السبت, يوليو 19, 2025
spot_img
الرئيسيةالوطن العربيالسعوديةمنصة «ميم»... نافذة جديدة للنقد السينمائي

منصة «ميم»… نافذة جديدة للنقد السينمائي

في مشهد سينمائي يتشكّل بسرعة غير مسبوقة، ظهرت مبادرات طموحة تسعى لردم فجوة النقد السينمائي العربي، وإعادة الاعتبار للفن السابع بوصفه مجالاً للتأمل والسؤال لا مجرد الترفيه، ومن هنا برزت المنصة السعودية «ميم» التي أسستها وتقودها بحسّ بصري وفكري عميق الكاتبة مها سلطان، بصفتها صوتاً مختلفاً يقدم رؤية عميقة وشابة للعلاقة بين الفيلم والمتلقي، وبين النص البصري والكلمة المكتوبة.

تتحدث مها سلطان لـ«الشرق الأوسط» عن بداية تشكّل علاقتها مع السينما، التي لم تكن مجرّد هواية أو مهنة، بل بوصلة حياة، مضيفة: «السينما هي كل شيء بالنسبة إليّ».

وتنطلق في توصيف علاقتها بها من استعارة مدهشة تربط بين العتمة والضوء، كما لو أن الشاشة البيضاء هي الخيط الذي ينتشلنا من واقع باهت نحو أحلام باطنة. وترى أن لكل إنسان فيلماً باطنياً يحفزه على المضيّ قدماً.

وتختم هذا التأمل بالقول: «ما دُور السينما دونما أفلام تُعرض؟ غرفٌ مظلمة بمقاعد كثيرة، هكذا هو الإنسان، بلا أحلام، بلا سينماه الباطنيةِ، عتمة مطبقة بقدرات كثيرة معطلة».

مها سلطان خلال مشاركة منصة «ميم» في إحدى الفعاليات السينمائية (الشرق الأوسط)

تقول أن فكرتها بدأت قبل نحو 3 أعوام بدافع من شغفها الشخصي بالسينما، فلطالما أحبت الفن السابع منذ صغرها، وما لبثت أن تحوّلت «ميم» إلى مبادرة تستشعر الفراغ الكبير في المحتوى السينمائي العربي، خصوصاً في الشأن النقدي، وذلك بدعم من كتّاب وأصدقاء متعطشين لمنصة محلية جادة، حيث بدأت «ميم» بنشر قراءات وترجمات متخصصة، لتتحول لاحقاً إلى مشروع يحمل طابعاً مؤسسياً ومجتمعياً.

تقول مها: «وجدت نفسي مع تطوّر المشروع، وتفرّعه، أدخل في حالة تشبه الولادة من جديد… صار يلزمني أن أرى أكثر، أن أتحرك بوتيرة أسرع، أن ألّبي كل احتياج يطرأ على الساحة». إلا أنه مع ازدياد عدد المنصات السينمائية ازدادت المنافسة شراسة.

وبسؤالها عمَّا يميّز «ميم»، ترى أن هناك ميزتين تصنعان الفارق: الأصالة والأذرع المفتوحة. فهي لا ترى في «ميم» مجرد منصة تُخاطب جمهورها، بل تعد القارئ هو «الأساس»، ومن منطلق هذا الوعي بالمتلقي جاء الدافع إلى إنتاج مواد نقدية جادة، بأقلام شابة في الغالب، تنظر إلى الأفلام من زوايا غير معتادة، وتطرح أسئلة تفتح أفق النقاش ولا تُغلقه.

اقرأ ايضا: «السيادي» السعودي يتصدر عالمياً في الحوكمة والاستدامة

واجهة منصة «ميم» السينمائية (الشرق الأوسط)

وتضيف: «في “ميم” لا نرغب في توجّيه القارئ إلى هذه الناحية أو تلك، بل نريد أن نجعله يتساءل، وأن يشاهد فيلمه المفضل مرة ومرتين وثلاثاً، وأن يكون واعياً بأدواته الفكرية والفنية إذا أراد أن يصنع فيلماً».

وعن أرشيف المنصة، توضح أن عدد المواد المنشورة على المنصة منذ انطلاقها في عام 2022، بلغ نحو 700 مادة ما بين التأليف والترجمة، في حين وصل عدد الكتّاب والمترجمين المتعاونين إلى 170 شخصاً. مؤكدةً أن هذا التنوع تحقق بفضل سياسات تحريرية محكمة، ودعم متواصل للكتّاب على المستويين التحريري واللغوي، بما يضمن جودة النص وعمقه.

تشير مها سلطان إلى رحلة التحول إلى شركة، وهو الأمر الذي لم يكن مخططاً له منذ البداية، لكنه جاء نتيجة طبيعية لنمو المبادرات، قائلةً: «بدأنا نشعر بأن الوسط بحاجة إلى خدمات أوسع من أن تُحصر في مبادرة واحدة». مشيرةً إلى أنه لهذا السبب توسعت «ميم» في شراكاتها مع كيانات مثل برنامج «سينماك» على قناة «MBC الثقافية»، ومبادرة «سينماء» المدعومة من هيئة الأفلام، إلى جانب مشاريع كتابة إعلانات وبرامج فنية. ولفتت إلى أن إنشاء الشركة لم يكن قراراً عابراً، بل كان ضمن إطار رسمي يدعم استدامة هذه المبادرات ويمنحها طابعاً مؤسسياً يمكن الاعتماد عليه.

وعن قراءتها للمشهد السينمائي المحلّي، تؤكد أهمية التنوع والتجديد وإعادة النظر في التجارب السابقة، وترى أن الفنان الحقيقي هو من يراجع ذاته دائماً. مضيفةً: «لا أعتقد أنه يوجد فنّان حقيقي، مخرج أو كاتب أو ممثل، ما لم يكن دائم النظر في إنجازه. الفنانُ، في الجوهر، شكّاكٌ على الدوام. من هذه الخصلة، تحديداً، يتجدد ويحاول الخروج من مكانه الضيق. حتى ولو نجح في تجربة أو اثنتين، عليه أن يُعيد النظر وإلا خَمَلَ وماتت جذوة الفن فيه، بمرور الوقت». مبينةً أن هذا التجدد الفردي هو ما يصنع التعدد في المشهد ككل، ويحوله إلى «حديقة من التفرد».

ولا تنكر مها وجود فجوة سابقة بين صنّاع السينما والنقاد، لكنها ترى أنها بدأت تتضاءل تدريجياً، بفضل وعي الجيل الجديد من المخرجين والمنتجين بأهمية العلاقة التكاملية مع النقد، معتبرةً أن هذا التطور من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الصناعة بأكملها، ويجعلها أكثر نضجاً واستيعاباً للحوار البنّاء.

وعن طموحاتها، تقول: «الطموح مرهون بالواقع، وواقعنا في المملكة العربية السعودية مزدهر ومشرع للأحلام». وتختم حديثها بتأكيد أن السينما السعودية ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل مسؤولية تجاه العالم، ورسالة تحمل في طياتها ملامح الوطن وتطلعاته.

يشار إلى أن منصة «ميم» أعلنت هذا الأسبوع، تأسيس نادي السينمائيين الجدد (Neo-Cinéphiles Club) بالشراكة مع منصة «هنا المستقبل» في العاصمة الرياض، وهو نادٍ يهدف إلى بناء فضاء تفاعلي بين عشاق السينما وصنّاعها، من خلال عروض أفلام، وجلسات نقدية، وورشات فنية ودورات متخصصة، تفتح المجال أمام المساهمات الشبابية وتدعم ثقافة التحليل السينمائي العميق.

وتنطلق أولى فعاليات النادي يوم الجمعة 4 يوليو (تموز)، بحفل تدشين يتضمن جلسة حوارية بعنوان «الجديد ليس صفة… إنه مفهوم»، تركز على دور التجديد في نهضة السينما السعودية.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات