تترقب الأوساط السياسية والعسكرية والإعلامية الفرنسية الخطاب التقليدي الذي سيلقيه الرئيس إيمانويل ماكرون، عصر الأحد، في مقر وزارة الدفاع بحضور أركان الدولة من مدنيين وعسكريين، والذي من المرتقب أن يتضمّن رؤيته للتهديدات التي تواجه فرنسا والتدابير التي سيقررها لمواجهة حالة العالم المتقلب، وما يحتضنه من مخاطر.
عشية العيد الوطني
وفي الأيام الأخيرة، عمل قصر الإليزيه على إبراز «فرادة» الخطاب سواء من خلال مستشاري الرئيس أو عبر الطلب من رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية الجنرال تييري بوركهارد أن يعقد مؤتمراً صحافياً، الجمعة، لعرض المخاطر المشار إليها.
وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو بعد اجتماع مجلس الوزراء في قصر الإليزيه يوم 11 يوليو (أ.ف.ب)
كذلك، أدلى وزير الدفاع سيباستيان لو كورنو بدلوه في حديث لصحيفة «لا تريبون دو ديمانش» الأسبوعية التي صدرت، صباح الأحد. وبحسب لو كورنو، فإن ما يبرر قرع نواقيس الخطر حالة العالم اليوم وتواتر الحرب؛ بدءاً من حرب أوكرانيا ووصولاً إلى حروب الشرق الأوسط (غزة ولبنان وإيران والبحر الأحمر)، مقرونة بانعدام اليقين للجهة السياسية التي سترسو عليها الإدارة الأميركية وطبيعة علاقتها مع القارة الأوروبية والحلف الأطلسي.
والأهم من ذلك كله استشعار باريس الخطر الذي تمثله روسيا. وذهب الجنرال بوركهارد إلى توقع إقدام روسيا على مغامرة ما قبل عام 2030 باستهداف شرق أوروبا.
رئيس الأركان الفرنسي يعرض المخاطر التي تهدد فرنسا يوم 11 يوليو (أ.ف.ب)
وبحسب أعلى مسؤول عسكري فرنسي، فإن العالم دخل منعطفاً حاداً. ودليله على ذلك يختصره بأربعة مؤشرات ينبغي أخذها في الحسبان؛ أولها «استخدام القوة دون رادع أو وازع وهو ما أصبح السمة الأساسية في عالم اليوم»، وثانيها المسعى الواضح الذي تقوم به مجموعة من الدول، بدعم وريادة روسيين، من أجل تغيير النظام العالمي الذي بُني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، ومحاولة إقامة نظام بديل مكانه. وثالث المؤشرات هو القوة المتنامية لعالم التواصل والاستعلام بكل أشكاله المندرجة في إطار الثورة التكنولوجية وتطبيقاتها العسكرية والمعلوماتية والاستخباراتية، وتستهدف، في جانب منها، التأثير على الإدراك والرؤى، وضرب تماسك الخصوم من الداخل. والمؤشر الرابع والأخير الذي ينتمي إلى طبيعة مختلفة يكمن في انعكاسات التغيرات المناخية الجارية أمامنا، وعنوانها ارتفاع معدلات الحرارة عالمياً، والتي تفتح الباب أمام الفوضى والعنف، والتغيرات الديموغرافية، والهجرات، والفقر، ومن شأنها أن تفضي إلى اندلاع النزاعات والحروب.
قد يهمك أيضًا: ترمب يتفق مع زيلينسكي على تعزيز الحماية الجوية
إزاء تكاثر التهديدات وفي عالم لم يعد آمناً، تؤكد أوساط الإليزيه أن ماكرون سيعمد إلى «استخلاص العبر حول ما يتعين أن تقوم به فرنسا» لتكون جاهزة للمرحلة المستقبلية، خصوصاً في موضوع «الجهود الدفاعية الإضافية».
وقال ماكرون، الخميس، في إطار مؤتمر صحافي في لندن مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: «من الواضح جداً أنه يجب علينا اليوم مراجعة برامجنا واستراتيجيتنا، ومراجعتها في ضوء الطبيعة المتغيرة للمخاطر».
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قاعدة نورثوود البريطانية يوم 10 يوليو (أ.ف.ب)
وهذه المخاطر رصدها «التقرير الاستراتيجي» الجديد الذي طلب ماكرون من وزارة الدفاع إعداده. ومن جملة ما يتضمّنه، إضافةً لرصد دقيق للتهديدات كما تراها فرنسا، توضيح «العقيدة الدفاعية للبلاد أي كيفية مواجهتها لهذه المخاطر. والجديد في هذه المقاربة النظرة إلى طبيعة ودور القوة النووية الفرنسية، كما برز ذلك من خلال الاتفاق الذي أبرم بين ماكرون وستارمر حول «التنسيق» الثنائي في هذا الميدان الحساس، والحديث المتنامي عن «المظلة النووية» المشتركة الفرنسية – البريطانية لحماية القارة الأوروبية على ضوء المخاوف من انحسار المظلة الأميركية – الأطلسية.
ونقلت صحيفة «لو موند» في عددها الأخير عن مصادر رئاسية، أنه استناداً إلى استنتاجات المراجعة الاستراتيجية الوطنية التي كلّف بها في يناير (كانون الثاني)، «سيقول الرئيس إننا في نقطة تحول؛ لأن الحرية ربّما لم تكن مهددة اليوم كما كانت مهددة منذ عام 1945».
وبحسب هذه المصادر، فإن الغرض من خطاب ماكرون «هو مناقشة التهديدات مرة أخرى، واستخلاص النتائج فيما يتعلق بجهود الدفاع والتمويل المرتبط بها»، وسيكون ذلك بالنسبة له «خطاباً هيكلياً لمستقبل قواتنا المسلحة». وباختصار، فإن المرتقب هو ما سيفصح عنه ماكرون من قرارات بشأن الملف الدفاعي، وهو المسؤول الأعلى عنه بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة والطرف الموكل دستورياً بإتاحة استخدام القوة النووية.
منذ أن وصل ماكرون إلى الرئاسة ربيع عام 2017، عمد إلى الارتقاء بميزانية وزارة الدفاع الإجمالية التي زادت، العام الماضي، على 64 مليار يورو. ووفق الخطة العسكرية الممتدة من 2024 إلى 2030، فإن ميزانية القوات المسلحة ستصل إلى 413 مليار يورو. بيد أن وزير الدفاع، في زمن تقليص النفقات، يطالب بـ3 مليارات يورو إضافية بينما فرنسوا بايرو، رئيس الحكومة، يسعى لتوفير 40 مليار يورو.
كذلك، تتعين الإشارة إلى أن باريس وعدت، في إطار قمة الحلف الأطلسي الأخيرة التي التأمت في مدينة لاهاي الهولندية، كما فعل أعضاء الحلف الآخرون، برفع ميزانيتها العسكرية، بهدف الوصول إلى 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام بحلول عام 2030. وتم ذلك بضغوط متواصلة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
من جانبها، نقلت «صحيفة يوم الأحد (جي دي دي)» في عددها اليوم عن مُقرّب من الرئاسة أن «جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع بحاجة إلى إدراك حجم التهديد، والحاجة إلى إعادة التسليح العام». وينطبق الأمر على «الشركات وشركات النقل والمستشفيات التي تحتاج إلى إعادة تسليح نفسها ضد مخاطر الهجمات الإلكترونية وصولاً إلى المواطن الفرد الذي يتم تذكيره بواجب اليقظة». وباختصار، فإن ماكرون يريد «تعبئة المجتمع وتهيئته لمواجهة المخاطر المقبلة». وأحد السبل لذلك إعادة النظر بملف الخدمة العسكرية، علماً أن باريس ألغت التجنيد الإجباري منذ عقود. والغرض من ذلك تنشيط العلاقة بين الجيش والأمة».