الإثنين, أغسطس 11, 2025
الرئيسيةالثقافة والتاريخريثي بانه يوثق رعب «سنوات الظلام» في كمبوديا

ريثي بانه يوثق رعب «سنوات الظلام» في كمبوديا

يشغل المخرج ريثي بانه كرسي رئاسة لجنة التحكيم في الدورة الـ78 لمهرجان لوكارنو المنعقد حالياً (6 حتى 16 من الشهر الحالي). معه صف معتاد من المحكّمين الذين سيبحثون بين ما هو معروض من أفلام المسابقة عن العمل الذي يستحق هديّة الدورة كأفضل فيلم. هذا قد يوجّه البوصلة صوب منح الجائزة لفيلم يبحث في ثنايا الأحوال الواقعة في مجتمعاتنا كون بانه مخرج أمّ هذا المجال في كل أعماله إلى اليوم.

المخرج ريثي بانه (كاثرين دوسار برودكشنز)

ذكريات كمبودية

هذا ليس حضور بانه الأول في المحافل، بل سبق وأن شاركت أفلامه في مهرجانات عدّة من بينها «كان» الذي منحه الجائزة الأولى في قسم «نظرة ما» سنة 2013 عن «الصورة المفقوذة» (The Missing Picture). فيلم بحثي في تاريخ كمبوديا الحديث.

هذه الجائزة هي واحدة من 48 جائزة أخرى حصل هذا المخرج الكامبودي عليها في مسيرته التي بدأت في أوائل التسعينات وشملت حتى الآن 25 فيلماً يغلب عليها الطابع التسجيلي تستمد موضوعاتها من تاريخ المخرج الشخصي وتاريخ بلاده‫.‬

وُلد باسم فنوم بانه في عام 1964 وبعد 9 سنوات من استقلال كمبوديا من الاحتلال الفرنسي واستلام الأمير نورودوم سيهانوك حكم البلاد إلى أن تمّت إزاحته عن الحكم سنة 1970، وهي السنة التي شهدت ثورة ميلشيا خيمر روج التي استولت على مقاليد الحكم ثم انطلقت لفرض أسلوبها المتعسف حتى عام 1979 بعد مقتل نحو 2 مليون كمبودي تم إعدامهم من بينهم عائلة ريث بينه بكاملها. في عام 1979 لجأ المخرج إلى تايلاند وحيداً وعاش في مخيّم للنازحين لنحو سنة قبل أن يحط في فرنسا حيث درس السينما وانطلق لتحقيق أفلامه.

في عام 1989 حقق فيلمه الأول «الموقع 2» (Site 2) الذي نقل فيه الصور الأولى لما عاشته بلاده من أحداث. من ذلك الفيلم وصاعداً لم يتوقف بانه عن العمل. معظم ما اختار تحقيقه تسجيلي وكل ما حققه من أفلام دار حول كمبوديا مستمداً موضوعاته من الأحداث الواقعية ومن خلال وجهات نظر الشخصيات الواقعية التي اختارت سرد قصصها وأحوالها.

ترك بانه الانطباع منذ أولى أفلامه («الموقع 2» «كمبوديا بين الحرب والسلم»،1991 و«زارعو الرز»، 1994) بأنه جاد في مسألة نبش تلك الذكريات المؤلمة التي تعصف في رأسه. لكن أحداً لم يكن يتصوّر أن هذا الموضوع سيبقى شاغله في كل أعماله. بأنه كان أكثر صدقاً مع نفسه ومع رسالته. ابتعد عن المتاجرة بأعماله أو القفز سريعاً بها ليوظّفها سبيلاً لشهرته.

«بوفانا» من خلال صور وذكريات (كاثرين دوسار برودكشنز)

ممر الرعب

اقرأ ايضا: زوينة آل تويّه: المترجم يُفاوض «شبح المؤلف» في أحيان كثيرة

هناك فيلمان من بين ما شاهدته له في هذا الإطار. هما «بوفانا: تراجيديا كمبودية» (Bophana‪:‬ A Cambodian Tragedy) و«أرض الأرواح الهائمة» (The Land of the Wanderign Souls).

نقطة اللقاء الأساسية بينهما هو اختياره الحديث عن امرأتين. من اللواتي دفعن حياتهن في سجون خيمر روج. في «بوفانا» (1996) بحث في ذكريات وصور امرأة عانت علي أيدي سجانيها إلى أن تم إعدامها.

الفيلم الثاني (2000) تناول حكاية امرأة أخرى في سجن آخر (رقمه 21) نالها من التعذيب الكثير قبل إعدامها. ما لفت انتباهه هنا أنها كانت تكتب العديد من الرسائل إلى زوجها. من أن تعلم أنه سجين مثلها وفي الموقع نفسه. كلاهما مات فيه.

اعتمد بانه في كلي الفيلمين على أرشيف الصور والرسائل ليسبر من خلالها تاريخ شخصيّتيه.

كل أفلام بانه تتداول أسى وألماً لكن The Khemr Rouge Killing Machine («آلة القتل لخيمر روج»، 2000) له تأثير مرعب.

يجول الفيلم في مدرسة كبيرة من ثلاثة أدوار تم تحويلها إلى سجن بلغ عدد المعتقلين فيه نحو 18 ألفاً. قليلون خرجوا أحياء من هذا الجحيم محمّلين بذكرياتهم عنه.

كاميرا المخرج تتابع سجّاناً فعلياً (اسمه خيو شس) تمّت مواجهته من قبل ناج. كلاهما ضحيّة على جانبي ذلك التاريخ.

ما يُثير الرعب قيام المخرج بالطلب من السجّان السير في الممر الذي انتشرت على أحد جانبيه الزنزانات وتمثيل دوره كما لو كانت هذه الزنزانات ما زالت ممتلئة بالمعتقلين. هي فارغة أمامنا. المعتقلون أشباح الماضي يجسّد السجّان ما كان يقوم به. نسمع صوت خطواته وصداها وهو يسير في الممر وحيداً، ويصرخ في المعتقلين المتخيّلين. يمر المشهد مثل نصل بارد يبعث على الخوف.

في عام 2013 قام المخرج بتحقيق «الصورة المفقودة» (The Missing Picture) الذي احتفى به مهرجان «كان» كما سبق القول. النقلة التي أقدم عليها هنا بكثير من الثقة هي الحديث عن الثقافة والفن الكومبوديين من دون إهمال ما تعرضا له في سنوات العتمة. منحاه في هذا الفيلم هو التذكير بأن الكومبوديين شعب ذي أصالة وثقافة وقعت ضحية تلك السنوات العجاف.

فيلمه الأخير «لقاء بول بوت» («الشرق الأوسط» في 13/12/ 2024) كان روائياً حول ثلاثة صحافيين أوروبيين وصلوا كمبوديا خلال حكم خيمر روج للكشف عن الحقيقة مع احتمال ألا ينجح الجميع بالعودة إلى بلادهم.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات