الخميس, أغسطس 28, 2025
الرئيسيةالسياحة والسفرطرابلس... متحف مملوكي على ضفة المتوسط

طرابلس… متحف مملوكي على ضفة المتوسط

زيارة طرابلس اللبنانية، سياحة من نوع آخر. ليست مكاناً للاستجمام والرفاهية فقط، وإنما للعيش في ظل التاريخ والعراقة التي خلت منها أماكن كثيرة، ورؤية للتزاوج بين نماذج عمرانية من أنماط مختلفة، عبرت مئات السنين ولا تزال شامخة. هي مدينة المتناقضات، فيها السوق المملوكية ومعرض رشيد كرامي العصري، والميناء الذي يفتح أفقه باتجاه جزر هي من بين الأجمل في لبنان على الإطلاق لمحبي السباحة، وكذلك هي مدينة المأكولات الشعبية الأشهى والحلويات التي جابت شهرتها العالم.

المدينة الثانية بعد بيروت، مع ذلك، فإن سياحها قلة، ومن يملكون أسرارها لا يقومون بالنشاط الكافي للتعريف بها.

القلعة الصليبية في طرابلس (الشرق الاوسط)

درّة طرابلس، هي منطقتها العتيقة وأسواقها التي لم تلقَ الاهتمام الرسمي الكافي، رغم أهميتها البالغة. تُعرف بطرابلس المملوكية القديمة، وتوصف بأنها متحف حي، لأنها مأهولة بأهلها؛ ما يصعّب ترميمها. هي بمساحة مائة كيلومتر مربع، واحدة من أهم وأكبر المدن التاريخية الإسلامية في شرق المتوسط من حيث كثافة المعالم المملوكية، والثانية بعد القاهرة من حيث عدد المباني التراثية.

يمكنك أن تبدأ رحلتك من قلعة سان جيل الصليبية التي تسمح لك – بسبب موقعها المرتفع – برؤية بانورامية رائعة تبسط أمامك المدينة بأكملها وكأنك تقف في وسطها. وهي أضخم قلاع لبنان وأجملها، ارتبط تاريخها بحصار الصليبيين للمدينة وبحقبة فارقة في التاريخ الإسلامي، قبل أن يعيد ترميمها المماليك. تنزل منها باتجاه السوق العتيقة الغنية بخاناتها وأزقتها ومساجدها ومدارسها وحماماتها. جولة في السوق التي لا يزال حرفيوها يمارسون أعمالهم في سوق الصاغة، كما سوق النحاسين، وخان الخياطين، وسوق الكندرجية، وسوق العطارين، وكذلك خان الصابون بطابقيه وباحته وبِركته الكبيرة، وغرفه المحيطة بها، وسلالمه القديمة، وقد تحول في الوقت الحاضر مكاناً لعرض الحِرف اليدوية. هذه الأسواق تعدّ قلب المدينة النابض بصناعييها، ومتاجرها التقليدية الصغيرة، والحِرف اليدوية المنتشرة في أنحائها، حيث يمكن للزائر شراء هداياه وتذكاراته بأفضل الأسعار. كما تنتشر في السوق أشهى المأكولات الشعبية الطرابلسية العريقة، مثل المغربية المقلية، والجزرية، وحلاوة الأرز، كما المشروبات مثل الخرّوب والجلاب.

المسجد المنصوري (الشرق الاوسط)

ووسط الأسواق تتوزع المعالم، ومنها المساجد وأشهرها الجامع المنصوري الكبير الذي يعود إلى القرن الثالث عشر، شُيّد بأمر من السلطان المنصور قلاوون، ويعدّ من أعتق وأبهى مساجد المدينة، بطرازه المملوكي، وأقواسه، وساحته الداخلية وبرج مئذنته. وكذلك جامع التوبة الذي تأسس في العهد الصليبي ثم تم تجديده في العصر المملوكي. ولا يفوت زائر هذه الأسواق أن يرى «شارع الكنائس» الذي تتعانق فيه مآذن المساجد مع أبراج الكنائس، بما يشبه التزاحم. إذا ما تجاوزتها قليلاً وصلت إلى مبنى تراثي غاية في الجمال هو خان العسكر، الذي استخدمه المماليك مركزاً لحماية المدينة، بعد أن احترقت القلعة الصليبية. وكما يدل اسمه، فقد بقي لعهود متعاقبة يستخدم مقراً للجند إلى أن تحول في السنوات الأخيرة مركزاً ثقافياً أقيمت فيها الاحتفالات والسهرات الموسيقية.

تصفح أيضًا: قائمة «كوندي ناست ترافيلر» لأفضل الفنادق والمطاعم والسفن السياحية في الشرق الأوسط لعام 2025

وطرابلس ليست كلها قديمة وتراثية. إنما المدينة القديمة، لمحبي الآثار والتراث، هي تحفة حقيقية، وكنز يجب مسح الغبار عنه في أسرع وقت، ولا يفترض أن تفوّت زيارته.

معرض رشيد كرامي الدولي (الشرق الاوسط)

أما الشق الحديث من طرابلس، فهو أيضاً متنوع المعمار، أبنيته من الحِقَب العثمانية والفرنسية وصولاً إلى الأكثر حداثة.

لكن أجمل ما يمكن زيارته في هذه الجهة، هو معرض رشيد كرامي الدولي، الذي يعود إنشاؤه إلى أحلام ستينات القرن الماضي، وكان يفترض أن يتحول مركزاً للمعارض للبنان، بل وللمنطقة كلها. هو مجموعة من المنشآت المتكاملة من تصميم البرازيلي الشهير أوسكار نيماير، باني مدينة برازيليا، شُيّد بأسلوب غاية في الجمال. وإضافة إلى مكان العرض المتسع الذي أقيم بمهارة هذا المهندس من دون أعمدة، تمكن زيارة الحدائق الجميلة التي يتوزع فيها عدد من المنشآت أجملها على الإطلاق المسرح الدائري الذي صُمم لتسمع ترددات الصوت فيه من دون مكبرات، والمسرح العائم الذي استقبل حفلات لكبار الفنانين، وترى مهبط الطائرات، وصالة الضيافة التي حازت بفضل جمالية معمارها جائزة الآغا خان عام 2022. كما أن معرض رشيد كرامي برمته، وضع على لائحة التراث العالمي لـ«يونيسكو» عن جدارة، وهو بالفعل تحفة معمارية.

ساعة التل، هدية السلطان عبد الحميد إلى الطرابلسيين (الشرق الاوسط)

وبطبيعة الحال، لا بد من زيارة الميناء وكورنيشها الجميل الممتد، وأن تأكل المثلجات العربية على شاطئها كما يمكنك أن تزور أسواقاً أخرى قديمة في ميناء طرابلس التي تصنف على أنها مدينة قائمة بذاتها، وتعرف أيضاً بمساجدها وكنائسها وأزقتها وبيوتها العريقة، وشارع مينو الذي تحول منطقه تعجّ بالمطاعم والمقاهي، ومواطن السهر.

ولمحبي السباحة، لا بد أن يلحظوا الوقت الكافي لاستقلال مركب من شاطئ الميناء باتجاه الجزر المحاذية لها. هناك في جزيرة النخيل التي تعدّ مع جزيرتي سنن ورامكين محميات طبيعية بموجب اتفاقية برشلونة، وموطئ مهم للطيور. على جزيرة النخيل يمكنك السباحة بمياه فيروزية والاسترخاء على شواطئ تجعلك تنسى في أي منطقة جغرافية أنت. فهي تجربة تنقلك إلى مكان مختلف تماماً. وبمناسبة الحديث عن البحر، فإن طرابلس تمتاز بالمنتجعات البحرية الفاخرة القريبة منها، والتي يلجأ إليها الطرابلسيون خلال الصيف للسباحة والسهر، وبعضهم ينتقل كلياً خلال أشهر الحر للسكن في شاليهات بحرية، حيث يقضون إجازاتهم.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات