تنتمي هدى روحانا إلى فناني الزمن الجميل. واكبت أجمل حقبه وشكّلت واحدة من أشهر نجومه. واستطاعت من خلال أغنية واحدة حملت عنوان «حبيبي بحبّ التشّ» أن تنافس أهم المتسابقين في برنامج «ستوديو الفن». كان ذلك في عام 1974 وعمرها 15 سنة، عندما حصدت الميدالية الذهبية. ومن بين زملائها الذين حققوا نجاحاً في الموسم نفسه من البرنامج، ماجدة الرومي وغسان صليبا وعبد الكريم الشعار.
تروي هدى قصتها مع هذه الأغنية التي وضعتها على عرش الغناء بين ليلة وضحاها. «لطالما أحببت الغناء وتأثرت كثيراً بالراحلة صباح. وكذلك كنت معجبة بالسيدة فيروز. في إحدى المرات خلال حفلة فنية أقيمت في المدرسة التي أتعلم بها، أعجب بصوتي مدير المؤسسة غصن أبو جودة. كان يتمتع بأذن موسيقية دقيقة، وطلب مني تقديم أغاني (قصيدة حب) للرحابنة. يومها سمعني كمال بدوي وكان يرافق أحد أقربائي. وهو كان المحفّز الأول لدخولي (ستوديو الفن)».
تكمل هدى قصتها مع «حبيبي بحبّ التش» التي ولدت بعد منع متكرر من والدها لدخول عالم الغناء. «عندما اقتنع أخي بموهبتي اضطر والدي إلى مجاراته. وبذلك كتب كمال بدوي كلام الأغنية ولحّنها جميل نحاس، فيما تولّى مهمة التوزيع الموسيقي الراحل روميو لحود وكان من أعضاء لجنة الحكم في البرنامج المذكور».
بين الماضي والحاضر هدى عندما أصدرت أغنيتها في السبعينات (هدى روحانا)
منذ لحظة عرض الأغنية في «ستوديو الفن» لاقت انتشاراً واسعاً، فصارت في اليوم التالي على كل شفّة ولسان. يرددها الباعة على الطرقات، كما ربات المنازل في بيوتهن، والموظفون والحلاقون وغيرهم. هنا قرر مخرج «ستوديو الفن» الراحل سيمون أسمر أن يتم تسجيلها. «بالفعل استغرق منا ذلك بعض الوقت كي نحصل على موعد من استديوهات بعلبك للتسجيل. وبالتالي كان علي الالتقاء بالراحل روميو لحود في مسرح (إليزيه) في الأشرفية. كل هذه المراحل كان والدي يرفضها. فما كان من أسمر إلا أن توجه إلى منزلنا والتقى والدي كي يقنعه بالأمر، فوافق. وعندما لمس الراحل سيمون أسمر الشهرة التي حققتها الأغنية قرر تصويرها فيديو كليب».
بالفعل تم تصوير الأغنية في جامعة «الروح القدس» في الكسليك بإدارة المخرج برونو أنجليني. ولكن شاءت الصدف أن تندلع الحرب اللبنانية في أبريل (نيسان) من عام 1975، ومعها انقلبت حياة هدى روحانا رأساً على عقب، لا سيما وأن الحرب أفقدتها شقيقها. فعزلت نفسها عن الحياة العامة ومن ثم أخذتها الأيام إلى الزواج وبناء عائلتها الصغيرة. وتسألها «الشرق الأوسط»: «هل صحيح أنك هاجرت إلى كندا وانقطعت أخبارك تماماً؟»، ترد: «لا لم أهاجر إلى أي مكان. وطأة وفاة أخي كانت ثقيلة علينا جميعاً. سافرت فيما بعد إلى أميركا مع ابني وأولاده، ولكن ما لبثت أن عدت إلى لبنان».
تبدي إعجابها بأغاني الفنان وائل كفوري (هدى روحانا)
نوصي بقراءة: «زر اللايك»… مفصل في تاريخ الثقافة
بحماس كبير تخبرك هدى روحانا قصة أغنيتها «حبيبي بحبّ التش»، فتذكّرها بأحلامها وبطموحات كانت تتمناها. «لقد خيّرت نفسي بين الفن وبيتي والأولاد. ووجدت نفسي لا شعورياً ألحق بمشاعر الأمومة».
بعد غياب نحو 40 عاماً عن الساحة، عادت روحانا لتطلّ من جديد عبر مسرح مهرجان «الزمن الجميل». وقفت على المسرح وصدح صوتها بأغنية لم ينسها الناس، بالرغم من مرور كل هذا الوقت. وتعلّق: «عندما أمسكت بالميكروفون وأنا أستعد للغناء، استرجعت شريط تلك المرحلة التي وقفت فيها لأول مرة على المسرح. لا يمكنني أن أصف هذا الشعور الذي ينتابني عندما أغني. هناك إحساس بالفرح وكأني أحلّق في عالم آخر».
تخلّت هدى روحانا عن حلمها الفني وجاهدت كي تنساه. «بكيت وتعذبت وتعبت عندما تخليّت عن حلم حياتي. كانت حالتي تتفاقم في كل مرة أرى أحد زملائي في البرنامج يحقق نجاحاً تلو الآخر. عزائي كان أنني بدوري حققت في فترة ما نجاحاً مدوياً. ما عوّضني هم أولادي. فأنا فخورة كوني أنشأت عائلة سعيدة وعندي اليوم الأبناء والأحفاد».
ربما لو وجدت هدى روحانا من يدعمها ويشدّ من عزيمتها كانت الأمور اختلفت معها. فهي حتى عندما شقت طريقها كانت تحارب وحيدة. «في إحدى المرات وعندما كنت أقوم بطبع النسخة الثانية من أغنية (حبيبي بحب التش) في مركز (موزار شاهين) سألني صاحب المركز: أليس هناك من أحدٍ يدعمك ويقف خلفك؟».
وعندما تسأل «الشرق الأوسط» روحانا عما إذا هذا الحلم يراودها اليوم، تقول: «لا أبداً، لقد زال تماماً من رأسي. عشت النجومية في بيتي، وكنت مكتفية بهذه المساحة الصغيرة لفترة وانتهت. في تلك الفترة، كنت لا أستطيع السير على الطريق من كثرة المعجبين والمعجبات. فالأغنية حققت شهرة واسعة، وأعدّ نفسي عشت الحلم ولو لوقت قصير».
وعندما طلب منها المشاركة في «مهرجان الزمن الجميل» خافت وتردّدت: «صرت أتساءل ماذا سأقدم بعد كل هذه الغيبة؟ وهل سيتفاعل معي الحضور أم لا؟ رغبت في أن تبقى صورة هدى القوية والناجحة في ذاكرة الناس. سبق واعتذرت عن المشاركة في هذا التكريم. لكن هذه المرة ألحّ عليّ مؤسسه دكتور هراتش والمنتج رالف معتوق. فأصرّا على مشاركتي. وعندما صعدت المسرح ولاقيت كل هذا التجاوب من قبل الناس، تفاجأت وفرحت في الوقت عينه».
هدى التي ترى ضرورة حفظ الهوية في الفن ليحفر في الذاكرة، تشير إلى أنها تأكدت من ذلك عندما غنّت «حبيبي بحبّ التش» بعد غياب. «كنت راضية عن صوتي وحضوري وتفاعل الناس معي. وقد رافقتني لوحة تعبيرية راقصة وأنا أغني مباشرة على الهواء. كانت لحظات رائعة لا سيما وأن (مهرجان الزمن الجميل) هو تكريمي بحت. يبتعد كل البعد عن الطابع التجاري السائد في مهرجانات أخرى».
وعن رأيها في الساحة اليوم، تقول: «لا أستطيع أن أتفرّج ولا على أي كليب مصور. لكني في المقابل معجبة بأغانٍ لوائل كفوري. لا أنتقد من باب التجريح أبداً، وأعتقد أن نجاح عمل ما والنظرة الفنية له باتا مختلفين جداً عن الماضي».