في قلب تاريخ ريال مدريد الأبدي، هناك لحظات خالدة لا تُنسى، ولحظات يصنعها لاعبون كانوا محظوظين بأن يكونوا أبطالًا لتلك الذكريات. رودريجو جوس النجم البرازيلي الذي حفر اسمه بأحرف من ذهب في ملحمة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2022 ضد مانشستر سيتي، يجد نفسه اليوم في خضم مفارقة قاسية: البطل الذي ساهم في تحقيق المستحيل، قد يصبح أولى ضحايا العهد الجديد الذي يقوده تشابي ألونسو في النادي.
وصول المدير الفني الجديد تشابي ألونسو، بفكره التكتيكي الجديد، ألقى بظلال كثيفة على دور رودريجو، مما قلل من دوره داخل الفريق بل وصل الأمر لمرحلة التهميش لنجم كان عنصرًا رئيسيًا في خطط الفريق الملكي خلال السنوات الماضية.
يبدو أننا وصلنا إلى الأيام الأخيرة لرودريجو بين جدران النادي الملكي، إن لم يكن للاعب نفسه رأيًا آخر بشأن طموحه المهني ورؤيته لمستقبله الشخصي، الذي من الممكن جدًا أن يكون مصيره على دكة بدلاء ريال مدريد لفترات طويلة.
تعتمد فلسفة تشابي ألونسو على السيطرة المطلقة من خلال بنية تكتيكية معقدة ومحددة. يعتمد بشكل أساسي على خطة لعب 3−4−2−1 ، والتي تتحول في حالة الاستحواذ إلى شكل هجومي 3−2−5 من أجل السيطرة على الخط الدفاعي للخصم. هذه الخطة مبنية على التحكم في مساحات الملعب وخلق أنماط مدروسة ومكررة لاختراق الدفاعات، حيث يكون الهدف هو خلق مواقف مثالية بدلاً من الاعتماد على الارتجال الفردي.
على النقيض تماماً، اعتمد أسلوب كارلو أنشيلوتي على فكر تكتيكي أكثر مرونة، غالباً ما يكون 4−3−3 أو 4−3−1−2، والذي منح حرية إبداعية كبيرة لمهاجميه. تحت قيادة المدرب الإيطالي، لعب رودريجو 208 مباراة، مسجلاً 59 هدفاً ومقدماً 39 تمريرة حاسمة، وهي الفترة الأكثر إنتاجية وتوهجًا في مسيرته.
استغل أنشيلوتي مرونة رودريجو التكتيكية إلى أقصى حد، حيث وظفه في جميع مراكز الهجوم: كجناح أيمن، وكجناح أيسر، وكمهاجم، وتألق رودريجو في كل هذه الأدوار ما يبرز قدرته على التكيف.
أهداف رودريجو جوس حسب المركز في ريال مدريد:
هذه الأرقام والإحصائيات تثبت أنه ليس لاعباً متراجع المستوى، بل هو نجم مميز يتم تهميشه الآن، بدون سبب حقيقي مقنع.
إحصائيات رودريجو مع ريال مدريد في جميع المواسم:
حسم ألونسو اختياره في الجزء الهجومي بشكل واضح: كيليان مبابي، وفينيسيوس جونيور، والنجم الصاعد من الأكاديمية جونزالو جارسيا، جميعهم يتقدمون على رودريجو في الترتيب، كما أن استبعاده من التشكيل الأساسي لست مباريات متتالية في كأس العالم للأندية، بل وبقائه بديلاً غير مستخدم في 3 منها، هو أوضح دليل على هذا الواقع الجديد.
تصريحات ألونسو العلنية تروي قصة مختلفة، فهو يؤكد أن القرار فني بحت ولا يتعلق بمستقبله، وأنه تحدث مع رودريجو الذي يبدو إيجابياً ومستعداً، لكن، تشير تقارير موثوقة إلى أن كلاً من النادي وألونسو منفتحان على رحيل رودريجو في حال وصول عرض مناسب.
هذا التناقض ليس علامة على عدم الاستقرار، بل هو استراتيجية فكرية، فلا يمكن لمدرب نادٍ كبير أن يعلن صراحة عن رغبته في بيع لاعب سعره عالي، لأن ذلك سيؤدي إلى انخفاض قيمته السوقية، لكن الرسالة الحقيقية تكمن في اختيارات ألونسو في قائمة الفريق، وليس في تصريحاته الصحفية.
رغم أن قرار تشابي ألونسو بعدم الاعتماد على رودريجو بشكل أساسي يثير كثيرًا من علامات الاستفهام، خاصة بالنظر إلى ما قدمه اللاعب من لحظات حاسمة في مشواره مع ريال مدريد، فإن الكلمة العليا في النهاية تبقى للمدير الفني.
في عالم كرة القدم، المنطق لا ينتصر دائمًا على القناعات الفنية، والمدرب هو من يتحمّل مسؤولية اختياراته، سواء أقنعت الجماهير أم لا، لذلك قراره هو ما يتم تنفيذه في النهاية.
قد يرى ألونسو أن أسلوب لعبه يحتاج إلى نوعية مختلفة من اللاعبين في الخط الأمامي، أو ربما يفضل توظيف عناصر أخرى يراها أكثر ملائمة لرؤيته التكتيكية، لكن المؤكد أن استبعاد اسم بحجم رودريجو، الذي طالما لمع في الليالي الكبيرة، لا يمكن أن يمر دون تساؤلات، خاصة من جمهور اعتاد أن يراه منقذًا في الأوقات الصعبة.
في الرابع من مايو 2022، كان ملعب سانتياجو برنابيو مسرحاً لليأس، في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا. مانشستر سيتي دخل اللقاء متقدمًا في نتيجة لقاء الذهاب بنتيجة 4-3، ثم جاء هدف رياض محرز في الدقيقة 73، لتصبح النتيجة الإجمالية 5-3 لصالح مانشستر سيتي. بدا حلم النهائي قريبًا جدًا من كتيبة بيب جوارديولا التي كانت على وشك حجز تذكرتها، وفي المقابل كان ريال مدريد يحتضر.
في خضم هذه الهزيمة التي بدت حتمية، ألقى أنشيلوتي بآخر اختيار له. لم يكن إدخال رودريجو مجرد قرار يائس، بل كان دفعة قوية تمكنت من تحقيق المستحيل!
في الدقيقة 90، ومع بداية الوقت المحتسب بدلاً من الضائع، بدأت المعجزة. أرسل كامافينجا كرة عرضية، هيأها بنزيما برأسه، ليظهر رودريجو كالشبح من العدم ويحول الكرة بلمسة خاطفة في شباك إيدرسون. انفجرت الجماهير في أصوات مفاجئة. لم يكن هذا احتفالاً بقدر ما كان صرخة أمل منبعثة من رماد الهزيمة.
اقرأ ايضا: خاص لـ365scores – الأهلي يحسم صفقة دفاعية جديدة
بعد 89 ثانية فقط، وفي الدقيقة 91، حدث ما يتجاوز المنطق. عرضية متقنة من كارفاخال، ليرتقي رودريجو، متحدياً قوانين الاحتمالات، ويوجه رأسية مباغتة سكنت الشباك مرة أخرى. تحول الملعب إلى انفجار بركاني من الضجيج، وسادت حالة من الذهول على وجوه لاعبي السيتي. لم تكن مجرد عودة في النتيجة، بل كانت ملحمة كروية، ولحظة تجسد أسطورة ريال مدريد الخالدة. هذا الأداء وحده جعل من رودريجو بطل مسيرة اللقب الرابع عشر، وأصبحت عبارة الملعق التونسي الشهير عصام الشوالي : “فما حاجة مانعرفش” علامة مميزة خلدت ذلك الهدف.
كل هذا يجعل رحيل رودريجو المحتمل أمراً مؤثراً عاطفياً للجماهير، فهو ليس مجرد لاعب يغادر، بل قطعة من تاريخ النادي ترحل عنه.
بعيداً عن العاطفة والأمور الفنية، فإن بيع رودريجو يمثل خطوة مالية استراتيجية سليمة لريال مدريد من منظور اقتصادي بحت، حيث تبلغ القيمة السوقية الحالية لرودريجو 90 مليون يورو. هذا الرقم يضعه في قائمة أغلى لاعبي العالم، فهو يحتل المرتبة 20 بين جميع اللاعبين في العالم، والخامس في ريال مدريد، والثاني بين جميع اللاعبين البرازيليين، والخامس بين جميع لاعبي الجناح الأيمن. هذا التصنيف يؤكد أنه قيمة كبيرة في السوق العالمية. علاوة على ذلك، يمتد عقد رودريجو مع ريال مدريد حتى عام 2028 ، مما يمنح النادي الملكي أقصى درجات النفوذ في أي مفاوضات.
قيمة رودريجو حالياً في ذروتها أو قريبة منها، بناءً على بطولاته وأدائه المميز تحت قيادة أنشيلوتي، لكن من المرجح أن تنخفض هذه القيمة إذا استمر تهميشه على مقاعد البدلاء تحت قيادة ألونسو، حيث ستتأثر إحصائياته، لذلك، من منظور مالي بحت، فإن الوقت الأمثل للبيع هو الآن، حيث لا تزال قيمته مرتفعة للغاية، كما أن بيعه سيمثل دفعة مالية كبيرة للنادي من أجل تقليل أجور اللاعبين أو في حال قرر شراء لاعبين آخرين يتناسبون تماماً مع أسلوب ألونسو، مما يسرع عملية تطبيق رؤية المدرب الجديد.
ليفربول: خطة الخلافة في أنفيلد
الدافع الرئيسي لاهتمام ليفربول هو عدم اليقين المحيط بمستقبل لويس دياز، حيث تشير التقارير إلى رغبة الكولومبي في الرحيل، وبالتالي سيكون رودريجو بديل مباشر وعالي الجودة في حالة رحيل دياز. يتماثل مركز رودريجو المفضل على الجناح الأيسر، مع قدرته على الاختراق بقدمه اليمنى، تماماً مع الدور الذي يشغله دياز حالياً في ثلاثي هجوم ليفربول. سيجلب رودريجو خبرة الفوز بدوري أبطال أوروبا إلى فريق يمر بمرحلة عالية المستوى بعد تحقيق لقب الدوري في الموسم الماضي.
أرسنال: القطعة الهجومية الناقصة؟
ينبع اهتمام أرسنال من الحاجة إلى لمسة نهائية أكثر حسماً وتهديداً مباشراً بالمرمى من الأجنحة. سيكون وجود رودريجو ارتفاعًا بالمستوى عن الجناحين الحاليين جابرييل مارتينيلي ولياندرو تروسار، حيث يقدم قدرة فائقة على اتخاذ القرار والإنهاء في المساحات الضيقة ضد التكتلات الدفاعية التي يواجهها أرسنال بشكل متكرر في إنجلترا، وسيتناسب رودريجو مع مركز الجناح الأيسر في خطة ميكيل أرتيتا 4−3−3.
يبدو أرسنال أكثر الأندية اهتمامًا بالتعاقد مع رودريجو، حيث تشير التقارير إلى أن مسؤولو أرسنال أبدوا اهتمامهم باللاعب منذ نهاية الموسم الماضي، ومع احتمالية رحيله بالفعل، فبالتأكيد سيدخلون السباق بكل قوتهم، للفوز بخدمات النجم البرازيلي.
بايرن ميونخ: حل للأجنحة
سيكون اهتمام بايرن ميونخ بضم رودريجو بسبب حاجة ملحة في خط الهجوم، وهي الإصابة طويلة الأمد لجمال موسيالا، إلى جانب الأجنحة غير مستقرة المستوى مثل كينجسلي كومان وسيرج جنابري، التي خلقت ضرورة التعاقد مع تعزيز إضافي في هذا المركز. سيوفر رودريجو خيارًا عالي الجودة وموثوقاً ومتعدد الاستخدامات.
رغم ذلك يبدو اهتمام بايرن ميونخ أكثر تردداً من الناحية المالية، فقد أشارت تقارير إلى أنهم يفكرون في عرض بقيمة 65 مليون يورو، وهو رقم أقل بكثير من تقييم ريال مدريد الذي من المحتمل أنه لن يقل عن 80 مليون يورو حتى لبدء المفاوضات. هذه الفجوة المالية الكبيرة تجعل الصفقة أقل احتمالًا ما لم يرفع بايرن ميونخ من عرضه بشكل كبير.
في الختام، يبدو أن الفكر الجديد تحت قيادة تشابي ألونسو قد جعل رودريجو، أحد أبطال حقبة أنشيلوتي، قطعة غير مرغوبة في العهد الجديد، لكن رحيله ليس فشلاً، بل هو نتيجة لهذا التغير الذي ربما لا يكون مفهومًا للبعض، لكن في النهاية القرار النهائي هو قرار المدير الفني مهما كانت المعطيات ليست مقنعة.
هذا الانتقال المحتمل قد يكون سيناريو مربحاً لجميع الأطراف:
ريال مدريد: خطوة ذكية من الناحية المالية تمهد الطريق لألونسو لتنفيذ رؤيته بالكامل مع فريق مكون خصيصاً من أجل احتياجاته.
رودريجو: سيجد فرصة للهروب من مقاعد البدلاء ليصبح النجم الأبرز في مشروع جديد في نادٍ أوروبي كبير آخر، مما يضمن له وقت اللعب المنتظم الذي تتطلبه موهبته قبل عام من كأس العالم 2026.
النادي المشتري: الحصول على مهاجم عالمي يبلغ من العمر 24 عامًا، يتمتع بمزيج نادر من الشباب والخبرة والقدرة على حسم أكبر المباريات.
ستبقى ذكرى معجزة رودريجو التي استغرقت 89 ثانية ضد مانشستر سيتي محفورة في الذاكرة إلى الأبد، لكن الفصل التالي الأكثر منطقية لكل من رودريجو وريال مدريد ينطوي على فراق عاطفي ومؤثر لكنه ضروري لكل الأطراف.
ومع اقتراب الرحيل نتذكر بطولات رودريجو العديدة والمهمة مع ريال مدريد خلال 6 مواسم فقط: