ينتقد ليبيون «بطء» مسار البعثة الأممية لحل الأزمة السياسية في البلاد، بعد نحو شهرين من طرح 4 خيارات للأزمة صاغها خبراء ليبيون برعاية أممية، وسط حديث عن استمرار «غياب الإجماع» حول مخرجات اللجنة الاستشارية.
تكررت الانتقادات لكيفية «تعامل الأمم المتحدة مع الأزمة» خلال لقاءات أجرتها نائبة المبعوثة الأممية ستيفاني خوري في مدينة بني وليد (غرب البلاد) مع قيادات بالمجلس البلدي، وفعاليات قبلية، وسياسيين وأكاديميين وممثلين عن المجتمع المدني الأسبوع الماضي.
من بين المشاركين في أحد «اجتماعات بني وليد» الأكاديمي عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، الهادي بوحمرة، الذي يرى وجود «بطء وتمديد متعمد ومدروس هو السبب في هذا الإحباط»، ويذهب إلى القول لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك تعمداً لتفادي النظر في حلول سياسية ممكنة، والتوجه إلى مسارات تدير الأزمة وتعيد إنتاجها».
ومنذ منتصف الشهر الماضي انخرطت البعثة الأممية في سلسلة من المشاورات حول توصيات لجنة الخبراء الليبية الاستشارية، استهدفت مختلف المناطق والمكونات الاجتماعية والانتماءات السياسية. وتشمل الخيارات التي طرحتها لجنة الخبراء الليبية «إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة». كما اقترحت اللجنة «إنشاء هيئة تأسيسية تحل محل الأجسام السياسية الحالية لوضع اللمسات الأخيرة على القوانين الانتخابية، والسلطة التنفيذية، والدستور الدائم».
المبعوثة الأممية هانا تيتيه في لقاء مع 15 عضواً من حراك المنطقة الغربية (البعثة الأممية)
ولم يخفِ بوحمرة استياءه من أن الحل الأممي يأتي «على حساب مشروع الدستور، الذي أنجزته الهيئة المنتخبة في عام 2017 بأغلبية تزيد على الثلثين، وأغلبية مصاحبة على مستوى كل منطقة انتخابية على حدة»، محذراً من أن «البعثة تقود مسار تحول خطير في مرجعية الشرعية، إلى ما يسمى الشرعية التوافقية الدولية، وربما يكون قريباً من اتفاق الطائف أو اتفاق دايتون، عن طريق رسم توافق ممنهج بين المتصارعين في الداخل، باعتبار أن من في الداخل هم أداة بيد طرف سياسي في الخارج»، وفق تعبيره.
وأنهى اتفاق دايتون صراعاً مسلحاً دار في البوسنة والهرسك بين 1992 و1995، أما اتفاق الطائف فقد أنهى الحرب الأهلية اللبنانية 1989.
سبق أن عزت الأمم المتحدة «البطء في مسارها للحل السياسي» إلى المخاوف من أن «يهدد التسرع بتقويض شرعية العملية السياسية واستدامتها، وهو ما يقتضي الانخراط في عملية تشاورية شاملة عبر التواصل مع عموم الليبيين في جميع أنحاء البلاد»، وفق تصريحات للمبعوثة الأممية هانا تيتيه أخيراً. ومع ذلك فإن بطء أداء البعثة الأممية لا يزال يلقى انتقادات وشكوكاً متزايدة من جانب سياسيين ليبيين.
في هذا السياق يرى عضو المجلس الأعلى للدولة سعيد ونيس أن البعثة الأممية «منشغلة بشكل أكبر بترضية الأطراف الخارجية المتداخلة ومتضاربة المصالح في الملف الليبي، على حساب بلورة موقف حقيقي يعكس رؤية الأطراف المحلية التي تعاني وتشتت الإرادة السياسية».
تصفح أيضًا: مصادر طبية: استشهاد فلسطيني برصاص قوات الاحتلال قرب حاجز الظاهرية جنوب الخليل
وينطلق ونيس، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من رؤيته بأن «البعثة الأممية تركز على المسار السياسي، الذي تحدد معالمه الدول المؤثرة في عملها، كلٌّ بحسب ممثليه داخل البعثة»، مشيراً إلى «تجاهل واضح لمبدأ الشرعية الوطنية، بل وتلميح في بعض مواقفها إلى تجاوز الاتفاق السياسي، وعدم اعتباره أساساً موجّهاً لخططها وبرامج عملها».
ومن بين المآخذ الأخرى لعضو المجلس الأعلى للدولة على البعثة الأممية، التي قادت لهذا البطء «غياب الرؤية والمنهجية في إدارة الملف، وترك المجال لاجتهادات شخصية لكل مبعوث أممي جديد، ليضع رؤيته الخاصة للحل، عوضاً عن استكمال وتطوير ما أنجزه سلفه». ويشير أيضاً إلى أن «ضعف التفويض الدولي للبعثة الأممية ينحصر في الدعم والمساندة»، عاداً أنها «لا تزال محكومة بإطار وساطة يفتقر إلى أدوات ضغط فعالة، وتقتصر مهامها على إصدار التوصيات دون القدرة على تنفيذها».
أمّا بالنسبة لمخرجات لجنة الخبراء الاستشارية، فيعزو القيادي في التيار الفيدرالي أبو بكر القطراني البطء في خروجها بخريطة طريق للحل السياسي إلى «عدم حصول بعثة الأمم المتحدة في ليبيا على إجماع شعبي على أحد الخيارات الأربعة المنبثقة عن اللجنة الاستشارية».
ويذهب القطراني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى الاعتقاد بـ«تردد البعثة الأممية في إعلان خيار؛ حيث لا يوجد معيار كافٍ لحسم عملية الاختيار»، مستنداً إلى القول إن «البعثة الأممية خصصت رابطاً للاستفتاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، لكن يبدو أن حجم المشاركة متواضع، وربما سيزداد العدد مع الوقت».
ومن هنا يستنتج القطراني أن البعثة الأممية «تنتظر الوصول إلى عدد معين يكون مقنعاً للجميع، خاصة للرافضين من مؤسسات حكم الواقع بمختلف أنواعها في الغرب والشرق».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، دعت بعثة الأمم المتحدة الليبيين إلى المشاركة في استطلاع رأي تجريه لجمع الآراء حول المقترحات التي قدمتها اللجنة الاستشارية للمضي بليبيا قُدماً نحو الانتخابات.
إجمالاً، يبدو أن هناك إجماعاً عاماً لدى طيف واسع من السياسيين على بطء بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، تحت وطأة الانقسام السياسي والصراع المسلح الداخلي، إضافة إلى تدخلات دولية متعارضة تعرقل التوافق جعل الحل السياسي «رهين توازنات داخلية وخارجية معقدة»، وفق ما قاله الأمين العام لحزب «البلاد» الليبي الشاوش أنوير لـ«الشرق الأوسط».
وحسب سياسيين ومحللين، فإن هذا البطء في المسار الأممي قد يقود إلى زيادة مستوى تآكل الثقة بآليات الحل الدولية بشكل عام، وهو ما أظهرته احتجاجات الأسابيع الماضية أمام مقر البعثة الأممية في طرابلس تطالبها بالرحيل.
وهنا لا يستبعد رئيس المؤتمر العام للحزب المدني الديمقراطي الدكتور علي الصبيحي أن «يقود هذا الوضع القوى الوطنية والأطراف المعنية إلى البحث عن آليات بديلة خارج الأمم المتحدة».