الأحد, أغسطس 24, 2025
الرئيسيةالثقافة والتاريخ«دم أول»... فيلم سياسي صوَّر حرب الداخل

«دم أول»… فيلم سياسي صوَّر حرب الداخل

أُعلن قبل أيام عن مشروع سينمائي جديد مستوحى من فيلم «دم أول» (First Blood) الذي أخرجه تَد كوتشِف عام 1983 وقام ببطولته سيلڤستر ستالون.

وتقوم الخطّة على عدم إعادة تصوير القصة نفسها، بل تقديم فيلم يُعدّ بمثابة مقدّمة (Prequel) لأحداث الفيلم الأصلي.

عُيِّن المخرج جالماري هيلاندر لكن لم يتم اختيار الممثل الذي سيلعب دور جون رامبو، الذي أدّاه ستالون في الفيلم السابق. نجاح ذلك الفيلم نتج عنه 4 أفلام «رامبو» أخرى ما بين 1985 و2019.

برايان دنهي يوقف رامبو بلا تهمة (أورايون بيكتشرز)

متعدد الجبهات

المهمّة لن تكون سهلة لا من حيث الكتابة الفعلية، ولا من حيث إقناع المشاهدين بأن هناك حاجة «غير تجارية» لتقديم فيلم تدور أحداثه في السنوات القليلة التي سبقت «دم أول». فيلم كوتشِف عن رواية ممتعة وضعها ديفيد موريل (اشتراها هذا الناقد من مكتبة أنطوان في بيروت وقرأها في يوم وليلة). هذا لأن «دم أول» لم يكن مجرد فيلم أكشن، ولا حتى مجرد فيلم حرب، بسبب أن شخصيّته الأولى «رامبو» خريج الحرب الفيتنامية. في الواقع كان أكثر بطبقات متعددة من مجرد فيلم عن رجل عاد إلى الولايات المتحدة محمّلاً قسوة تلك الحرب.

«دم أول» متعدد الجبهات، ولو أن الخط العام لقصّته يدور حول عودة ذلك المحارب من أرض الحرب ليواجه حرباً أخرى في بلاده. كلتا الحربين، كما يقول الفيلم، فُرضتا عليه.

رسائل «دم أول» تأتي مباشرة مع مشهد البداية: رامبو، بجاكيت عسكرية وبحقيبة يحملها فوق ظهره، يصل إلى منزل صغير خارج المدينة. هناك امرأة أفرو – أميركية تنشر الغسيل. رامبو يحيّيها ويسألها عن رفيق سلاح. يُريها صورة تجمعهما. تقول له إن ابنها (رفيق رامبو) قُتل في تلك الحرب. يُبدي أسفه ويبتعد. المفاد هنا أن مقتل جندي أسود في تلك الحرب لم يكن، لدى القيادة، موضوع اهتمام لإعلام أحد بذلك سوى والدته.

جاك ستارِت (إلى اليمين) يمنع رامبو من المقاومة (أورايون بيكتشرز)

قوّة منظّمة

قد يهمك أيضًا: حين حاكم يوسف شاهين نفسه

في المشهد التالي، يتوجَّه رامبو صوب البلدة الواقعة عند سفح جبل شمال أميركا. يتوقف شريف البلدة (برايان دنهي) ويسأله عن مقصده، ثم يطلب منه أن يستقل السيارة ليعود به من حيث جاء عند مطلع الجسر. لكن رامبو ما إن يخرج من السيارة حتى يعود أدراجه.

موقف الشريف منه يفتح صندوقاً من المعاني: رامبو غير مرحّب به لأنه بدوره شخص غير مهم في مجتمع يعدّه الآن تجسيداً للهزيمة. لم يفعل شيئاً معادياً لأحد، بل مارس حقّه في الذهاب أينما يريد في أرض وطنه. مع تحديد الفيلم هذه الحقيقة وتحديد خطأ البوليس في احتجازه لأنه لم يمتثل لطلب عدم دخوله البلدة، يتبدّى أن القوّة المنظّمة والمحمية باسم القانون هي التي تخرج عنه.

يُقاد رامبو إلى الزنزانة، ويتسلَّى نائب الشريف غولت (جاك ستارت، الذي أخرج أفلاماً عدّة بدوره) بممارسة ساديّته بلا مبرر. يدرك غولت أن رامبو غير مذنب، وأنه عائد من فيتنام التي خرجت منها أميركا خاسرة. رامبو الآن هو رمز جاهز لخسارة أميركا تلك الحرب.

لكن رامبو ليس ضعيفاً. إنه خريج قوّة خاصة تدرّبت جيداً على التحمّل والبقاء على قيد الحياة. يواجه رجال البوليس ثم يهرب على دراجة نارية منطلقاً صوب الجبال.

هناك مشهد رائع لغولت وهو يحاول قنص رامبو من طائرة مروحية قبل أن يصيبه رامبو فيسقط غولت من علٍ. سيهرب رامبو من مطارديه، لكنه سيستخدم مهاراته القتالية للإيقاع بهم. هو لم يسفك الدم الأول، بل ما زال يدافع عن نفسه كما فعل في فيتنام.

في النهاية سيفصح عن موقفه بقوله إنه عاد من حرب فُرضت عليه وتلاعب بنتائجها السياسيون مما أدى إلى الهزيمة.

الفيلم المقبل

في ثلث الساعة الأخيرة يبدأ رامبو بالانتقام من البلدة التي عادته. وفي هذا الفصل يتحوّل الفيلم إلى رغبة في تسديد الهدف لتأكيد المفادات السياسية والاجتماعية التي وردت، والربط بين الحرب التي كان على رامبو خوضها في فيتنام وتلك الحالية التي فُرضت عليه في موطنه.

الفيلم الجديد يريد سرد الأحداث التي سبقت «دم أول»، لكن هذا يفتح السؤال، والسيناريو ليس مُتاحاً بعد، حول ما الذي يمكن للفيلم الجديد إضافته إلى الحكاية التي شوهدت. هل عليه أن يعود إلى الحرب الفيتنامية ليسرد تاريخ رامبو؟ هل سيجمع بين مشاهد تلك الحرب ووصول رامبو إلى تلك البلدة المعادية؟

الأهم أن التيمة التي انطلق منها المؤلف موريل، ثم تبنّاها الفيلم لاحقاً، حملت أبعاداً عميقة عن المقاتل الذي لم يجد في وطنه رفيقاً ولا أُلفة يحتاجهما في عزلته. لم يجد من يشاركه آلامه وذكرياته، بل قُوبل بعداء صريح. في المقابل، لا يبدو أن الفيلم المرتقب سيكون أكثر من مشاهد «أكشن» مترافقة مع جرعات من التعذيب، وهو ما لا يلبّي الحاجة الملحّة إلى عمل يرقى إلى القيمة والعمق اللذين جسّدهما «دم أول» بوضوح.

في كل الحالات، فإن ما سيرد في هذا الفيلم المزمع إنتاجه ورد مثيله في الجزء الثاني من «رامبو» (1985)، الذي يعود فيه رامبو إلى فيتنام لتحرير رهائن. في ذلك الفيلم تحوّل كل شيء إلى معرض قتل وقتال، وهذا ما يبدو أن صانعي الفيلم المقبل سيُقدمون عليه.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات