السادس عشر من يوليو (تموز) هو «يوم تقدير الذكاء الاصطناعي»، وفرصة للتوقف والتأمل في تأثير تلك التقنية على حياتنا. لكن بينما يسرق الأضواءَ الحديثُ عن «الشات بوتس» المتقدمة، أو الأدوات التوليدية المثيرة، فإن ثورة صامتة تدور في الخلفية. إنها ثورة تقودها نماذج «تعلم الآلة» (Machine Learning) التي تعمل بلا توقف لحماية بياناتنا، وضمان مرونة البنية التحتية الرقمية، وتحسين أداء الأنظمة التي نعتمد عليها يومياً.
في هذا اليوم، نُسلّط الضوء على ذلك الذكاء الاصطناعي الذي لا يبحث عن الشهرة، بل عن الاستقرار، والكفاءة، والقدرة على التنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها.
فلاديسلاف كوشكانوف مدير مجموعة تعلم الآلة في «كاسبرسكي» متحدثاً إلى «الشرق الأوسط» ( كاسبرسكي)
يعتمد «تعلم الآلة» ( Machine Learning) على تحليل كميات ضخمة من البيانات، والتعرف على الأنماط، والتنبؤ بالمستقبل. قد لا يكون «مبهراً» مثل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، لكنه «موثوق»، ويُستخدم في كل شيء، من اكتشاف الاحتيال البنكي إلى إدارة الخدمات الصحية.
في شركة «كاسبرسكي» يشكّل «تعلم الآلة» العمود الفقري لآليات الكشف عن التهديدات السيبرانية، والاستجابة لها في الوقت الحقيقي. يقول فلاديسلاف توشكانوف مدير مجموعة أبحاث تكنولوجيا تعلم الآلة في «كاسبرسكي» خلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه التكنولوجيا تتيح لنا اكتشاف الأنماط الشاذة خلال أجزاء من الثانية عبر معالجة مليارات الأحداث، ونعزل التهديدات المحتملة دون الاعتماد على التوقيعات التقليدية».
في عام 2024 وحده، ساعدت خوارزميات «كاسبرسكي» في التعرف على أكثر من 600 ألف تهديد جديد يومياً، من هجمات التصيد الإلكتروني إلى حملات التجسس المدعومة من دول.
لكن السر لا يكمن فقط في السرعة، بل في الدقة. يضيف توشكانوف: «نستخدم نهجاً متعدد الطبقات يجمع بين الكشف المؤتمت والتحقق البشري، ويضمن ذلك من خلال تحليل بيانات تليمترية ضخمة تم جمعها بموافقة المستخدمين». ويعد الخبير الأمني أن هذا ما يتيح تقديم حلول آمنة وموثوقة، خصوصاً في قطاعات حساسة مثل الطاقة والمالية والرعاية الصحية.
تصفح أيضًا: ارتفاع أسعار النفط… والخام الأميركي يقترب من 70 دولاراً للبرميل
ومع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره أداة يستخدمها القراصنة، طوّرت «كاسبرسكي» آلياتها لمواجهة التهديدات الجديدة. يشرح توشكانوف أهمية تعزيز تلك القدرات من حيث الكشف السلوكي والتحليل الشاذ، وتدريب النماذج على اكتشاف الأنماط غير المتوقعة التي قد تترافق مع هذه التهديدات. ويشير إلى أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدة المحللين البشر في تحليل البيانات، ورفع كفاءتهم، ويلفت إلى أن الشركة بدأت دمج تقنيات «الذكاء الاصطناعي التوليدي» في منتجاتها الموجهة للشركات.
أحمد السعدي نائب رئيس منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة «سبلانك» متحدثاً إلى «الشرق الأوسط» ( سبلانك)
في عالم المؤسسات، الأعطال التقنية قد تكلف الملايين، وأحياناً تؤدي إلى كوارث. وهنا تأتي أهمية شركة «سبلانك» ( Splunk) التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحويل البيانات إلى تنبؤات تساعد في تجنب الفشل قبل حدوثه. يقول أحمد السعدي نائب رئيس منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة «سبلانك» خلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» إن الذكاء الاصطناعي لا يخبر فقط بما حدث، بل يُخبرنا بما قد يحدث لاحقاً، ويُساعد على منعه».
تعمل «مساعدات الذكاء الاصطناعي» من «سبلانك» على تسهيل استكشاف الأخطاء، وتحليل الأسباب الجذرية، عبر تحليل السجلات، والمقاييس، وسلوكيات المستخدم. ويضيف السعدي أن هذه «المساعدات» تساعد المؤسسات على تقليل وقت الاستجابة، وتقليل فترات الانقطاع، وتحسين تجربة المستخدم الرقمي حتى لغير المتخصصين، بفضل واجهات لغة طبيعية.
ويعد السعدي أن ما يميز نماذج «سبلانك» هو قدرتها على التعلم المستمر من البيانات الحية والتاريخية، مما يُمكّنها من التنبؤ بالمشكلات قبل أن تؤثر على الأداء. ويوضح: «نستخدم التحليلات التنبئية لتحديد الأنماط، وضبط التنبيهات، واتخاذ إجراءات وقائية بدقة، مما يعزز تحول المؤسسات نحو عمليات رقمية أكثر مرونة واستقلالية».
ما يجمع بين هذه التطبيقات من حماية البيانات إلى مرونة البنية التحتية هو أنها «غير مرئية». لا تظهر على الشاشات، ولا تتحدث بعبارات برّاقة، لكنها تعمل بصمت، وبدقة، وباستمرارية.
تقدير الذكاء الاصطناعي لا يعني فقط الثناء، بل يعني تحمّل المسؤولية. فالنماذج يجب أن تكون قابلة للفهم، والبيانات يجب أن تُحمى، والتحيز يجب أن يُعالج.
في «يوم تقدير الذكاء الاصطناعي»، لنبتعد قليلاً عن العروض البصرية، والتجارب الصوتية، ولننظر إلى حيث يعمل الذكاء الحقيقي في صمت، وفي الخلفية، وفي خدمة الأنظمة التي يجب ألا تفشل.