجب على اليمن القيام بها لبناء شراكة اقتصادية حقيقية مع جيرانه دول الخليج، يأتي في مقدمتها إرادة إصلاح حقيقية، من خلال مبادرة الحكومة اليمنية الشرعية بوضع رؤية اقتصادية واضحة تستند إلى الشفافية وسيادة القانون وتكافؤ الفرص.
بالإضافة إلى تهيئة بيئة الاستثمار من خلال قوانين عادلة ومحفزة، وحماية الملكية، وتسهيل الإجراءات أمام المستثمر الخليجي، وإعادة بناء الثقة، عبر مبادرات واقعية تثبت أن اليمن جاهز للشراكة وليس مجرد متلق للدعم، إلى جانب إطلاق مشاريع استراتيجية مشتركة، مثل المناطق الاقتصادية الحرة، والمواني، والطاقة، والربط البري والبحري.
يمتلك اليمن إمكانات كبيرة يمكن لدول الخليج الاستفادة منها اقتصادياً واستثمارياً بحسب الدراسة (الشرق الأوسط)
وفقاً للدراسة، يمكن للسعودية ودول الخليج العربية أن تتبنى نموذج «الاستثمار مقابل الاستقرار»، وذلك عبر توجيه الموارد لبناء مشاريع إنتاجية توفر وظائف وتعزز الاستقرار، منها استثمارات استراتيجية في مشاريع بنى تحتية، وموانٍ، ومناطق لوجيستية، ومدن صناعية، وإشراك القطاع الخاص الخليجي بقوة، ومنحه تسهيلات خاصة للاستثمار في اليمن.
ومن ضمن الخطوات، فتح برامج تدريب وتأهيل لليمنيين، خصوصاً في القطاعات التي تعاني منها الأسواق الخليجية نقصاً في الكوادر، وربط اليمن بمبادرات إقليمية كبرى مثل «رؤية السعودية 2030»، ومشاريع الربط الكهربائي والنقل والممر الاقتصادي الهندي الخليجي الأوروبي.
طالبت الدراسة الحكومة اليمنية بأهمية التحول من عقلية الانتظار إلى المبادرة عبر تقديم رؤية اقتصادية وطنية شفافة تركز على الإصلاح والاستثمار والتكامل الإقليمي، وتهيئة بيئة الاستثمار، من خلال قوانين نزيهة ومحاكم مستقلة، وإجراءات واضحة تشجع المستثمر الخليجي على الدخول الآمن إلى السوق اليمنية.
وشدّدت على أن «إعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية بين اليمن ودول الخليج لم تعد خياراً سياسياً، بل ضرورة إقليمية، فالخليج اليوم لا يبحث عن مستهلك جديد للدعم، بل عن شريك حقيقي في الاستقرار والنمو».
غلاف الدراسة التي أصدرتها منظمة «سائس للتنمية الدبلوماسية وحقوق الإنسان» (الشرق الأوسط)
ووفقاً للدراسة، فإن «دول الخليج باتت تتبنى أدوات قائمة على المصالح المشتركة، لا على المساعدات الريعية، وعلى الحكومة اليمنية أن تدرك أن أبواب الخليج لا تزال مفتوحة ولكن بمفاتيح جديدة، وهي مفاتيح الشراكة والإنتاج والإصلاح».
ترى الدراسة التي أعدها الدكتور عبد العزيز جابر أن المرحلة الحالية، مع صعود قيادات تكنوقراط جديدة لقيادة الحكومة اليمنية بقيادة الخبير المالي والاقتصادي رئيس مجلس الوزراء سالم بن بريك الذي يتفهم متطلبات المرحلة، باتت فرصة متاحة لاعتماد نموذج اقتصادي جديد يقوم على الاستثمار والإصلاح، لا الإعانة والإغاثة.
وأشارت إلى أنه مع التوجه الجديد للحكومة يتطلب رسم خريطة تحول استراتيجي في رؤيتها الاقتصادية، تقوم على الانتقال من الاعتماد على المساعدات الطارئة إلى تأسيس شراكات استثمارية طويلة الأمد، تعزز مناعة الاقتصاد الوطني، وتفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة.