في خطوة علمية رائدة، طوّر باحثون من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) أداة ذكية جديدة تعتمد في عملها على تقنية التعلم العميق، تُسمى (ديب بلاستويد) DeepBlastoid، وتهدف هذه الأداة المبتكرة إلى تعزيز دراسة نماذج تطور الأجنة البشرية في ظروف مخبرية اصطناعية.
وقد أظهرت نتائج الدراسة التي أجرتها كاوست – والتي نُشرت في مجلة (Life Medicine) – أن أداة (DeepBlastoid) تتمتع بقدرة فائقة على تقييم صور النماذج بجودة تضاهي تمامًا تقييم الأطباء والعلماء ذوي الخبرة العالية، ولكن ما يميزها حقًا هو سرعتها المذهلة، إذ تُنجز هذه المهمة بسرعة تفوقهم بألف مرة.
ويشكل هذا التطور ثورة في مجال أبحاث الأجنة، إذ سيُسرّع بنحو كبير من وتيرة الاكتشافات العلمية في هذا المجال الحيوي، ويقلل من الجهد والوقت اللازمين للتحليل اليدوي.
تُعدّ المراحل الأولى من تطور الجنين البشري ضرورية لفهم العديد من الجوانب المتعلقة بالصحة الإنجابية، بما يشمل: الخصوبة، ومضاعفات الحمل، وأسباب اضطرابات النمو. ومع ذلك، تواجه الأبحاث في هذا المجال قيودًا أخلاقية تُحد من الدراسات المباشرة على الأجنة البشرية.
وهنا تبرز أهمية (البلاستويدات)، وهي نماذج خلوية تُحاكي مرحلة الكيسَةُ الأُرَومِيَّة (blastocyst)، وهي المرحلة التي تمتد من اليوم الخامس بعد الإخصاب إلى لحظة انغراس الجنين في جدار الرحم، وهي اللحظة التي يبدأ بها الحمل.
وتُصنع البلاستويدات من خلايا جذعية وليست أنسجة جنينية، مما يجعلها نموذجًا مثاليًا للدراسات العلمية منذ اكتشافها في عام 2021.
درب باحثو كاوست أداة (DeepBlastoid) على أكثر من 2000 صورة ميكروسكوبية للبلاستويدات، وبعد ذلك، استخدموا الأداة لتقييم تأثير المواد الكيميائية على نمو البلاستويدات من خلال تحليل أكثر من 10,000 صورة إضافية.
قد يهمك أيضًا: تفاصيل هجوم يوم الصفر.. ماكيروسوف حذرت منه وأعلنت تحديثات أمنية لمواجهته
إذ يُعدّ فهم كيفية تأثير هذه المواد الكيميائية على البلاستويدات أمرًا مهمًا للغاية خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يتناولن أدوية موصوفة أو عقاقير أخرى ويرغبن في الحمل.
وتتميز أداة (DeepBlastoid) بسرعتها الفائقة، إذ تستطيع معالجة 273 صورة في الثانية الواحدة، مما يتيح للعلماء تقييم عشرات الآلاف من البلاستويدات في غضون دقائق فقط، مقارنة بالتحليل اليدوي الذي يستغرق وقتًا طويلًا ويعتمد على خبرة الباحث وطريقة إنتاج البلاستويدات.
وقد أكد البروفيسور (مو لي)، الأستاذ المشارك في كاوست وعضو مركز كاوست للتميز في الصحة الذكية، والخبير في بيولوجيا الخلايا الجذعية، أن أداة (DeepBlastoid) تفتح آفاقًا جديدة لفهم تأثير الأدوية والعقاقير على نمو الجنين، خصوصًا لدى النساء اللاتي يخططن للحمل.
كما أشار إلى أن الأداة الجديدة تُساهم بنحو كبير في تطوير تقنيات الإخصاب المساعد مثل التلقيح الاصطناعي، فمن خلال التقييم السريع والدقيق للبلاستويدات، يمكن تحسين فهمنا لأفضل الظروف لنجاح الحمل، ومن ثم تعزيز فرص نجاح هذه التقنيات.
بالإضافة إلى دراسة تأثير المواد الكيميائية، يمكن أن تساهم أداة (DeepBlastoid) في تطوير تقنيات الإخصاب المساعد مثل التلقيح الاصطناعي. ففي السابق، كان العلماء يقيِّمون البلاستويدات يدويًا من خلال مراجعة مكتبة ضخمة من الصور المأخوذة تحت المجهر، وهي عملية تستغرق وقتًا طويلًا وتعتمد على خبرة الباحث، وقد تختلف طريقة الإنتاج من مختبر لآخر.
وقد أكد البروفيسور (بيتر وونكا) الأستاذ في كاوست وعضو مركز كاوست للتميز في الذكاء الاصطناعي التوليدي، والخبير في التعلم العميق والرؤية الحاسوبية وقائد الفريق البحثي الذي طور الأداة، أن (DeepBlastoid) لا تكتفي بمضاهاة أداء الإنسان من حيث الدقة، بل تقدم قفزة نوعية في القدرة على المعالجة، ويتيح هذا المستوى من الكفاءة للعلماء تحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت وجيز، مما يمكّنهم من إجراء تجارب كانت مستحيلة في السابق بسبب قيود الوقت والموارد.
ومع أن باحثو كاوست قد استخدموا أداة (DeepBlastoid) لدراسة البلاستويدات، لكنهم أكدوا أن خوارزمية التعلم العميق هذه تتميز بمرونة عالية، إذ يمكن استخدامها مع نماذج خلوية أخرى تعتمد على الخلايا الجذعية، ويفتح هذا التنوع في التطبيقات آفاقًا واسعة لدراسة مراحل جنينية مختلفة وحتى مراحل نمو أعضاء أخرى، مما يُعزز من قدرة الباحثين على فهم العمليات البيولوجية المعقدة بنحو لم يسبق له مثيل.