تشتهر بلدة قصرنبا البقاعية بمروج الزهور التي تغطي مساحات كبيرة من أراضيها. فأهل هذه القرية ينشغلون في فصل الربيع بقطاف الورد. ويحوّلونه إلى منتجات عدة بينها ماء وشراب وزيت الورد. وكذلك يحوّلونه إلى قطع شاي يتم غليها وشربها. فالورد يعدّ من المكونات الطبيعية ذات الفوائد الكثيرة للصحة.
تروي أم عدنان المشهورة بصناعة ماء الورد في قصرنبا، بأن هذا الموسم يمتد لفترة محدودة، تقتصر على شهري أبريل (أيار) ومايو (أيار). وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «يستغرق الموسم نحو 20 يوماً تقريباً، خلاله نقطف الورد الدمشقي. وهو ورد مشهور بنوعيته الممتازة ورائحته العطرة ولونه الزهري».
الصغار كما الكبار يشاركون في قطاف الورد (إنستغرام)
يُزرع هذا الورد على هيئة شتلات تتحوّل مع الوقت إلى أشجار. تتفتّح براعمه في شهر أبريل. ويتم قطفه يومياً في الصباح الباكر. وهنا يتدخّل ابن أم عدنان مختار ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا نقوم بمهمتنا باكراً في الصباح؟ لأن الورد يكون نديّاً لم يتعرّض بعد لأشعة الشمس. كما يغيب النحل عن التحليق في الجو. فنقوم بقطفه براحة أكبر، ويكون محتفظاً بجميع خصائصه».
أما المراحل التي تمر بها صناعة ماء الورد فتذكرها أم عدنان: «أولاً، وبعد قطف الورد نقوم بتنقيته وتفتيح أوراقه. ومن ثم نضعه في المياه الساخنة في وعاء نحاسي. ويتم إقفاله وإيصاله بالـ(كركة)، وهي الآلة التي نستخدمها لتقطير ماء الورد».
في هذا الوقت يتجمّع بخار الورد المنقوع بالمياه الساخنة. ويمرّ في القسطرة المخصصة له، على أن يتم تبريده دائماً كي يتحوّل البخار إلى ماء.
يزرع الورد على مساحات واسعة من أراضي القرية (إنستغرام)
وتعدّد أم عدنان أنواع المنتجات التي يمكن استخراجها من الورد. «هناك زهور الورد التي نشربها كالشاي، وكذلك زيت الورد الذي يستعمل للبشرة. والورد المطحون الذي يضاف إلى الكبّة أثناء تحضيرها في الجرن الرخامي».
ويشير الابن مختار الذي تخصّص في علم الزهور والنباتات، إلى أن مجموعات أجنبية ولبنانية تقصد قصرنبا لهذه الغاية. فيشارك أصحابها في قطاف الورد على مدى 20 يوماً، ويقيمون في البلدة ليتناولوا صباحاً وجبة الفطور البلدية.
قد يهمك أيضًا: «بورتوبيلو»… حيث تتقاطع الأزمنة وتنبض الذاكرة
وتتضمن هذه الوجبة المنقوشة بالزعتر والبيض بالقاورما واللبنة البلدية. كما أن الرحلة إلى قصرنبا يرافقها مشوار إلى مَعْلم أثري فيها. ويستطرد مختار: «عادةً بعد قطاف الورد مباشرة نتوجّه إلى هذه القلعة الرومانية. نمضي فيها بعض الوقت لاستكشافها مع زوارنا. ومن ثم نعود أدراجنا إلى الأرض لنكمل مهمتنا في صناعة ماء الورد».
يجمع في السلال قبل البدء في صناعة منتجاته (إنستغرام)
واستطاعت قرية قصرنبا تسليط الضوء على موسم قطاف الورد في لبنان. إنها وردة لها تاريخها الطويل وتعرف باسم (rosa Damascus)، وتعني بالعربية (الوردة الدمشقية). طال انتشارها بلداناً أوروبية. وهي مشهورة أيضاً بورد الطائف في المملكة العربية السعودية.
يستغرق قطاف الورد نحو 4 ساعات يومياً، ويتم قطافه بكميات كبيرة تعدّ بالأطنان.
ويشير مختار إلى أن شهرة هذا الموسم زادت بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. وحالياً هناك بعض صنّاع ماء الورد في القرية يوزعونها على محلات تجارية وسوبرماركت.
“ام عدنان” تحضّر لصناعة ماء الورد (إنستغرام)
ويضيف مختار: «في هذا الموسم تعبق قريتنا برائحة الورد، فتتعطر بالورد الدمشقي على مدى 20 يوماً».
وقطاف الورد لا يقتصر على الكبار فقط، إذ يتمسك بعض العائلات باصطحاب جميع أفرادها من كبار وصغار. وتختم أم عدنان لـ«الشرق الأوسط»: «العيش مع الورود له متعة خاصة، وينعكس إيجاباً على حالتنا النفسية. كما أن مشهد الورد المزروع في كل مكان يحضّنا على التواصل مع الطبيعة تلقائياً».
وإضافةً إلى موسم الورد، تشتهر قصرنبا بموسم قطاف العنب، فيصنع منه أهل القرية منتجات عدة بينها دبس ومربّى العنب.