الأربعاء, يوليو 30, 2025
الرئيسيةالاخبار العاجلةمساعدات غزة... «مسرحية» للنهب المفتوح

مساعدات غزة… «مسرحية» للنهب المفتوح

رغم استئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل محدود وغير كاف، كما يؤكد كثير من الجهات الحكومية وكذلك الدولية والأممية، فإن المستفيد الأكبر من إدخالها في ظل الفوضى الحالية داخل القطاع، هم قطاع الطرق وبعض العصابات واللصوص.

ويعاني قطاع غزة من فوضى حقيقية لم تنجح كل محاولات حكومة «حماس» في القضاء عليها؛ بفعل الاستهداف المتكرر لعناصرها من قِبل إسرائيل، وكان آخرها مساء الاثنين، محاولات التجمع الوطني للعشائر والقبائل والعائلات الفلسطينية تأمين بعض المساعدات، التي دخلت من معبر زيكيم، شمال غربي القطاع، قبل أن يقدم الجيش الإسرائيلي على قصف إحدى مجموعات التأمين؛ ما أدى إلى مقتل 5 منهم وإصابة 13 بجروح متفاوتة، لحظة دخول شاحنات المساعدات؛ الأمر الذي سمح لقطاع الطرق وبعض العصابات المسلحة بالدخول فوراً ونهب تلك الشاحنات.

فلسطينيون يكافحون للحصول على الغذاء من مطبخ خيري في مدينة غزة الاثنين (رويترز)

ولم تنجح الشاحنات التي دخلت من مصر بالوصول إلى الأماكن المخصصة لها، بما في تلك المخصصة للجالية المصرية أو الجالية المسيحية بغزة، وذلك بفعل سرقتها ونهبها.

ويمكن القول بوضوح ومن المعاينة على الأرض، فإن جميع المساعدات بما فيها تلك التي تم إسقاطها جواً تعرَّضت للنهب والسرقة، عدا جزء بسيط جداً منها استطاع بعض المواطنين ممن يبحثون عن سد رمق أبنائهم في الحصول عليها بصعوبة بالغة، بعد أن دخلوا في عراك كبير مع بعض اللصوص.

الشاب الغزي، جميل حسنة، من سكان حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، وعلى مدار 4 أيام كان يقطع مسافة نحو 3 كيلومترات حتى وصل إلى منطقة شمال غربي السودانية، إلى الجزء الشمالي الغربي من قطاع غزة؛ من أجل محاولة الحصول على كيس (شوال) من الدقيق (الطحين) يصل وزنه إلى 25 كيلوغراماً، إلا أنه لم ينجح في أي منها بالحصول عليه سوى مرة واحدة، وفي تلك المرة تكاثر عليه بعض اللصوص واعتدوا عليه بالضرب المبرح قبل أن يأخذوا منه ما بحوزته، بعد معاناة لساعات طويلة كان ينتظر فيها الحصول على الدقيق لعائلته.

فلسطينيون نجحوا في الحصول على أكياس دقيق (طحين) برفح الاثنين (أ.ف.ب)

يقول حسنة لـ«الشرق الأوسط»، إنه نجا بأعجوبة من موت محقق في تلك اللحظة، بعد أن كان نجا قبلها بأيام من قذيفة مدفعية أطلقتها دبابة إسرائيلية تجاه مجموعة من الشبان كان يبعد عنهم نحو 20 متراً، بعد أن سقطت في وسطهم وحولتهم أشلاءً أثناء انتظارهم شاحنات المساعدات.

ويشير حسنة، إلى أن هناك الكثير من المواطنين ممن يحتاجون فعلاً إلى المساعدات يتوجهون، لكنهم لا يستطيعون الحصول عليها، لأن هناك عصابات مسلحة بأسلحة مختلفة، منها نارية وأخرى بيضاء، وهناك لصوص عبارة عن مجموعات من أصدقاء وغيرهم يتكاثرون أيضاً ويحملون أسلحة بيضاء وينهبون ما يستطيعون، وهناك عصابات بالأساس يقف خلفها التجار ويدفعون لهم مبالغ مالية مقابل الحصول على المواد الغذائية المدخلة؛ بهدف بيعها في الأسواق بأسعار باهظة الثمن.

في غالبية أسواق قطاع غزة، ما أن تدخل شاحنات المساعدات ويتم نهبها، حتى يتم عرض ما يُنهب منها بأسعار باهظة الثمن، لا يكاد الموظف الحكومي أو في القطاع الخاص من أصحاب الرواتب متوسطة المدى، أن يستطيع شراءها بسبب غلائها من جانب، وعدم توفر السيولة النقدية من جانب آخر والتي في حاجة إلى أن تحصل عليها في ظل إغلاق البنوك، إلى دفع عمولة وصلت إلى 48 في المائة. (أي كل 100 دولار في التطبيق البنكي تحولها إلكترونياً لحساب التاجر، تحصل مقابلها 52 دولاراً نقداً منها).

طاقم طائرة نقل عسكرية أردنية يستعدون لإسقاط رزم مساعدات فوق غزة الاثنين (رويترز)

نوصي بقراءة: وزارة السياحة تخصص 500 ألف دينار لتأهيل موقع أم الجمال الأثري

يقول الموظف في السلطة الفلسطينية، أحمد المغربي، من سكان حي الصبرة جنوب مدينة غزة: «مش عارفين شو نعمل بحياتنا، الحرامية واللصوص بتحكمون فينا… بأكلنا وبفلوسنا وبكل جزء بحياتنا، ومشان هيك الهجرة أفضل حل».

ويشير المغربي إلى أن عصابات اللصوص، التي تقف بشكل أساسي خلفها أيادٍ خفية من تجار وغيرهم، تقوم بسرقة المساعدات ونهبها، وتشعر وكأن لديها تنسيقاً مع إسرائيل للوصول للمساعدات قبل المواطنين؛ لأنها تتدفق لأماكن نقاط دخولها وتعرف طرق وصولها قبل معرفة السكان بذلك. وفق قوله.

يضيف المغربي: «هذه الحقيقة المُرّة تسيطر على حياتنا في غزة، ونحن نشعر بذلك ونراه بأنفسنا، فالظروف قاهرة جداً، والحياة مرة وصعبة، ولم تعد تحتمل في ظل تحكم هؤلاء اللصوص في كل مناحي الحياة… ما رأينا مساعدات من أي دولة وصلتنا، فقط اللصوص ومن يقف خلفهم هم المستفيدون من ذلك، وعلى العالم أن يتوقف حتى يجد طريقة حقيقية لتأمين هذه المساعدات وتوزيعها بشكل عادل عبر المؤسسات الأممية والدولية، كما كان في وقف إطلاق النار السابق وفي المرحلة التي سبقتها».

امرأة وأطفال يتفرجون على محتويات صندوق من رزم المساعدات التي تم إسقاطها جواً فوق مدينة غزة الاثنين (رويترز)

ويرى كثيرون من سكان قطاع غزة، كما ترى منظمات أممية، أنه من دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن من الصعب حماية هذه المساعدات ووصولها إلى مستحقيها.

وشهدت غزة في الأيام القليلة الماضية، عمليات إسقاط جوي للمساعدات الإنسانية، من قِبل بعض الدول العربية، إلا أن الكثير منها سقط بشكل أساسي في مناطق يوجد بها الجيش الإسرائيلي، كما جرى في بعض مناطق جنوب خان يونس، وكذلك في شرق مدينة غزة، في حين سقطت أخرى بمناطق يوجد بها غزيون، إلا أن غالبيتها تعرضت للسرقة وعُرضت في الأسواق للبيع بأسعار باهظة الثمن.

وبلغ سعر كيلو السكر نحو 130 دولاراً بعدما كان في الأيام الماضية ما بين 150 و170 دولاراً، في حين تراوحت أسعار المعلبات الغذائية من اللحوم والمطبوخات الجاهزة التي تحتاج فقط إلى تسخينها، ما بين 44 و60 دولاراً، وهي أسعار تنطبق على غالبية ما يتوفر من بضائع المساعدات.

محتويات صندوق من رزم المساعدات التي تم إسقاطها جواً فوق مدينة غزة (رويترز)

ويوضح برنامج الأغذية العالمي أنه خلال يوم الاثنين دخلت 55 شاحنة إلى قطاع غزة، وتم الاستيلاء عليها من قِبل حشود الفلسطينيين قبل وصولها، مؤكداً أنه لم يحصل أي تغير على الأرض في قطاع غزة، ولم يتم السماح باستخدام طرق بديلة لإدخال المساعدات.

ولا يكتفي اللصوص والعصابات وغيرهم بسرقة المواد الغذائية، بل يعملون على سرقة الحليب و«البامبرز» (حفاضات الأطفال) المفقودين بشكل أساسي لدى وزارة الصحة والسكان، ويبيعونه بالأسواق بأسعار باهظة الثمن، حيث وصل ثمن علبة الحليب الواحدة 69 دولاراً، في حين وصل سعر حبة البامبرز الواحدة 4 دولارات.

ووصفت المواطنة نسرين العاصي، من سكان بلدة بيت لاهيا والنازحة إلى غرب مدينة غزة، قضية إدخال المساعدات بأنها مجرد «مسرحية» تريد من خلالها إسرائيل أن تظهر أمام المجتمع الدولي بأنها تسمح بإدخال هذه المساعدات، لتخفيف المجاعة بغزة، وهي بالأساس تعمل على إدارة هذه المجاعة، بما يحقق أهدافها في الفوضى القائمة حالياً والتي هي تقف خلفها من خلال ترك المجال لعصابات اللصوص بالسيطرة على كل شيء، في وقت يتم فيه استهداف عناصر التأمين من جانب، ومن جانب آخر ترفض أن يتم تأمين الشاحنات وتفرض على السائقين التوقف في الشوارع العامة بما يسمح بنهبها. وفق قولها.

ويؤكد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، أن الغالبية العظمى من الشاحنات تتعرض للنهب والسرقة وبشكل ممنهج، كما أن المساعدات التي يتم إسقاطها لا تتجاوز حمولتها يومياً نصف شاحنة مساعدات، وسقط بعضها في مناطق مصنفة حمراء. وقال: «إن ما يجري في قطاع غزة، يُعدّ نموذجاً واضحاً وممنهجاً على أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى بوعي إلى نشر الفوضى وهندسة المجاعة، ويمنع عمداً وصول المساعدات إلى مستودعاتها أو مستحقيها، بما يشكّل جريمة متعمدة ومستمرة بحق المدنيين المحاصرين».

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات