قلب الرئيس دونالد ترمب عقوداً من سياسة الأمن القومي الأميركية، وخلق فئة جديدة تماماً من المخاطر على الشركات، حين أبرم صفقة مع شركة «إنفيديا» تمنح الحكومة الأميركية حصة من مبيعاتها مقابل استئناف تصدير شرائح الذكاء الاصطناعي المحظورة إلى الصين.
تاريخياً، كانت الحكومة الأميركية تتخذ قرارات التحكم في تصدير التكنولوجيا الحساسة لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وكانت هذه القرارات نهائية وغير قابلة للتفاوض؛ فإذا كانت التكنولوجيا خاضعة للرقابة، فلا يمكن للشركات تجاوز هذه الضوابط بغضّ النظر عن الأرباح المحتملة من المبيعات الخارجية، وفق «رويترز».
يوم الاثنين، أثار ترمب احتمال إنهاء هذه الحقبة، معلناً أنه سيسمح لشركة «إنفيديا» ببيع شرائح «إتش 20» إلى الصين مقابل أن تتلقى الحكومة الأميركية 15 في المائة من مبيعات الشركة لبعض الشرائح المتقدمة في ذلك البلد. وأبرم صفقة مماثلة مع منافستها الأصغر «إيه إم دي».
كما أفاد الصحافيين بأنه منفتح على السماح لـ«إنفيديا» ببيع نسخة مخففة من شرائحها الرائدة الحالية «بلاكويل» إلى الصين. وقبل عدة أشهر، كانت إدارته قد حظرت بيع شرائح «إتش 20» إلى الصين، لكنها عملت على رفع الحظر في يوليو (تموز) ضمن ما وصفتها الحكومة بمفاوضات حول المعادن النادرة.
عمال يركّبون روبوتاً بجناح «إنفيديا» بمعرض سلسلة التوريد الدولي الثالث في بكين 14 يوليو 2025 (أ.ب)
هذا التحرك الأخير قوبل بإدانات من مشرعين أميركيين من كلا الحزبين، الذين حذروا من أنه قد يخلق إطاراً قائماً على «الدفع مقابل اللعب» في بيع التكنولوجيا الحساسة إلى خصوم الولايات المتحدة، وهو ما أكده المحللون والخبراء القانونيون.
وقال جون مولينار، عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية ميشيغان ورئيس لجنة الصين في مجلس النواب: «الرقابة على التصدير تشكل خط الدفاع الأول لحماية أمننا القومي، ولا ينبغي أن نضع سابقة تحفز الحكومة على منح تراخيص لبيع التكنولوجيا التي ستعزز قدرات الصين في الذكاء الاصطناعي مقابل المال».
وأضاف راجا كريشنا مورثي، الديمقراطي الأول في ذات اللجنة: «بوضع ثمن على مخاوفنا الأمنية، نرسل إشارة إلى الصين وحلفائنا بأن مبادئ الأمن القومي الأميركي يمكن التفاوض عليها مقابل السعر المناسب».
من جانبها، رأت إدارة ترمب أن المخاطر الأمنية لاستئناف بيع شرائح «إتش 20» ضئيلة، نظراً لأن الشريحة كانت تُباع على نطاق واسع في الصين.
ووصف وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، الشهر الماضي، شريحة «إتش 20» بأنها «الشريحة الرابعة الأفضل» لشركة «إنفيديا» في مقابلة مع شبكة «سي إن بي سي»، وأضاف أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تستمر الشركات الصينية في استخدام التكنولوجيا الأميركية.
جينسن هوانغ يجيب عن أسئلة الإعلام خلال فعالية صحافية في تايبيه مايو 2025 (رويترز)
لكن الصفقة نادرة للغاية في تاريخ الولايات المتحدة، وتمثل أحدث تدخل من ترمب في قرارات الشركات، عقب ضغوطه على المديرين التنفيذيين للاستثمار في التصنيع الأميركي ومطالبته باستقالة رئيس شركة «إنتل»، ليب-بو تان، بسبب علاقاته مع شركات صينية.
تصفح أيضًا: أميركا تمنح «إنفيديا» ترخيصاً لتصدير رقائق إلى الصين
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا الإجراء قانونياً.
ويحظر الدستور الأميركي على الكونغرس فرض ضرائب أو رسوم على السلع المصدرة من أي ولاية. وقال المحامي التجاري جيريمي إيلوليان، إنه من الصعب تحديد ما إذا كان ذلك سيُعد «ضريبة تصدير» أو نوعاً آخر من المدفوعات، دون معرفة تفاصيل إضافية عن الاتفاق.
وأضاف: «حتى اليوم، لم يُدرس من قبل مقدار ما يجب على الشركات دفعه مقابل الحصول على رخصة تصدير».
وقال كايل هاندلي، أستاذ في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو: «يبدو لي هذا كأنه ضريبة تصدير… يمكنهم تسميتها بأي اسم، لكنها في الواقع تبدو كأن الحكومة تقتطع جزءاً من العوائد».
وعندما سُئل متحدث باسم «إنفيديا» عما إذا كانت الشركة قد وافقت على دفع 15 في المائة من الإيرادات للحكومة الأميركية، قال: «نتبع القواعد التي تضعها الحكومة الأميركية لمشاركتنا في الأسواق العالمية».
وأضاف المتحدث: «رغم أننا لم نشحن شريحة (إتش 20) إلى الصين منذ أشهر، نأمل أن تسمح قواعد الرقابة على التصدير لأميركا بالمنافسة في الصين والعالم».
وقال متحدث باسم «إيه إم دي» إن الولايات المتحدة وافقت على طلبات الشركة لتصدير بعض معالجات الذكاء الاصطناعي إلى الصين، لكنه لم يعلق مباشرة على اتفاقية تقاسم الإيرادات، مؤكداً التزام الشركة بجميع ضوابط التصدير الأميركية.
وقالت سارة كريبس، أستاذة في كلية سياسة بروكس بجامعة كورنيل: «أعتقد أنه من العدل القول إن كل شيء في هذه الإدارة يبدو قابلاً للتفاوض بطرق لم تكن موجودة من قبل. ولا أظن أن هذه الصفقة هي الأخيرة من نوعها التي سنشهدها».
شعار شركة «إنفيديا»… (رويترز)
قال محللو الأسهم إن الرسوم قد تؤثر على هوامش أرباح شركات تصنيع الشرائح، وتضع سابقة للحكومة الأميركية لفرض ضرائب على الصادرات الحيوية.
وقال محللو بيرنشتاين: «يبدو لنا أن الأمر مسار محفوف بالمخاطر»، متوقعين أن تقلل الصفقة من هامش الربح الإجمالي على المعالجات الموجهة إلى السوق الصينية بنسبة تتراوح بين 5 و15 نقطة مئوية، مما يقلل بنحو نقطة واحدة من هوامش «إنفيديا» و«إيه إم دي» بشكل عام.
وقال هندي سوسانتو، مدير محفظة في شركة «جابيلي» التي تمتلك أسهماً في «إنفيديا»: «بطبيعة الحال، لن تفكر فقط شركات الشرائح، بل أيضاً الشركات التي تبيع منتجات استراتيجية أخرى إلى الصين، فيما إذا كان نموذج الرسوم هذا سينطبق على صناعاتها».
وأضاف: «للبائعين الذين يبيعون منتجات استراتيجية إلى الصين، قد يكون هذا النموذج إما عبئاً أو شريان حياة للحفاظ على الوصول إلى سوق ضخمة ومتنامية».