الإثنين, يوليو 28, 2025
الرئيسيةالوطن العربيالسعوديةخزف من موقع «الصناعية» في واحة تيماء بالسعودية

خزف من موقع «الصناعية» في واحة تيماء بالسعودية

تمتدّ واحة تيماء بين جبال الحجاز وصحراء النفود الكبيرة، وتُعرف بمعالمها الأثرية العديدة، وأشهرها موقع سُمّي «قصر الحمراء»، يطلّ على بحيرة منطقة «الصبخة»، وقد كشفت وكالة الآثار والمتاحف السعودية عن أطلاله في نهاية السبعينات من القرن الماضي، وواصلت حملة المسح في السنوات التالية، وكشفت عن موقع آخر في جنوب سوار القصر، أطلقت عليه اسم «الصناعية»، حوى سلسلة من المقابر المتجاورة، خرج منها عدد هائل من اللقى المتنوعة، منها قطع من الخزف تميّزت بحللها الملوّنة، تُعرف اليوم بـ«خزف الصناعية».

أنجز أبو عبيد البكري معجمه الجغرافي في القرن الحادي عشر، وفيه ذكر تيماء، وقال إنها «من أمّهات القرى»، وهي «مدينة لها سور»، وقد دخلت في النسيان، إلى أن شرع بعض الرحالة من المستشرقين في استكشافها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان أبرزهم الفرنسي شارل هوبير الذي عاد منها بمسلّة ذاع صيتها في الأوساط الأكاديمية، فلقّب في موطنه بـ«مكتشف تيماء». توافد البحّاثة والمنقّبون إلى هذه الواحة لدراسة معالمها خلال العقود التالية، وبرز في هذا الميدان المستعرب البريطاني جون فيلبي في منتصف القرن العشرين. ثم واصلت وكالة الآثار والمتاحف السعودية هذه المهمة في منتصف السبعينات، وقامت بسلسلة من الحفريات كشفت عن أبرز المواقع الأثرية في هذه الواحة، ومنها بناء يتكوّن من ثلاثة أقسام رئيسية، شُيّد من الحجارة الحمراء المحيطة بالمنطقة، أُطلق عليه اسم «قصر الحمراء».

امتدّت هذه الحفريات إلى خارج هذه المواقع في الثمانينات، وبلغت منطقة صناعية تقع جنوبها، وتُعتبر من المرافق العامة. من المفارقات الغريبة أن هذه المنطقة كانت تعجّ بالسيارات التالفة والأدوات التالفة بحكم مجاورتها للورش الصناعية، وهي على شكل أرض مستطيلة يبلغ طول ضلعها الشمالي 8 أمتار، والغربي 110 أمتار، تحيط بها أربع تلال فقدت الكثير من معالمها من جراء تمديدات أرضية مستحدثة. في مرحلة تمهيدية، شرعت البعثة المكلّفة بإجراء أعمال المسح والتنقيب في جمع اللقى المبعثرة على سطح الموقع، وتمثّلت في مجموعة من بقايا قطع خزفية ملوّنة وصلت على شكل قطع مكسورة. بعد هذه المرحلة الأولى، تحوّل الموقع الصناعي إلى موقع أثري، وكشفت أعمال التنقيب المعمّقة فيه عن معالمه المعمارية، واتضح أنها تعود إلى سلسلة مؤلّفة من 6 مدافن خرجت منها كمية هائلة من اللقى فاقت من حيث العدد كلّ التوقّعات.

اقرأ ايضا: مكابلي: «مونديال الرياضات الإلكترونية» هذا العام أكثر قوة وحماساً

جرى تصنيف هذه اللقى، فتكوّنت من مجموعة قطع معدنية، تقابلها مجموعة من قطع الخرز والمحار، ومجموعة من القطع الخزفية، بدت أكبر هذه المجموعات وأهمّها على الصعيد الأثري والفنّي. ضمّت هذه المجموعة الغنية قطعاً حافظت على تكوينها بشكل كامل، وأظهرت الدراسات اللاحقة أنها تعود إلى القرون الأولى من الألف الأول قبل الميلاد، وتشابه قطعاً عثر عليها في مواقع أخرى من تيماء ونواحيها، غير أنّها تتميّز بتنويعات خاصة تتجلّى في صناعتها وفي صياغة حللها وتزاويقها. دفع هذا التمايز أهل الاختصاص إلى إطلاق تسمية «خزف الصناعية» على هذه المجموعة المكوّنة من أصناف عدة، فمنها الأطباق المخروطية الشكل، ومنها الأقداح الكبيرة التي تأخذ شكل ما يُعرف بالقصعة والزُبْدِيَّة، ومنها الأقداح الصغيرة التي تتميز بعروة صغيرة متّصلة بحافتها، وهي من الأواني التي تُستخدم كمجامر.

تتبع أجمل هذه الأطباق زينة خاصة قوامها عارضتان متساويتان ومتصالبتان تتقاطعان في وسط المساحة الدائرية، ومنها طبق يبلغ طول قطره 19.5 سنتيمتر، زُيّن بشبكة من الخطوط المتقاطعة، سُطّرت باللون الأحمر الترابي القاتم، وطبق يبلغ طول قطره 14 سنتيمتراً، تتوسّطه عارضتان متصالبتان مزخرفتان تمتدّان على مساحة مجرّدة، يحدّ كل طرف من أطرافها شبكة من أربعة مثلثات. يتكرّر هذا التأليف مع اختلاف في التفاصيل على طبق ذي حجم مماثل، يتميّز بظهور أربعة طيور محوّرة هندسياً، تشكّل ظهوراً نادراً للعناصر الحيوانية في هذه الزخارف التي تعتمد بشكل شبه كلّي طابعاً تجريدياً صرفاً.

في المقابل، تتبع الأقداح والمجامر نسقاً حراً يتميّز بتنوّع كبير في زخارفه الملونة، فمنها ما أُنجز بأسلوب بسيط ومختزل يعتمد عدداً محدوداً من العناصر الزخرفية، ومنها ما أُنجز بأسلوب منمّق، يشهد لحرفيّة عالية في التزويق، تتجلّى في شبكات متداخلة ومتآلفة من الزخارف المبتكرة. أبرز هذه القطع وأجملها فنياً، قدح ذو قاعدة مسطّحة يتميّز بحجمه الاستثنائي الكبير؛ إذ يبلغ ارتفاعه 22 سنتيمتراً، وقطره 34 سنتيمتراً، وتزيّنه زخرفة غنيّة، متقنة ومرهفة، تتكوّن من خمس عشرة طبقة أفقية، سُطّرت زخارفها بالأحمر القاتم على خلفية مجرّدة.

تعتمد هذه الطبقات الدائرية على ثلاث سلاسل زخرفية تتكرّر عناصرها الهندسية بشكل تعادلي متناغم، يعلوها شريط صاف مجرّد يلتفّ حول طرف القدح الأعلى.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات