لم تعد الكارثة الإنسانية في قطاع غزة مجرد أزمة، بل تحولت إلى مجاعة موثقة وممنهجة، تستخدم فيها حكومة كيان الاحتلال وجيشها سياسة التجويع وإغلاق المعابر كسلاح رئيسي في حرب الإبادة التي تشنها على أكثر من 2.4 مليون فلسطيني، وذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
و في ظل استمرار العدوان على قطاع غزة، تبرز سياسة “الضغط المركّب” التي يمارسها كيان الاحتلال كأداة إبادة أكثر فتكاً من الاجتياح المباشر، حيث يتم خنق القطاع تدريجياً عبر مزيج من المناورات السياسية، والقتل الميداني الممنهج، والانهيار الاقتصادي الداخلي الذي يفاقمه جشع بعض التجار، مما يضع 2.4 مليون فلسطيني في معادلة موت عبثية.
على الصعيد السياسي، يواصل كيان الاحتلال إرسال وفوده إلى جولات تفاوضية في الدوحة وغيرها، والتي يصفها مراقبون بأنها “مفاوضات لا تحمل مضموناً جدياً”، بل تهدف إلى استنزاف الوقت وشراء غطاء دبلوماسي لمواصلة العمليات العسكرية على الأرض.
وتشير تسريبات متطابقة من مصادر ميدانية إلى أن جيش الاحتلال يعمل وفق أوامر مباشرة بوجود “هدف يومي” لا يقل عن 100 شهيد فلسطيني. ويرى محللون أن هذا التكتيك الوحشي لا يهدف فقط إلى تحقيق أهداف عسكرية، بل يسعى بشكل أساسي إلى إضعاف الجبهة الداخلية وكسر إرادة المقاومة تحت ضغط الخسائر البشرية اليومية.
في الداخل، يواجه المواطن المحاصر شكلاً آخر من الضغط الوحشي، حيث أدى الحصار وندرة المواد الأساسية إلى ظهور سوق سوداء يتحكم فيها بعض التجار، الذين يفاقمون من معاناة الناس. وتشير شهادات من داخل القطاع إلى وصول الأسعار لأرقام صادمة:
كيلو الطحين: 30 دولاراً.
ملعقة السكر: 10 دولارات.
قد يهمك أيضًا: مراسل رؤيا: العثور على جثمان الشهيد محمد شلبي بعد ساعات من فقدان أثره في قرية سنجل شمال رام الله
هذه الأسعار الخيالية تأتي في ظل انعدام شبه تام للدخل والسيولة النقدية، مما يدفع الأهالي إلى إطلاق استغاثات يومية لأقاربهم في الخارج لتحويل أموال بالكاد تكفي لشراء وجبة واحدة تقيم أود العائلة ليوم واحد.
وهكذا، يجد الغزي نفسه محاصراً بين ضغط القتل الميداني من جيش الاحتلال، وضغط الابتزاز الاقتصادي من تجار الأزمة، وضغط اجتماعي يحول الأمل في النجاة إلى رحلة بحث يومية عن لقمة العيش.
أمام هذا الواقع المركب، تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة مواجهة “سلاح الضغط” بضغط مضاد وفعال على عدة جبهات:
على صعيد المقاومة: يطالب محللون بأن تمتلك فصائل المقاومة أوراق ضغط فاعلة تقلب الطاولة على كيان الاحتلال، وتفرض شروطاً تضمن بقاء الناس وحياتهم قبل الدخول في أي تفاوض سياسي.
على الصعيد الحكومي الداخلي: هناك دعوات ملحة للجهات الحكومية في غزة بالتحرك الفوري لضبط الأسواق، ومحاسبة من يحتكر الطعام ويستغل حاجة الناس، ووضع سقوف سعرية عادلة، لأن ترك السوق للفوضى يُعتبر مشاركة في الحرب ضد الجائعين.
على الصعيد الشعبي والدولي: تتزايد الدعوات للشعوب الحرة حول العالم بتكثيف الضغط الحقيقي عبر الحملات المنظمة، والتظاهرات الضاغطة أمام السفارات، وتفعيل المقاطعة الاقتصادية، والعمل على إيصال الصورة الحقيقية للمجتمعات الغربية.
تشير كافة الأدلة والوقائع الموثقة إلى أن إغلاق المعابر ليس إجراءً أمنياً، بل هو قرار سياسي من حكومة كيان الاحتلال وجيشها باستخدام أبشع الأسلحة – سلاح التجويع – لقتل الفلسطينيين ببطء وتهجيرهم قسراً، في جريمة مستمرة تبث فصولها على الهواء مباشرة أمام عالم يبدو أنه فقد القدرة، أو الإرادة، على التحرك.