تختلف فلسفة ريال مدريد من حين لآخر، مع كل ميركاتو، ولكن الشيء الوحيد الثابت هو ندرة المواهب التي تخرج من أكاديمية النادي أو فريق الشباب.
ريال مدريد في الموسم المقبل تحت قيادة المدرب الإسباني تشابي ألونسو، يشهد تغييرات عديدة، ولكن تاريخيًا، بالنظر لما يحدث مع الملكي في الـ20 سنة الأخيرة، سنجد فقرًا في المواهب التي تدعم الفريق الأول.
حتى عندما يتألق لاعب من شباب ريال مدريد، يكون ذلك التألق مع أندية أخرى، ليسعى الملكي من أجل استعادته مرة أخرى وعودته إلى سانتياجو بيرنابيو.
في كرة القدم الحديثة، تختلف فلسفة الأندية بين من يقوم ببناء نجومه في معامل الأكاديمية، ومن يفضل اصطياد المواهب الجاهزة من الأسواق.
ريال مدريد اختار الطريق الثاني، وبات يُتقن لعبة الفرص الذهبية أكثر من أي نادٍ آخر في العالم، للعديد من الأسباب، أهمها قيمة النادي الملكي الشرائية، بالإضافة إلى قيمته العالمية التي تعتبر إغراءً لأي لاعب.
ريال مدريد لا ينتظر كثيرًا لصناعة لاعب شاب، ولا يدخل في صراعات مزايدة على صفقات ضخمة، بل يراقب بهدوء، بدليل أن آخر سوقي انتقالات، تمكن من ضم مبابي وترينت ألكسندر أرنولد مجانًا.
تصعيد جونزالو جارسيا لفريق ريال مدريد الأول لكرة القدم، جاء في ظل ابتعاده الموسم الماضي من قبل كارلو أنشيلوتي، وبمجرد أن سنحت الفرصة له، أشركه ألونسو وتألق، وحصل على لقب هداف كأس العالم للأندية 2025.
ذلك الأمر يجعلنا نذهب إلى ما هو أبعد، في السنوات الماضية التي لم تشهد تألق لاعب شاب يخرج من شباب النادي الملكي، ونجد بأن جميعهم يرحلون ويستفيد منهم الفريق ماديًا.
الأمثلة كثيرة، مثل خيسي رودريجيز، الذي رغم تصعيده في 2013، لم يتمكن من اللعب أساسيًا، ورحل إلى باريس سان جيرمان، ثم رحلة طويلة حتى أصبح بدون نادٍ الآن وهو في سن الـ32 فقط.
في 2011، تم تصعيد ألفارو موراتا، لكنه لم يحصل على الفرصة الكاملة في ريال مدريد، رحل وتألق مع يوفنتوس، ثم أعاده النادي الملكي ببند إعادة الشراء، لكنه لم يتمكن من الحصول على الفرصة في ظل وجود رونالدو وبنزيما، وظلت مسيرته بين العديد من الأندية الأوروبية الأخرى.
هناك إسباني آخر أيضًا في الهجوم، هو خوسيلو لويس ماتو، الذي تم تصعيده في 2012، ولكنه لم يحصل على الفرصة، ورحل إلى هوفنهايم الألماني، ثم خاض رحلة طويلة مع العديد من الأندية.
عاد في 2023 لريال مدريد، ولعب موسمًا واحدًا، حصل خلاله على لقبي الدوري ودوري الأبطال، وكانت أبرز لقطاته الثنائية الحاسمة ضد بايرن ميونخ في نصف نهائي الأبطال بملعب سانتياجو بيرنابيو.
في 2016، تم تصعيد بورخا مايورال، ولكنه رحل إلى فولفسبورج، وظل يخرج إلى أندية أخرى في إعارات، حتى عام 2022، حيث لعب لليفانتي، وروما، وخيتافي، قبل أن يقوم الأخير بشرائه من ريال مدريد مقابل 10 ملايين يورو.
كل هذه الأمثلة في مركز الهجوم فقط، وهناك عدد من اللاعبين مثل أودريوزولا في مركز الظهير الأيمن، بالإضافة لريجيلون الظهير الأيسر.
وفي الموسم قبل الماضي، كان هناك نيكو باز، الأرجنتيني الذي تألق بعد تصعيده، ومن ثم رحل إلى كومو وتوهج تحت قيادة سيسك فابريجاس ببطولة الدوري الإيطالي.
كل ما سبق على سبيل المثال وليس الحصر، ولكن على صعيد آخر، فإن ريال مدريد يُتقن تمامًا استغلال الفرص وكيفية جلب النجوم منذ عقود من الزمن.
قد يهمك أيضًا: ألونسو يرغب في ضم جُنديه القديم إلى ريال مدريد
العديد من اللاعبين الكبار الذين تعاقد معهم ريال مدريد بمبالغ خرافية، مثل لويس فيجو في صفقة الخيانة الكبرى من برشلونة، وزين الدين زيدان من يوفنتوس، مرورًا بجالاكتيكوس بيريز الأول وما كان يمتلكه من أساطير.
كريستيانو رونالدو، ورغم أنها كانت الصفقة الأغلى، لكن الملكي تمكن من تغطية كل يورو أنفقه لضم اللاعب الأفضل في الدوري الإنجليزي الممتاز حينذاك، ليُكرر الأمر بعد ذلك مع مودريتش وجاريث بيل من توتنهام.
كذلك مع توني كروس من بايرن ميونخ، وأيضًا قبله كريم بنزيما من ليون الفرنسي، وجميعهم كانوا نجومًا في أنديتهم، ولكن المبالغ التي أنفقها الملكي لم تكن كبيرة بالنظر لإمكانيات هؤلاء.
اصطياد النجوم بالمبالغ الكبيرة كان سياسة فلورنتينو بيريز، قبل أن يتم تعديل تلك السياسة بشكل طفيف لكنه جوهري، وهو الاستفادة من ضم النجوم بمبالغ قليلة ماليًا، وربما بدون مقابل من الأساس.
قبل أن يتخذ ريال مدريد ذلك النهج، كان يسعى لتدعيم صفوفه بلاعبين صغار في السن من أمريكا الجنوبية، مثلما حدث ذلك مع الثلاثي فيديريكو فالفيردي، وفينيسيوس جونيور، ورودريجو جوس، والثلاثي كانوا من ضمن الأعمدة الرئيسية للجيل الذهبي خلال السنوات الخمس الماضية.
ومن ثم بدأ ريال مدريد في اتخاذ نهج الصفقات المجانية، وربما يكون ذلك بعد أن تعاقد مع إيدين هازارد في 2019، مقابل 100 مليون يورو، رغم أنه كان على بعد موسم واحد فقط من الرحيل مجانًا عن تشيلسي، في ميركاتو أنفق فيه الملكي أكثر من 300 مليون يورو.
انتظر ريال مدريد في ميركاتو 2020 ولم يبرم أي صفقة، خاصة في ظل جائحة فيروس كورونا، ومن الموسم التالي، بدأت السياسة التي كان يخطط لها فلورنتينو بيريز، وهي الاكتفاء بعقد اللاعب الكبير، وضمه بدون مقابل.
وفي صيف 2021، تعاقد الملكي مع دافيد ألابا في صفقة انتقال حر، بعدما انتهى عقده مع بايرن ميونخ، في نفس الميركاتو الذي انضم فيه إدواردو كامافينجا من ليون مقابل 31 مليون يورو.
نفس الأمر تكرر في 2022، انضم تشواميني بـ80 مليون يورو بعدما فاز الملكي بالسباق على أندية أوروبا الكبرى، ولم ينفق الملكي سوى ثمن هذه الصفقة فقط.
وتمكن فلورنتينو بيريز حينها من التعاقد مع أنطونيو روديجير، مدافع تشيلسي الإنجليزي بعد نهاية عقده أيضًا، ليستمر في تطبيق سياسة المجان.
في 2023، كانت بداية لتجديد الدماء، وتمكن ريال مدريد من التعاقد مع جود بيلينجهام وحسم الصفقة لصالحه من بوروسيا دورتموند، واضطر النادي لإنفاق 143 مليون يورو، منهم 113 فقط لضم جود، بالإضافة لأردا جولر وفران جارسيا، وسعر الثنائي لم يتجاوز الـ30 مليون.
صيف 2024، كان عقد كيليان مبابي قد انتهى، وبعدما لم يتمكن من الانضمام للملكي قبل عامين، تعاقد معه بيريز بدون مقابل، حيث رحل عن باريس سان جيرمان وانضم لكتيبة كارلو أنشيلوتي، ميركاتو لم ينفق فيه الملكي سوى 49 مليون يورو، على إندريك من بالميراس، وخوسيلو من إسبانيول قبل رحيله إلى الغرافة بنفس المبلغ.
وعندما ننظر لما حدث في السنوات الماضية، بعد التعاقد مع لاعبين مثل ألابا ومبابي وروديجير، وجميعهم كانوا مؤثرين في أنديتهم، لن تتفاجأ عندما ترى ترينت ألكسندر أرنولد، أفضل ظهير أيمن في الدوري الإنجليزي، ينضم بدون مقابل، باستثناء 10 ملايين يورو دفعهم الملكي لمشاركته فقط بمونديال الأندية وترك الريدز قبل نهاية عقده بأيام قليلة.
رغم الانفاق سوق الانتقالات الحالي ما يقرب من 170 مليون يورو، بضم دين هويسن وكاريراس وماستانتونو، إلا أن السياسة نفسها لا تزال مستمرة.
قد تتأجل تطبيقها إلى الصيف المقبل، على إبراهيما كوناتي، مدافع ليفربول الذي يسعى الملكي للتعاقد معه، وينتهي عقده في يونيو 2026.
في النهاية، يُمكن القول إن القاعدة في سانتياجو بيرنابيو واضحة: لا وقت لتربية المواهب، فالملكي اعتاد أن يصطاد النجوم عندما يصبح اصطيادهم متاحًا. خاصة وأنه ريال مدريد.. فالإغراء في الاسم وحده يكفي.