الإثنين, أغسطس 25, 2025
الرئيسيةالثقافة والتاريخ«صيف أرملة صاروفيم»... الآثار مسؤولية الجميع

«صيف أرملة صاروفيم»… الآثار مسؤولية الجميع

«حين تنتهي من قراءة هذه المخطوطة، سيكون جميع سكّان قرية عين سْرار قد غادروا هذه الأرض»، هكذا يفتتح الكاتب اللبناني مازن حيدر أحدث رواياته «صيف أرملة صاروفيم»، (هاشيت أنطوان/ دار نوفل 2025)، وكأنه يخبرنا منذ البداية بأنه أخذ على عاتقه تخليد ما حصل في عين سرار.

«عين سْرار» هي قريةٌ جبليّة متخيَّلَةٌ، إليها تنزح بطلة الرواية أسامة لتقيم في بيت خالها، هرباً من الحرب الدائرة في بيروت، حيث بقيَ والداها. أعلى تلّ اللزاب في بيت الراحل صاروفيم، تقيم أرملتُه غريبةُ الأطوار حارسةً جبّانةَ المتاولة.

تنطلق الرواية من حدثٍ لم تتكشّف حقيقتُه، إذ أشاعت الصحافة في أثناء الحرب نقل آثارٍ من متحف بيروت الوطنيّ، إلى متحف نيقوسيا في قبرص ضمن معاهدةٍ دوليّةٍ لحمايتها. فهل نُقِلَتْ الآثارُ أو سُرقَتْ؟

الحرب الأهلية اللبنانية هي زمن الرواية، لكن الكاتب لا يتناول الحرب ثيمة رئيسية، إنما موضوع إقفال بعض الأماكن السياحيّة والسطو على الآثار. ثيمة تشغل مازن حيدر. هو المعماري، المشغول بالتراث وكيفية الحفاظ عليه. ثيمة تتكرر في كل أعماله سواء الروائية العربية أو البحثية، تلك التي نشرها بالعربية أو الفرنسية أو حتى الإيطالية.

فمنذ أول عمل روائي له، اختار حيدر تسليط الضوء على ذاكرة المكان، وتحديداً في مكتبة «فور ستيبس داون»، في شارع الحمرا العريق في بيروت. ثم في عمله التوثيقي البحثي «أعمال الحديد في عمارة بيروت في القرن العشرين»، أو كتابه باللغة الإيطاليّة «المدن والذاكرة: بيروت، ساراييفو، برلين»… وغيرها الكثير من إنجازاته البحثية.

نوصي بقراءة: لماذا لم يصل صنع الله إبراهيم إليّ مبكراً في العراق؟

في مقال نشره في عام 2017، كرّر حيدر دعوته إلى «نشر الوعي العام عبر شتى الوسائل المتاحة» بهدف «الحد من حجم الهوّة بين المُتخصّصين في التراث المعماري، والشريحة المتبقيّة من الناس».

في «صيف أرملة صاروفيم» يتناول المهندس المعماري الشاب المقيم في فرنسا العمارة التراثيّة موضوعاً لروايته، وبهذا يبقى حيدر وفياً للذاكرة، بعدّ سرقة الآثار توازي سرقة التاريخ.

تسير الرواية وكأن الكاتب يمسك بيده كاميرا، تلتقط التفاصيل الجمالية والجغرافية للمكان. يقول حيدر بلسان أسامة بطلة الرواية «سندور في الحقول والبراري لنتصيّد الأفكار».

فـ«ها هو مزار المنعطف الأول لجهة البلدة. وها هو المزار الثاني، حاضناً شخص مار شربل تزيّنه الزهور البيضاء. شجرة السنديان المعمّرة، عمود الكهرباء وإعلان المخيّم الصيفي. هذه قلعة مار قرياقوس ونقطة ضبط الأمن المُستحدَثة. وها هي في نهاية المطاف لافتة عين سْرار الزرقاء ترحّب بكم».

ليست الجغرافيا وحدها ما يشغل حيدر، بل يسرد لنا ذاكرة الأمكنة، مستعرضاً تواريخ يريدها أن تكون متاحة للعامة. «قلعة مار قرياقوس، ردّدت على مسمع كلٍّ من جهاد وميلاد المنهمكين في الكتابة. تخيّلا أنّ هذا المبنى الصغير كان متحفاً في يومٍ من الأيّام قبل سِني الحرب الأهليّة، قبل أربعة عشر عاماً».

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات