عادت قضية الحريات إلى الواجهة في لبنان، مع استدعاء مكتب المباحث الجنائية، رئيس تحرير صحيفة «الحرة» الإلكترونية، الصحافي بشارة شربل، ومديرة التحرير كارين عبد النور، وهو ما لاقى ردود فعل مستنكرة ورافضة، مع المطالبة بعدم مخالفة القانون، وأن تكون محاكمة الصحافيين مقتصرة على محكمة المطبوعات.
وكان أفراد من الأمن الداخلي حضروا قبل أيام إلى منزل شربل، واتصلوا به لإبلاغه بموعد جلسة لاستجوابه الثلاثاء، قبل أن يتقرَّر تحديد موعد لاحق لوجوده خارج لبنان، وهو ما لم يحصل حتى الآن، بينما رفضت الصحافية كارين عبد النور المثول أمام المباحث الجنائية في الجلسة التي كانت محددة لها يوم الاثنين، وقدَّمت عبر محاميها مذكرةً إلى النائب العام التمييزي جمال الحجّار، انطلاقاً من أن قانون المطبوعات يؤكد عدم جواز التحقيق مع الصحافيين أمام النيابات العامّة والأجهزة الأمنيّة، والصحافي لا يمثل إلا أمام محكمة المطبوعات، لكنهم عادوا وحدَّدوا لها موعداً جديداً، يوم الخميس المقبل.
وعدَّ شربل في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن «هذه الممارسات تشبه الممارسات التي لطالما اعتدنا عليها في الزمن السابق»، مذكراً بأن «قضايا النشر والرأي، يجب أن تخضع لصلاحية محكمة المطبوعات، في حين لا يمثل المدعى عليهم إلا أمام قاضٍ، وبحضور محامٍ». ولفت إلى أنه وفق المعلومات فإن الاستدعاء جاء على خلفية مانشيت العدد الأخير من «الحرة» الذي تناول التعيينات المالية، ومسألة تعيين القاضي زاهر حمادة في منصب المدّعي العام المالي، ما عُدّ «إهانة للقضاء».
وكان شربل كتب عبر حسابَيه على «فيسبوك» و«إكس» قائلاً: «للأصدقاء الذين يسألون عن سبب استدعائي واستدعاء الزميلة كارين عبد النور إلى التحقيق؛ بسبب ما نُشر في جريدة (الحرة): إنها على ما يبدو مطالبتنا بالمحاسبة، واستقلالية القضاء، ورفضنا المحاصصة».
ولاقى هذا الاستدعاء رفضاً واسعاً في لبنان، وشدَّد نقيب محرري الصحافة جوزف القصيفي، في بيان، على أنّ «جميع القضايا المتعلقة بالمطبوعات تنظر فيها محكمة المطبوعات فقط، في ضوء أحكام المادتين 28 و29 من قانون المطبوعات». وعدَّ أنّ محكمة المطبوعات هي «المخولة البت في كل مساءلة تتصل بالمهنة». وأكدّ على «وجوب امتناع الزملاء الصحافيين عن المثول أمام الأجهزة الأمنية».
ولفت القصيفي إلى أنّها «ليست المرة الأولى التي يُستدعَى فيها زملاء وزميلات بهذه الطريقة»، مؤكداً أن «الإعلاميين خيمتهم قانون المطبوعات فقط فيما يتعلق بمخالفات النشر، إذا صح أنّ هناك مخالفات».
اقرأ ايضا: البحرين ترحب بتوقيع اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا برعاية أمريكية
الصحافية كارين عبد النور (وسائل التواصل الاجتماعي)
وعبَّر عضو كتلة حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عقيص عن تضامنه مع شربل وعبد النور، كاتباً على منصة «إكس»: «استدعاء الصحافيين أمام المباحث الجنائية بدلاً من محكمة المطبوعات هو مخالفة قانونية صريحة ومساس بحرية الإعلام»، مضيفاً: «إن استدعاء رئيس تحرير صحيفة (الحرّة) الإلكترونية الصحافي بشارة شربل، ومديرة التحرير كارين عبد النور من دون تبيان الأسباب يفتح الباب أمام الضغط على الصحافة المستقلة، في خطوة تهدِّد الحق في التعبير. نرفض بشكل قاطع هذه الممارسات التي تنتهك القوانين والأصول، ونؤكد دعمنا لحقّهما الكامل في عدم الاستجابة لاستدعاءات مخالفة للأصول القانونية، وتمسّكهما بمبدأ عدم مثول الصحافيين إلا أمام محكمة المطبوعات».
بدوره، قال النائب ميشال دويهي على منصة «إكس»: «كل التضامن مع شربل وعبد النور. إن استدعاء صحافيين بالمطلق ومن دون تبليغ على أي أساس، خصوصاً للمباحث الجنائية، مرفوض ومدان وسنتصدى له. زمن النظام الأمني انتهى ولن نسمح بعودته».
كذلك عدَّ النائب إبراهيم منيمنة أن «هذه الاستدعاءات بحق الصحافيين مخالفة فاضحة للأصول القانونية، وتمس بحرية الصحافة بشكل فاقع، وتعارض القوانين، خصوصاً قانون المطبوعات. ندعو فوراً إلى الالتزام بالقوانين ووقف أي ملاحقات بحق الصحافيين خارج محكمة المطبوعات؛ لأن ذلك ترهيب للصحافيين واستقلالية عملهم».
كذلك، قال النائب وضاح الصادق: «استدعاء الصحافيين أمام المباحث الجنائية بدلاً من محكمة المطبوعات هو مخالفة قانونية صريحة ومساس بحرية الإعلام».
من جهتها، أسفت الدائرة الإعلامية في حزب «القوات اللبنانية»، في بيان، لاستدعاء شربل وكارين عبد النور. وأكدت أن هذا الاستدعاء «مرفوض شكلاً ومضموناً، وهو مخالف للدستور وقانون المطبوعات وحرية التعبير في لبنان». وشدَّدت على أن هذا الإجراء «ينتمي إلى مرحلة ماضية، ويسيء إلى صورة المرحلة الراهنة»، ودعت إلى «التراجع عنه وإحالة الملف على محكمة المطبوعات».