الإثنين, أغسطس 11, 2025
الرئيسيةالوطن العربيالسعودية«محميّة محمد بن سلمان الملكيّة» تُعيد رسم ملامح «قطاع الحماية البيئية في...

«محميّة محمد بن سلمان الملكيّة» تُعيد رسم ملامح «قطاع الحماية البيئية في السعودية»

في عمق شمال غربي السعودية، تمتد «محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية» على مساحة 24,500 كيلومتر مربع من اليابسة والبحر، لتكون شرياناً بيئياً نابضاً يربط بين «نيوم» ومشروع «البحر الأحمر» ومنطقة «العلا».

ورغم أنها تمثل 1 في المائة فقط من مساحة الأراضي في السعودية، فإن المحمية تحتضن أكثر من 50 في المائة من أنواع الكائنات الحية، مما يجعلها واحدة من أكثر المناطق المحمية تنوعاً بيولوجياً في الشرق الأوسط، لكن ما يميّزها ليس فقط التنوع الطبيعي، إنما من يقوم على حمايتها.

وبالتزامن مع يوم المفتش البيئي العالمي، الذي يصادف يوم الخميس الموافق 31 من الشهر الحالي، ينهض جيل جديد من المفتشين البيئيين من قلب المجتمعات المحلية بمهمة حماية الإرث الطبيعي والثقافي، في البر والبحر، ضمن نطاق المحمية.

حول ذلك، يقول أندرو زالوميس، الرئيس التنفيذي للمحمية لـ«الشرق الأوسط»:«تلقّينا نحو 40 ألف طلب للانضمام إلى فرق الحماية خلال أربع حملات توظيف حتى الآن، وقد شكّلت النساء 30 في المائة من هذه الطلبات. واليوم، تمثّل النساء 34 في المائة من إجمالي عدد الحُمَاة البالغ 246، وقد تولّت كثيرات منهن مناصب قيادية، متجاوزات بذلك المتوسط العالمي لمشاركة النساء في هذا القطاع، الذي لا يتعدّى 11 في المائة».

زالوميس أكد أن المحمية لا تكتفي بإعادة توطين الحياة البرية بل تعيد رسم ملامح الحماية البيئية في المملكة (واس)

ووصف زالوميس ذلك بـ«الإنجاز البارز لهذا القطاع الناشئ في المملكة»، مؤكّداً أنه يتماشى مع أهداف «رؤية السعودية 2030» فيما يخص تمكين المرأة في سوق العمل.

وشدّد زالوميس على الالتزام بإعادة تشكيل «مفهوم حماية الطبيعة»، لافتاً إلى أن ذلك يأتي «بينما نُعيد الحياة البرية إلى الجزيرة العربية»، ونوّه في الإطار ذاته بأن هذه الأرقام تؤكد أن المحمية لا تكتفي بإعادة توطين الحياة البرية، بل تعيد رسم ملامح «قطاع الحماية البيئية في المملكة»، ليقوده أبناء المنطقة من النساء والرجال من قلب مجتمعاتهم.

نوصي بقراءة: عبد الله عطيف يعلن اعتزاله: هزمتني ركبتي واتخذت القرار الأصعب

انتصار البلوي، من فريق المفتشين البيئيين في المحمية، تمثّل نموذجاً ملهماً حيث يتقاطع التراث الشخصي مع الدور البيئي، لكونها نشأت في «الفارعة»، إحدى قرى المحميّة، وكانت ترافق والدها في رحلاته البرية منذ طفولتها، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كانت رحلتي في المحمية مليئة بالتجارب، لكن لحظات مثل وقوفي أمام نقشٍ أثري، أو مشاهدة أرنب بري، أو نباتات مهددة بالاندثار، غيّرت نظرتي لعملي. رأيت فيها رموزاً لحضارات عريقة، وكائنات تستحق الحياة، وطبيعة تحتاج من يحميها».

تواصل المفتشة البيئية البلوي القول: «منذ ذلك اليوم أدركت أن دوري لا يقتصر على تسجيل مخالفة أو رفع تقرير، بل يتجاوز ذلك ليكون رسالة ومسؤولية لحماية البيئة بكل مكوناتها: الطبيعية، والثقافية، والتاريخية. وصرت أؤمن أن حماية النقوش، والحيوانات البرية، وحتى المسارات البرية، هو واجبنا جميعاً، لنرعى هذا الإرث ونوصله بأمان للأجيال المقبلة».

تقرّ البلوي بأن بدايات عملها لم تكن سهلة. فقد واجهت هي وزميلاتها كثيراً من التحديات، أبرزها نظرة المجتمع المحافظ للمرأة في أدوار ميدانية، وتقول: «لم يكن هناك تقبل كبير لعمل المرأة في المحمية، خصوصاً في دور التفتيش البيئي. وواجهنا كثيراً من نظرات الاستغراب، حيث لم يكن من المألوف لديهم رؤية امرأة تؤدي هذا النوع من المهام. لكن مع مرور الوقت ومع الجهد والإصرار وإثبات الكفاءة في الميدان، بدأ هذا التصوّر يتغير تدريجياً».

وتابعت: «تغيرت النظرة وزاد تقبّل دور المرأة، بل بدأ البعض يُعبّر عن إعجابه وافتخاره بهذا الحضور النسائي الفاعل. واليوم صار وجود المرأة في هذا المجال دليلاً على قدرتها على المساهمة الفعلية في حماية البيئة، وتأكيداً على أن الأدوار لا تُقاس بالجنس، بل بالكفاءة والالتزام».

وعن أبرز لحظاتها في «محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية»، قالت: «قمت بعدّة جولات ميدانية في المحمية، وكان من أبرز ما لفت انتباهي وجود كثير من النقوش الأثرية المذهلة، منها رسومات لحيوانات مهددة بالانقراض مثل الفهد، ومنها نقوش قديمة تحكي ثقافات عريقة، مثل النقوش الثمودية. وقد أثرت هذه النقوش فيّ بشكل عميق، إذ شعرت بأنها تروي قصص شعوب سكنت هذه الأرض منذ آلاف السنين، مما زاد من اهتمامي بتوثيقها، والسعي إلى الحفاظ عليها، ونقل هذا الإرث الثقافي الثمين إلى الأجيال المقبلة».

ومع اختلاف المهام التي تسند إلى فريق المفتشين البيئيين من توثيق القطط الرملية النادرة والنقوش الأثرية إلى المهام التقليدية، مثل مكافحة قطع الأشجار الجائر، ونشر الوعي البيئي، تعيد هذه المهام تشكيل معنى حماية البيئة، حيث تشير البلوي إلى أن هذا العمل «ليس مجرد وظيفة، بل رسالة نؤديها تجاه أرضنا وتاريخنا، ومساهمة في الحفاظ على التوازن بين الإنسان والطبيعة. ما نقدمه اليوم هو امتداد لإرث عميق، وواجب أخلاقي تجاه الأجيال المقبلة، لنترك لهم بيئة غنية وآمنة يعتزون بها ويفتخرون بالانتماء إليها».

أما رسالتها إلى الجيل الجديد من الشابات السعوديات فتختصرها بالقول: «أود أن أقول لهّن إن البدايات قد تكون صعبة، لكن الإصرار والعزيمة يجعلان المستحيل ممكناً. لقد واجهنا التحديات وتمكّنا من تجاوزها، وفتحنا أبواباً في هذا المجال كنا نحلم بها. لا شيء يقف في طريق من تمتلك الشغف والإرادة. إن دورنا في هذه البيئات أساسي في تنمية المجتمع، والحفاظ على البيئة، وصون التراث. قصتي بدأت من أرضي وبيئتي التي نشأت فيها، وكان هدفي أن أكون جزءاً من الحفاظ عليها وتنميتها، لا مجرد شاهدة على تغيّرها».

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات