الإثنين, أغسطس 11, 2025
الرئيسيةالوطن العربيالسعوديةسياحة رياضية على قمم الضباب في عسير

سياحة رياضية على قمم الضباب في عسير

بينما تشتد موجات الحر في أغلب مناطق السعودية ودول الخليج، تختبئ عسير في الجنوب السعودي واحةً باردةً تكتسي بالخضرة وتتنفس سحباً لا تنقطع.

لم تعد السياحة فيها مجرد استجمام بين الجبال أو نزهة صيفية عابرة، بل تحولت إلى وجهة تجمع بين الجمال الطبيعي والتحدي الرياضي، وفي هذا الصيف، اجتمع أكثر من ثمانين درّاجاً من مختلف مناطق المملكة ودول الخليج، ليخوضوا تجربة جديدة في سياحة رياضية تنبض بالحيوية، تنطلق على دروب عسير المتعرجة وتعلو قممها المنعشة.

منذ تسع سنوات، تحوّلت منطقة عسير إلى أكثر من مجرد محطة رياضية لفريق «طواف عسير»، بل أصبحت بيتاً ثانياً يحتضن الرياضيين ويمنحهم تجربة فريدة تجمع بين التحدي والطبيعة، كما تصفها عضو الفريق فايقة حلواني.

وأشارت إلى أن الأجواء المعتدلة التي تتميز بها عسير طوال العام تُعد حافزاً إضافياً لتجديد الطواف سنوياً، مضيفةً أن الدعم المجتمعي والعلاقات المحلية التي تطورت عبر السنوات لعبت دوراً محورياً في تسهيل الجوانب اللوجيستية للطواف، وأضفت عليه قيمة اجتماعية وإنسانية.

قميص طواف عسير لهذا العام يستلهم جمال تضاريس عسير وتراثها (الشرق الأوسط)

وحول تطوّر الطواف وبرنامجه، أوضحت حلواني أن البداية كانت مركّزة على استكشاف التضاريس والمزارع والبلدات القديمة إلى جانب تحديات جبل السودة وساق غزال، إلا أن برنامج الرحلات أصبح أكثر تنوعاً بفضل تحسن البنية التحتية والطرق، مما أتاح للفريق استكشاف مسارات جديدة.

وقالت: «كل عام ندمج مسارات غير مسبوقة، مع المحافظة على بعض الطرق الأساسية لما تمثله من رمزية للطواف».

أما مدير طواف عسير، محمد بن حسين، فأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الطواف أكثر من نشاط رياضي، بل هو رحلة سياحية متكاملة تنطلق من ركوب الدراجات في جبال عسير الشاهقة ووديانها الخلابة، وتمرّ بتجارب ثقافية مثل زيارة المتاحف والقصور التاريخية، وتذوق الأكلات الشعبية التي تشتهر بها المنطقة.

وأضاف أن الطواف، في نسخته التاسعة، شهد نمواً متزايداً في عدد المشاركين من داخل وخارج المملكة، مما يعكس تنامي الوعي بأهمية هذا النوع من السياحة.

طواف عسير أمام البيوت الأثرية في المحالة (الشرق الأوسط)

وأكد ابن حسين في رده على سؤال حول إمكانية توسيع التجربة إلى مناطق أخرى في المملكة، أن الفريق سبق أن نفّذ تجربة ناجحة في العلا خلال السنتين الماضيتين، ويستهدف حالياً المنطقة الشرقية ضمن خطة مستقبلية.

وكشف أيضاً عن وجود تنسيق مستمر مع وزارة الرياضة، مع الإعداد للتعاون القريب مع هيئة تطوير منطقة عسير لدعم السياحة الرياضية لتكون مساراً استراتيجياً دائماً.

قد يهمك أيضًا: نمو الإيرادات يقفز بأرباح «موبايلي» السعودية الفصلية بأكثر من 25 %

وحول البعد الخليجي والدولي، أشار إلى أن الطواف هذا العام استقبل مشاركات من دول مجلس التعاون، مؤكداً السعي إلى استقطاب جنسيات جديدة في السنوات المقبلة، «حتى يرى الزوار جمال طبيعتنا ويتعرفوا على عراقة تاريخنا، ضمن أهداف تتماشى مع (رؤية المملكة 2030)، وتدعم جودة الحياة عبر رياضة راقية مثل ركوب الدراجات الهوائية»، على حد تعبيره.

مشاركة سعودية وخليجية واسعة في طواف عسير وإقبال متزايد كل عام (الشرق الأوسط)

وفي كل نسخة من طواف عسير، يتم استكشاف طرق جديدة تُبقي على عنصر المفاجأة والحماس لدى المشاركين.

وتؤكد فايقة حلواني أن هذا التغيير السنوي جزء من فلسفة الطواف، حيث تتكامل التجربة الرياضية مع الجانب الثقافي والاستكشافي.

وترى أن عسير تمتلك كل المقومات لتصبح وجهة دولية للسياحة الرياضية، من تنوع جغرافي ومناخ معتدل، إلى تطور مستمر في البنية التحتية.

وتشير إلى أن الطريق نحو العالمية يحتاج إلى دعم أكبر في الترويج وتنظيم الفعاليات واستقطاب المشاركين الدوليين، مضيفةً: «نطمح أن نكون منافسين لطوافات عالمية كطواف فرنسا أو إسبانيا».

فايقة حلواني (الشرق الأوسط)

أما عن التحديات، فتصفها بأنها طبيعية في مثل هذه الفعاليات، لكنها تؤكد أن الفريق بات يمتلك من الخبرة والتجهيزات ما يضمن نجاح كل نسخة بما يشمل تقديم «سيارات الدعم المتكاملة، إلى فرق التحفيز المصاحبة للدراجين، وتوفير التغذية والصيانة طوال المسار».

وتختم حديثها بالقول: «رسالتنا تتجاوز الرياضة. نحن نحاول أن نُظهر للمملكة والعالم جمال بلادنا، ونشجع على نمط حياة صحي ونشيط، نربط فيه السياحة بالرياضة والثقافة والهوية».

ما شهدته عسير هذا الصيف لا يمكن اختزاله في مجرّد فعالية رياضية، بل هو مشهد ينبض بحلم أوسع: أن تتحول الجبال والممرات والطبيعة الساحرة إلى مسرح دائم لروح المغامرة والنشاط.

تجربة الدراجين لم تكن فقط رحلة بدنية، بل كانت أيضاً لقاءً مع الطبيعة، ومع الذات، ومع مجتمع يفتح ذراعيه للضيوف.

وبينما تتجه أنظار السياح عادةً نحو المدن الكبرى أو الوجهات التقليدية، تلوّح عسير بعلمها الخاص، قائلةً إن الجنوب ليس فقط بارد الطقس، بل دافئ بالفرص.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات