إسطنبول، المدينة التركية التي تمتد على قارتين، لا تنام أبداً. في الصباح الباكر، تحلق طيور النورس في السماء بينما تنطلق الدراجات النارية في مختلف الزوايا، ويخرج الباعة الجائلون يدفعون عرباتهم إلى الأرصفة. يملأ صخب 16 مليون شخص أيام المدينة، وحتى القطط المنتشرة في كل مكان والمحبوبة من قبل كثير من السكان المحليين، تبدو مشغولة. مع حلول المساء، تتدفق العائلات والأزواج والأصدقاء إلى المطاعم والمقاهي الكثيرة في المدينة، وتمتزج حواراتهم مع رائحة الشاي الأسود المنتشرة في كل مكان. وتعد المدينة، التي تعرف باسم إسطنبول منذ عام 1930، مركزاً للثقافة والتجارة والسلطة منذ أكثر من 2000 عام، وبفضل مبانيها التي تعود إلى العصرين البيزنطي والعثماني، فهي مكان لا يبدو فيه الماضي بعيداً أبداً. ومع ذلك، تزدهر الثقافة المعاصرة هناك. أولئك الذين يغامرون بالذهاب إلى الأحياء العديدة خارج المركز التاريخي، سوف يجدون المتاجر الأنيقة، وأماكن مثيرة للموسيقى الحية، ومطاعم، ومقاهٍ عصرية، بالإضافة إلى الفن المعاصر والحديث.
أماكن التسوق
من إسطنبول الحديثة، توجه إلى كاراكوي، وهو حي على شاطئ الميناء حيث توجد – إلى جانب الفنادق الخمس نجوم والمطاعم الحائزة على نجمة ميشلان – أكشاك في الهواء الطلق تبيع «باليك دوروم»، أو لفائف من السمك المشوي والخضراوات. أحد هذه الأكشاك، ويُسمى «ميشور باليكجي أيوب أسطى»، يضفي على لفائف السمك طابعاً مميزاً بغطاء من الرمان والدبس والتوابل (بسعر 180 ليرة). بعد ذلك، تجول في أحياء جيهانجير، وجوكورجوما، وكاباتاس، حيث يتميز كل مبنى – سواء كان منزلاً ريفياً فاخراً أو متجراً مكتظاً بالأنتيكات – بطابع مميز. تفضل بزيارة «لوكال ميكرز»، وهو متجر متخصص يبيع منتجات من إبداع الحرفيين الأتراك، مثل الأوشحة الحريرية من «غاليني»، والحلويات التركية المصنوعة يدوياً من «مارسيل ديلايتس»، ودفاتر التلوين بالألوان المائية من تصميم «ناز سانر». وتجد في مكتبة «توركيش مودرن»، بتصميم العين الحاسدة، والسجاد التركي متقن الصنع، والصابون المصنوع يدوياً من زيت الزيتون.
تناول العشاء في فيلا فخمة
بثرياتها على طراز «آرت ديكو»، وساحتها المغطاة باللبلاب، ومقاعدها الجلدية بلون الكراميل، تبدو فيلا «أركسترا» الفخمة، كأنها مشهد من فيلم «غريت غاتسبي». تقع هذه الفيلا التي جُددت في الستينات داخل حي «إيتيلر»، على الجانب الأوروبي من المدينة، وتضم مطعماً حائزاً على نجمة ميشلان، وصالة موسيقية، وجميعها تتطلب حجزاً يمكن إجراؤه عبر موقعها على الإنترنت. في المطعم، يعد الشيف «سينك ديبنساسون» أطباقاً شهية مثل «كاتسو ساندو»، وهو عبارة عن شريحة سميكة من اللحم النيئ بين شريحتين من الخبز الياباني الطري، أو سمك القاروس الخفيف، وهو سمك يقدم مع الملفوف وزبدة اليوزو (وجبة لشخصين، بسعر نحو 9 آلاف ليرة). بعد العشاء، توجه إلى «غرفة الاستماع»، وهي صالة موسيقية، حيث يقوم منسقو الأغاني بتشغيل الأسطوانات من المجموعة الخاصة بالمكان، أو من مجموعتهم الخاصة. يُضفي ورق الجدران المطبوع بنقوش أشجار النخيل والشرفة الخشبية البيضاء على المكان، طابعاً استوائياً جذاباً.
أبنية تاريخية حولت الى متاحف أو مطاعم راقية (نيويورك تايمز)
استمتع بوجبة إفطار شهية
لا تكتمل أي رحلة إلى إسطنبول من دون تناول وجبة الإفطار التركية، أو «كهفالتي»، التي تتكون من الجبن، والزيتون، والمربى، والخبز، والبيض، وغير ذلك. يقدم مقهى «قهوة 6» الشهير الذي يتميز بأجواء غرفة المعيشة في الداخل وتراس مغلق مليء بالنباتات في الخلف، عدة خيارات. تأتي وجبة «الفطور الكامل»، التي تكفي لشخصين، مع مربى التوت، والكايماك، وهو مثل الكريمة المخثرة، مع العسل، ومعجون الطماطم الحار، والزيتون، وجبن «لور»، الذي يشبه الجبن القريش، مع الفلفل المخلل، والخبز، وكوب من الشاي التركي القوي الساخن (بسعر 590 ليرة). يمكنك إطالة الوجبة بإضافة «مينمين»، وهو بيض مخفوق غني بالأومامي مع الطماطم والفلفل (بسعر 260 ليرة)، أو تخطي وجبة «الفطور الكامل»، وجرّب بدلاً منها وجبة «إزمير»، التي تشمل جبنة تولوم المذابة التي تقدم في مقلاة من الحديد الزهر مثالية لتغميس السيميت، وهو خبز بالسمسم (بسعر 395 ليرة).رحلة عبر الزمن
توجد في حي الفاتح – المنطقة التي تضم بعض المعالم التاريخية الرئيسية في إسطنبول، والمدرجة على قائمة منظمة «اليونسكو» – أربعة معالم سياحية لا بد من زيارتها على مسافة قريبة بعضها من بعض، سيراً على الأقدام.
ابدأ بزيارة مسجد آيا صوفيا الكبير، وهو كنيسة بُنيت في القرن السادس الميلادي وتم تحويلها إلى مسجد بعد غزو العثمانيين للمدينة (رسوم الدخول تبلغ 1050 ليرة). بعد ذلك، اذهب لزيارة مسجد السلطان أحمد المذهل. يُعرف باسم المسجد الأزرق، وهو مبنى من القرن السابع عشر مزين من الداخل بـ20 ألف بلاطة معقدة.
يُحظر دخول السياح خلال أوقات الصلاة على مدار اليوم، والتي تتغير من يوم لآخر بناء على شروق الشمس وغروبها، وتستمر كل منها نحو 90 دقيقة، ولكن الدخول مجاني في الأوقات الأخرى. تابع الزيارة إلى صهريج البازيليكا، وهو مجمع تحت الأرض بُني في الوقت نفسه تقريباً الذي بُنيت فيه كنيسة آيا صوفيا، لتخزين ما يصل إلى 100 ألف طن من المياه للمدينة.
في الداخل، تقف أعمدة قديمة ضخمة وسط مياه ضحلة، مضاءة بأضواء زرقاء وخضراء وأرجوانية (سعر تذكرة الدخول مع دليل صوتي يبلغ 1500 ليرة)، ثم انتهِ بزيارة قصر توبكابي، وهو مجمع رائع كان في السابق مقر إقامة السلاطين العثمانيين، ويضم حريماً سابقاً ومتحفاً يعرض المجوهرات والمنسوجات والأسلحة. تناول وجبة خفيفة بين المحطات في مطعم «هوكاباسا بيدجيزي»، المتخصص في الـ«بيدي»، وهو خبز مسطح كبير مع إضافات مثل اللحم المفروم والجبن والخضراوات (سعر القطعة من 300 إلى 400 ليرة).
نوصي بقراءة: كيف تُمضي أجمل 36 ساعة في أورلاندو بفلوريدا؟
التسوق من النشاطات المهمة للسياح في اسطنبول (نيويورك تايمز)
رحلة بحرية
نظراً لموقعها على قارتين يفصل بينهما شريط مائي ضيق، تزخر إسطنبول بجولات القوارب. أرخص وأسهل طريقة للذهاب والاستمتاع بالبحر هي ركوب العبّارة. تستغرق الرحلة من «إمينونو»، في المركز التاريخي على الجانب الأوروبي، إلى «كاديكوي»، وهي منطقة مزدحمة على الجانب الآسيوي، نحو 20 دقيقة وتوفر إطلالات خلابة على قصر توبكابي والمسجد الأزرق وبحر مرمرة (سعر تذكرة الذهاب فقط 40 ليرة). إذا اشتدت الرياح على سطح السفينة، يمكنك الدخول إلى المقهى الموجود على متن السفينة لتناول قهوة تركية ساخنة، أو شاي أسود. يمكن الوصول إلى العبّارات من كثير من النقاط في المدينة، وهي تعمل بانتظام. تتاح الجداول الزمنية على موقع شركة تشغيل العبّارات وعلى خرائط «غوغل»، ويمكنك الدفع بواسطة الجوال أو البطاقة.
تناول وجبة خفيفة في كاديكوي
في قلب كاديكوي النابض بالحياة، يتزاحم السكان المحليون في الشوارع الضيقة، ويتسوقون البضائع، ويحتسون الشاي، ويتناولون الأطعمة الشعبية. جهّز العشاء بناء على ما ترغب فيه. وإليك بعض الاقتراحات: ابدأ بتذوق عينات من الزيتون والجبن والصلصات في «غوزدي ساركوتيري»، وهو متجر للأطعمة الفاخرة يحدد السعر حسب الوزن (توقع أن تنفق نحو من 200 إلى 300 ليرة لتشكيلة من الوجبات الخفيفة)، ثم اعبر الشارع إلى متجر يسمى «أوزكان تورسو 1935»، لتناول كوب من عصير المخلل المنعش (بسعر 30 ليرة). ثم توجه إلى «مركز كاديكوي بوريكسيسي»، حيث ستجد كثيراً من المقاعد، لتناول البوريك، وهو معجنات مقرمشة محشوة بالجبن أو البطاطس (بسعر 140 ليرة). واختتم وجبتك في «تتار سليم»، وهو مطعم بسيط ومريح يبيع الدونر، وهو شرائح لحم ضأن طرية تقدم مع خبز مسطح وسلطة منعشة من الأعشاب والخس والرمان (بسعر 410 ليرات). لا حاجة للحجز. تناول كوكتيلاً قبل أو بعد وجبتك في مطعم «فخري كونسولوس» المريح، حيث يمكن أن تشمل المكونات الفستق والسفرجل والزعفران، وتأتي المشروبات مع وجبات خفيفة صغيرة، مثل شريحة من البقلاوة محلية الصنع (سعر الكوكتيلات 620 ليرة).
ابدأ بلمسة حلوة
بالنسبة لمحبي الحلويات، لا تكتمل زيارة إسطنبول من دون البقلاوة، وهي معجنات حلوة ومغطاة بالشراب مصنوعة من طبقات من العجين المقرمش. يقدم مخبز «كاراكوي غولو أوغلو»، وهو مخبز شهير افتُتح عام 1949، معجنات متنوعة، بما في ذلك الشوكولاته أو البقلاوة الباردة، في أجواء أنيقة وعصرية. وإلى جانبه، يوجد مقهى شهير آخر، يُسمى «ماهيزر بقلاوة كاراكوي»، حيث يمكنك العثور على أطباق ومأكولات مبتكرة، مثل شطيرة آيس كريم البقلاوة، ونوع تركي من كعكة «تريلاتشي» التركية، وبودينغ التين.
أين تقيم؟
فندق «بينينسولا إسطنبول»، فندق خمس نجوم افتُتح قبل عامين فيما كان في السابق محطة عبّارات، يقع على الواجهة البحرية في حي كاراكوي العصري قبالة المركز التاريخي. كما هي الحال مع كثير من الفنادق، تُحدد الأسعار باليورو، وتختلف حسب التوافر والموسم.
يقع فندق «أورينت بانك إسطنبول»، أوتوغراف كوليكشن، على مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من المعالم السياحية المدرجة على قائمة «اليونسكو»، مثل آيا صوفيا والمسجد الأزرق، وهو فندق صغير كان في السابق بنكاً.
غرف «موناس رومز»، المعروفة باسم «أجنحة موناس» في بعض محركات البحث ومواقع حجز الفنادق، هو فندق يضم غرفاً على طراز الشقق في جيهانجير، وهو حي يتميز بالتلال والشوارع المتعرجة.
* خدمة «نيويورك تايمز»